بقلم : الخضير قدوري
اجل، انه ملف اجتماعي ساخن يفجره احد أفراد الجالية المقيمة بالخارج ،قد يهز بتموجاته أركان المدونة ويزعزع قواعد مؤسسة الأسرة ،ومن ثم يلقي بدخانه على المجتمع ككل ،ويجعل المشرع المغربي على المحك ليعيد النظر في بعض فصول مدونة الأسرة، ويعمل على توسيع تشريعاته لتشمل كل فئات المجتمع المغربي في الخارج كما في الداخل . قد نجد هذا المشكل المطروح جديرا بان يدون ضمن رواية اجتماعية تنبثق عن واقع المجتمع المغربي ،ولما كانت أزمة قراءة المطولات لدى محبي المختصرات تحول دون ذلك، ولأهمية الموضوع ارتأينا نشر تفاصل الواقعة ضروريا ، ولو أدى بنا الأمر لتقسيمه إلى حلقات
ويتعلق الأمر بالمرحوم السيد ” م ع ب ” المتقاعد من دولة اروبية ،متزوج قيد حياته بالسيدة ” ع م ” المقيمة بأرض الوطن ، من أنجبت له ذكرا قد يتجاوز عمره 30 ربيعا ،وأنثيين اصغر منه بقليل. وبعد عودة الهالك إلى موطنه كمتقاعد استنزف شبابه في غربة حرمته من وصال أسرته طوال أربع عقود خلت وهو مايزال يتمتع بصحة جيدة كما يذكر لنا ابنه البكر، ليولي اهتمامه أكثر بأسرته ويحاول أن يتمتع قدر الإمكان بما تبقى من حياته إلى جانب زوجته وأبنائه ،وفق الظروف المادية والاجتماعية المتوفرة لديه ، وهي كفيلة إلى حد ما بتعويضه عن الحرمان من دفء الأسرة الذي عاناه لعقود عديدة .لاشك في أن الرجل قد عاد إلى وطنه وأسرته مثقلا بحمولات في طياته، كغيره من المتقاعدين الحالمين الذين كان أملهم لو يمد الله في عمرهم حتى يتمتعوا قليلا بما أنجزوه واعدوه وحققوه في وطنهم .
لكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، وبعد أشهر قليلة أحسست بوالدي كأنه يعاني من شيء غير عادي، وأصبح حاله يختلف عما كان عليه وسلوكه قد تغير بشكل خطير ، ولما كنت استفسر والدتي عن الأمر باعتبارها شريكة لحياته، وأمينة لسره .كانت تبادرني بأقوال عنيفة فتقطع الطريق دون كل من يرغب في الاطلاع على الأمر، وما كنت أريد بذلك سوى الاطمئنان على صحة والدي ،قد لا يهمني المشكل أن كان يتعلق بحياته الخاصة وهو اقدر من أي احد على معالجته
ولما تعذر علي معرفة الحقائق التي تجعل سلوك والدي يتغير بهذه الدرجة التي أدت به إلى الغياب عن المنزل لأيام، ولم يبق لنا وقتا للاجتماع به والجلوس معه حول مائدة الأكل أو الشراب ،ولم يريد أن يفتح لنا باب صدره المغلق على سر ما قد يجعله ينطوي على نفسه لهذه الدرجة التي قد توصله إلى حد الاكتئاب لأقدر الله .ولما اجتمعت بأختاي محاولا الاستعانة بهما علهما تصلان معي إلى معرفة حقيقة ما يدور في كواليس هذه الأسرة ، وقد تبين من خلالهما أن الأمر يتعلق بالبيت الزوجية وبالشريك الأخر
وبعد هذا التشخيص بدا المشكل في نظري عاديا ،لم يعد مستعصيا بالحدة التي كنت أتوهم ،وفي هذه الحالة حاولت مفاتحة والدي في الموضوع ،وفعلا كان الأمر كذلك ، لم تعد الزوجة راغبة البتة في استمرار العلاقة الزوجة الطبيعية، لكنها لم تقبل على معالجة المشكل بأي حال ، ولا هي مستعدة لبذل أي مجهود من اجل المحافظة على الروابط الأسرية فتجنبها مأساة التفكك والتشرد والشقاء الذي ينغص حياتهما الزوجية . كما أنها لم تحاول الاقتناع بالحلول المعروضة لتفادي النتائج غيرالحميدة ،وإنما كانت تصر أبدا على التصعيد والتصلب
ولما أصبحت أمام القانون مجبرة على الخيار بين السمح لزوجها بالتعدد أو الطلاق ، وكلا الحالتين تجد أحلاهما مرا، ضلت تتشبث بعدم القبول بأي خيار لكن الطرف الأخر مهما كان على حق فهو ما يزال يحاول إقناعها بضرورة إيجاد الحل المرضي والمناسب ،ولمدة قد تصل إلى سنة دون فائدة . ولما يئس من أمرها رشدا نزل عند نزوتها الطائشة فقبل على مضض ترك المنزل ومغادرة الأسرة مجنبا إياها شر التفكك وويلات التشرد والشقاق إلى حين، ثم عاد إلى موطن إقامته بصفة نهائية يجر ذيول الخيبة خالي الوفاض إلا من يأس قاتل وندم جارح ، لكن والدتي سامحها الله لم تكن تقف عند هذا الحد عندما تقدمت للمحكمة بدعوى إهمال الأسرة لتزيد الطين بلة وتعمق الهوة أكثر، دون أن تراعي حقوق هذا الرجل عليها وتفي بواجباتها نحوه ،. ومن ثم تقطع حبل الوصال والاتصال بيننا ووالدي لمدة تزيد على عقد من الزمان إلى أن اخبرنا بوفاته وبمواراة جثمانه في ارض غربته سواء صدقنا أم لم نصدق
لم ينته الأمر بهذا الخطب الجلل ،وإنما ليبدأ المشكل أكثر حدة حينما توصلنا برسالة من الزوجة الثانية الأم لطفلين دون السن العاشرة ،وهي عربية مسلمة وإنما ليست مغربية ، وقد وافتنا بعقد زواجها الشرعي من والدي و نسخة من الحالة المدنية وشهادة حياة طفليها وشهادة وفاة والدي ، وهي تطالبنا حبيا بحقهم في ارث والدي وهو عبارة عن سكن من طبق واحد يحتوي على غرفتين، وسفلي من مراب وغرفة واحدة ومطبخ، ثم قطعة أرضية بورية في إحدى القرى المجاورة رأيت إذ لا مجال للتشدد مادام الأمر خاضعا لأحكام الشريعة والقانون، ولا مجال لللجوء إلى المحكمة .وما علينا إلا أن نقبل بالأمر الواقع ونمكن المطالبين بحقهم فيما ترك الهالك وكفى الله المؤمنين شر القتال ، لكن مرة أخرى تصدمنا الوالدة بالامتناع وعدم قبول العرض والاعتراف بالزوجة الثانية ولا بنسب طفليها .ولما باءت كل محاولاتي بالفشل الذي أدى بها إلى اتهامي بعقوقها وتطاولت إلى التصريح أمام المحكمة باني أيضا لست ابنها الشرعي من الهالك
ثم تشعبت الأمور، واستعصت الحلول ،وقد تورطت الأسرة ، وبات تدخل العائلة أمرا لا مفر منه قبل عرض المشكل على أنظار المحكمة ،وأصبحنا نسبح في دوامة من صنع الوالدة لشهور عدة ،وما زلنا نبحث عن مخرج من هذا المستنقع وعن حقيقة بعضنا . ومازلت بدوري ابحث عن نسبي الحقيقي إن كنت حقا ابنا غير شرعي من أم بغية قبل أن تقترن بهذه الضحية أم كنت نتاج خيانة زوجية على سرير من كان يسهر الليالي من اجل أن يوفر لنا الراحة والسعادة ، وهكذا أكون لا قدر الله قد نشأت تحت جناح أب مزيف إلى أن بلغت من العمر أكثر من ثلاثين سنة ،وليس ثم من يعلم حقيقتي غير أمي وان كانت ستتراجع عن أقوالها ومهما أعقبتها من مبررات ، لن يكن ذلك شافيا ومقنعا بالنسبة إلي . فيتساءل الابن الراوي وهو في حالة شرود فكري ،فيما إذا كان لجوءه إلى مختبر تحليل الجينات بواسطة الحمض النووي مخلصا إياه من هذا الكابوس او كان مضيه إلى أية جهة علمية أو قانونية يمكنها التحقق من نسبه أجدى . وقبل هذا وذاك يرى ضرورة عرض المشكل على قاض التحقيق أساسية مع والدته كخطوة أولى في هذا المشوار. لكن دعوة هذه الأخيرة لإحدى الجمعيات النسوية للدخول على الخط والتدخل في الموضوع قد يسير بالوضع في اتجاه التعقيد أكثر
وبغض النظر عما قيل ويقال في حق الابن البكر الذي يسعى إلى إيجاد حل للمشكل المطروح قبل أن يصبح إنسانا أجنبيا لاعلاقة له بالأسرة من قريب ولا من بعيد ، فان الأطراف الأخرى مازالت تتشبث بحقها في الإرث ، وهي عاقدة عزمها لعرض القضية على المحكمة، وتعيين محام ينوب عنهم في النازلة . وأما أنا فاني ما زلت ابحث عن نسبي أولا وأخيرا وعمن أنا ومن أكون ومن أين أتيت وما ستكشف عنه الأيام الآتية قد يحدث المفاجأة ، وما يتمخض عنه هذا الملف قد يولد على هامشه العزم لدى مجموعة من أفراد العائلة على ضرورة التحضير لتأسيس جمعية وطنية تهدف إلى الدفاع عن حقوق الرجل، الذي أدى به السكوت عن المطالبة بحقوقه على المرأة مقابل واجباته نحوها في ضوء الشريعة والسنة والكتاب أمرا لا تراجع عنه
إلى حد ما يبدو العزم موضوعيا في ضل مدونة الأسرة التي قد يجدونها قلما تراعي جانبا من الجوانب التي قد تضر بالطرف الأخر، ولا تسلط ضوءها على كثير من البؤر المظلمة في المجتمع المغربي ،ولا تتوسع إلى ابعد من المحلي فتشمل هذه الشريحة الاجتماعية التي تعيش في المهجر وهي تعاني من تصادم القوانين والتشريعات في مواطن الأصل والإقامة أين يحرم مئات الرجال والنساء من الدخول إلى وطنهم وزيارة أهاليهم
في سياق كثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قد نهى ذات يوم عن ضرب النساء فجاء إليه عمر رضي الله عنه قائلا يا رسول الله لقد ذئر النساء على أزواجهن مذ نهيت عن ضربهن فقال صلى الله عليه وسلم اضربوهن . وقد طاف بال محمد تلك الليلة طائف نساء كثير فلما أصبح قال لقد طاف بال محمد الليلة سبعون امرأة كل امرأة تشتكي زوجها فلا تجدون ذلك خياركم ” باب النساء مسند ابن ماجة
كما أن جلالة الملك محمد السادس على غرار ما ذكر قد أوصى قبل إحداث مدونة الأسرة بان لا يدون بها ما يحلل الحرام و لا ما يحرم الحلال ولا ما يخالف نص الكتاب والسنة ما سيجعل مدونة الأسرة على المحك وأصبحت الضرورة تستدعي المشرع إلى إعادة النظر فيها بعمق ويسرع إلى تعديل كثير من فصولها وموادها والعمل على تبسيط مساطرها وبخاصة تلك التي تتعلق بالتطليق والتعدد التي تتسبب في كثير من المأساة الاجتماعية كالتي نحن بصددها ناهيك عن تشريد الأطفال وتفكيك الأسر والتشجيع على الدعارة وضياع الأنساب
فإذا كانت الأسرة تعتبر نواة المجتمع وهو لب الدولة يجب أن تكون هذه الأخيرة قشرة صلبة يمكنها أن تحمي اللب والنواة وتحتوي كل الضغوطات والانفجارات التي قد تحدثها بعض الاختلالات الدخيلة . وفي الأخير هاني حاولت اختزال محتويات هذا الملف قدر الإمكان أرجو أن أكون قد وفقت إلى ما سرت إليه