بقلم : بلقاسم سداين
كثيرا ما نوظف في كلامنا المكتوب، والشفهي كلمات دون أدنى معرفة بمفهومها اللغوي الصحيح وما تقصده من دلالة معنوية وفق المعاجم اللغوية العربية.فنجد في اللغة العربية الكثير من الأخطاء اللغوية والتعبيرية والتركيبية و مرد ذلك لعدة اعتبارات سياسية ثقافية اجتماعية عقائدية. وبيئية و صوتية وعرفية. ومن ذلك :
من الأخطاء قولنا مثلا: كلما تطور الطب كلما تحسنت ظروف العيش…هناك تكرار لا يفيد شيئا . فالفعل بعد: ما يكون ماضيا لا مضارعا يقول تعالى (كلما دخل عليها المحراب، وجد عندها رزقا)
هناك من يعتبر فعل: عانى لازما فيتم تعويضه بحرف جر. والواقع انه متعد نقول عانى الشدائد- عانى الجوع..
هناك خلط بين كلمة: غَذاء و غِذاء.غَذاء تناول الطعام في وسط النهار (الغدو).والغِداء التغذية بصفة عامة( المواد الغِذائية ).
نقول : بقيت نصف ساعة : فالفعل فيه ضمير يعود على الساعة وهو خطأ. والصحيح قولنا بقي نصف ساعة فالفعل فيه ضمير يعود على كلمة نصف..
نقول بالإضافة إلى ذلك خطأ والصحيح إضافة إلى ذلك استنادا إلى ذلك. مفعول به منصوب أضيف إضافة استند استنادا..
عبد المضافة إلى إحدى صفات المولى تعالى أصبح الكثير يحذفها فيقول: حميد…كريم.. جليل…
وهي صفات مرتبطة بالذات اللاهية وليس بالذات الإنسانية…وإلا سيحذف ذات مرة لا قدر الله عبد المضافة إلى الإله ..عبد النور..عبد الله..عبد القادر..
نسمع في إعلامنا عبارة: الثمانينيات، والتسعينيات..والصحيح الثمانينات والتسعينات…
نسمع في إعلامنا: جولة وزير الدفاع الأمريكي الشرق أوسطية ( أوسط صفة لموصوف معرف: الشرق. والنعت يتبع منعوتة في كل شيء..
نلاحظ أن كثيرا من الناس يرفعون إسم إن إذا جاء منفصلا عنها فيقولون إن في هذه المسالة إشكال ٌ. والصحيح إشكالا..
يجعلون الاسم الذي يلي: حيث مكسورا فالصحيح يجب رفعه لأن حيث ليست حرف جر ف الصحيح أن نقول من حيث التمهيد ُ التمهيد مبتدأ مؤخر..
إسم كان إذا كان منفصلا عنها يجعلونه مفتوحا لكن يجب رفعه: إذا كان كما قلنا( الأمرَ مفهوما ) والصحيح الأمرُ مفهومًا ..
هناك من لا يفرق بين المَنطقة والمِنطقة. فالمَنطقة الناحية والمِنطقة: الحزام..
مسحوا من القاموس (الوجود) وعوضوه بكلمة التواجد. والتواجد لا علاقة له بالوجود فالتواجد من الوجدان لا من الوجود ومعناها الانفعال..
لا توجد كلمة تظاهرة في اللغة العربية على وزن تفاعله وإنما الأصح والسليم دائما مُفاعله: مُظاهرة فلا نقول تفاهمة بل مُفاهمة ولا نقول تعارفة بل مُعارفة..تكاملة بل مٌكالمة…
لا نقول بأية وإنما: بأي للمذكر والمؤنث يقول تعالى( في أي صورة ما شاء ركبك )
سوف لن أسافر: تعبير يضم الإثبات سوف، والنفي لن. فلا يمكن الجمع بين متناقضين. الإثبات: سوف أسافر. و النفي لن أسافر.. فلا يجوز الجمع بين المتناقضين.
نقول :كُتب الموضوعٌ من طرف الصحافي ..كُتِب فعل مبني للمجهول لكن نلاحظ أن فاعله معلوم هو:
Est écrit de la part الصحافي .فيتضح جليا أن التركيب هو ترجمة حرفية من اللغة الفرنسية :
و الأمثلة كثيرة في هذا المجال اللغوي، ومتنوعة، ومختلفة أيضا.
فهل يمكن القول أن هذه الأخطاء شائعة، ومنتشرة،. فننضم إلى من يقول: (خطأ مشهور.. خير من صواب مهجور..) لكن المعاجم العربية تحتفظ لكل مفردة. بمدلولها اللغوي والمعجمي عبر مر العصور والأزمان ..فتحتفظ لها بمدلولها الحقيقي والصحيح رغم تعسف المستعملين عن قصد آو عن غير قصد ..
ومع مطلع كل (سنة )جديدة يكثر توظيف هذه المفردة في غير مكانها المناسب. فنقول:
سنة سعيدة…! و كل عام وانتم بخير.
ويكثر توظيف كلمة سنة في هذه المناسبة: كتابة، وشفهيا، وفي إطار تبادل التهاني، وفي كل الصور التذكارية، و الرسائل المتبادلة.. و الهدايا …و….
لكن هل فكر المستعملون عن المفهوم الحقيقي واللغوي لكلمة: سنة.ووقفوا عند مدلولها الأصح والحقيقي لغة حسب ما هو منصوص عليه في معاجم اللغة العربية.حيث تتفق جل المعاجم على أن كلمة: سنة أصلها:
السََنهَةُ بوزن الجَبهَة فحذفت اللام ونقلت حركتها إلى النون فبقيت: سَن..َ(هـَــ)..ة لأنها من سَنَهَتِ النخلة وتَسَنَّهَتْ إذا أتى عليها السِّنُون..
و تجمع كلمة سنة على: سنوات، سِنون سُنون ..سِنين ..سَنَهَات..فيتضح أن أصل سنة إما سَنَوَة أو سَنَهَة
و السنة كلمة منقوصة، والحرف الناقص منها إما:الواو، أوالها بدليل أننا نقول في الجمع سَنَهَات و سَنَوَات (سَنَوَة ..سَنَهَة ). ونقول سُنون بضم السين و سِنون بكسر السين وسِنِينَ على كل حال ( نصباً ورفعاً وجرًا ) وتعتبر الكلمة اسم موضوع للجمع ويكون الإعراب على النون الأخيرة. يقول تعالى:
(ثلاثمائة سِنِينَ ).ويقول: ( و لقد أخدنا آل فرعون بالسِّنِينَ ) أي بالقُحُوطِ .يقول تعالى في سورة يوسف الآية 46/47/48:(قال تزرعون سبعَ سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شدادٌ يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تُحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصِرون.)
أسْنَتَ القوم أصابهم آو أصابتهم سَنَة والسنة هي القَحْط و الجَدْب، والأزمة. يقول الشاعر ابن الزبعرى :
عَمْرُو العُلا هَشَمَ الثَّرِيدَ لقومِهِ ورجالُ مكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجاف ُ
مُسْنِتُونَ: مُجدبون أصابهم السنة والقحط ، والجدب..وأسنت أجدب وفي حديث ابن تميمة :
الله إذا أسْنَتَ أنْبَتَ لك.. والمعنى إذا أجْدَبْت أخْصَبَك…
و يقال للأرض التي لم يصلها مطر، ولم تنبت: السَّنَتَةُ ، والمُسْنِتَةُ ’ فهي كذلك أرض: سَنْهَاء، وسَنْوَاء لأنها قد إصابتها السنة، والقحط ..
ومما تقدم يتضح جليا أن الأسرة الدلالية واللغوية ل :س + ن .. تدل دائما على : الضيق’ الشدة ’ العسر’ القحط ’ الجدب، الأزمة… الصعوبة….
نقول أخد تهم السنة : إذا اجْدِبُو واقحطو.. ونقول أرض فلان سنة: بمعنى مجدبة. واسنتو: اجدبو واُقحطوا. وفي الحديث: ( اللهم اعني على مُضرَ بالسَّنة ) .
وفي حديث حليمة السعدية: (خرجنا نلتمس الرضعاء بمكَّةَ في سَنَة سَنْهَاء) أي لا نبات بها ولا مطر.. يقول تعالى: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يَتَسَنَّه ) و التَّسَنُّه : التَّكَرُّج الذي يقع على الخبز والشراب وغيره لم يتسنه لم تغيره السِّنون . ولم يتغير بمرور السنين عليه..
و يقول تعال: من حمأ مَسْنُون ..متغير. وسنان الرمح وجمعها أسنةوالسِّنة: السكة الحديدية التي تحرث بها الأرض، وجمعها سِنَنٌ. ويقال للفؤوس السِّنَن.وسِنُّ القلم :موضع البَرْي منه..و السِّن من الثوم:
حبة من رأس الثوم، وسِنَّة من ثوم: فِصَّته .
السن: العمر
أسنان القوم أكابرهم وأشرافهم..
اسنَّ الرجل: كَبِرَ فهو مسن: أسنَّ يُسن انْسِناناً
فنقول هذا أسن من هذا يعني أكبر سِنّاً
والمِسَنُّ والسِّنَان: الحجر الذي يُسَنُّ عليه أو يُسَنُّ به.وسنان الرمح: حديدته لصَقََالَتَها وملاسَتها. و نقول سَنَنْتُ السنان أسُنُّه سنّاً فهو مسنون..إذا أحددته على المسن. وسننت السكين أحددته وسنَّ أضراسه سنا سوَّكها كأنه صَقَلَهَا.
و السنة : الوجه لصقالته وملاسته (الأسالة، والصقالة). و نقول السنة: الوجه، ونقولها لصورة الوجه أيضا يقول الشاعر ذو الرمة :
تُرِيكَ سنة وجهٍ غيرَ مقرفةٍ ملساءَ ليس بها خَالٌ ولا نَدَبُ
حسن السنة. و قبيح السنة. بمعنى الوجه.
و سن سنة أي بين طريقا قويما. والسنة: السيرة. قال خالد بن عتبة الهذلي
فلا تزعَجَنْ من سيرةٍ أنت سِرْتَهَا فأولُ راضٍ سنة ًمن يسيرُها
سننت سنة فاتبعوها. وفي الحديث: من سن سنة حسنة فله أجرها..).والسنة الطريقة والنهج وهي مأخوذة من السنن وهو الطريق ..والسنن القصد. والمسنون: المُنْتِن ( الحاد)
المسن حديدة يسن عليه أي يحك عليه ومسنون بمعنى محكوك..
و السنا: ضوء البرق أو النار يقول تعالى( يكاد سنا برقه يذهب بالإبصار ) سنا إلى معالي الأمور سناءً ارتفع.يقول الحديث: ( بشر أمتي بالسناء ) أي بارتفاع المنزلة والقدر عند الله…
وتسنى لي كذا: تيسر..وسهل…بمعنى أصبح ضعيفا وهينا يسهل التغلب عليه وهن…
وقد يتساءل البعض أين الضيق في السنة بمعنى الطريق فالطريق عندما تقف وسطه وتنظر بعيدا يظهر لك الطريق يضيق كلما بعد. والسن العمر كلما تقدم الإنسان في العمر في اتجاه الشيخوخة ضاق وسار إلى الهرم في اتجاه نقطة النهاية والهرم له قاعدة واسعة ونهاية ضيقة.السنا الضوء كلما كان بعيدا ظهر لك كنقطة لامعة.فالقمر مثلا ليس بنفس الصورة التي نشاهده فكلما بعد ضاق والسناء المعالي طريق معنوي نحو مكانة محددة.و القصد طريق معنوي في اتجاه تحقيق رغبة من الرغبات فالسنة وعائلاتها اللغوية، والدلالية تشترك في دلالة: الضيق والشدة، والقحط، والحدة والأسالة والصقالة… فلا يمكنك قول سنة سعيدة فالسنة تطلق على مالا يرغب فيه الإنسان. ولايمكن أن تكون السنة سعيدة مادامت تدل على الجدب والقحط والشدة والعوز والأزمة..والأصح أن نقول عام سعيد لان العام عكس السنة دلالة ومعنى. ونتمنى أن تكون هذه السنوات أعواما. وأتمنى أن تعودوا إلى معرفة المدلول الحقيقي لمفردة عام وأسرتها الدلالية واللغوية حيث تدل على الفيض، والخير، والانتشار، و العموم، والكثرة، و الماء …