بقلم : الخضير قدوري 

الخضير قدوري

 

لماذا نستغرب وليس في الأمر ما يدعو الى الاستغراب في زمن بدأت اشراط الساعة تطفو على السطح ،ومن ضمن ما جاء في حقها قوله صلى الله عليه وسلم ” من اشراط الساعة ان يتطاول الحفاة العراة ورعاة الشاة في البنيان ” والمقصود بالبنيان في اعتقادي ليس محصورا في كل ما يتعلق بوضع اللبنات على بعضها ،ورفع القواعد على أساساتها . وإنما هو بناء كل عمل فكري او ثقافي او أدبي او سياسي او اجتماعي يقوم به المرء من اجل انجاز أي مشروع يحسب على مشيد هذا البنيان .
لكن ما يهمني من القول ليس هو تطاول الحفاة العراة والرعاة في البنيان ، وإنما تطاول أناس الى ما هو أعلى من قامتهم ،والتدخل فيما لا يعنيهم، وحشرهم لأنوفهم فيما لا يرقى بهم الى مستوى أهل الفكر والثقافة والعلم، فنجدهم يجادلون في أمور هم ابعد ما يكونون من مكانها وزمانها ولا هم اقدر على فهمها وبالأحرى تدبير شانها . إلا ان يكون ذلك من اشراط الساعة الصغرى او الكبرى، او من علامات أخر الزمان كما يقال بدءا بقوله تعالى ” اذا أسندت الأمور لغير أهلها فانتظر الساعة ” الى قول الشاعر ” قد تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ،واذا تولت فبالأشرار تنقاد ” فإلى قول الحكماء ” اذا أدبرت الدنيا وأشرفت ،باض الحمام على الوتد وبال الحمار على الأسد “
فاذا كان شخص السيد الازمي في نظر جل المغاربة سؤالا تتناسل عنه مئات الأسئلة ،تستنبط الجواب عنها من قوله تعالى أعلاه ،فمن هو السيد الازمي ثقافيا وفكريا وسياسيا فاجتماعيا ،ومن هو ومن هو إلا ان كان رئيسا لمؤسسة دستورية يبدو حجمها اكبر من مستوى رئيسها الذي جاءها لا ندري ولا يدري هو نفسه كيف جاء ،ووصل إليها لا نعلم ولا يعلم بدوره كيف وصل واستطاع في الأخير ان ينفذ من قطره الى أقطار الآخرين، بأي سلطان الله اعلم ، ثم تطاول على اختصاصات المجالس التشريعية والعلمية والثقافية والفكرية ليغرد من موقعه ويفتي فيما يتعلق بالمساواة في الإرث بين الذكر والأنثى ،ضاربا عرض الحائط بنصوص التشريع الإلهي وفقه السنة والكتاب وآيات سورة النساء ، مخترقا سموات أهل الفكر والعلم والمعرفة .انه السؤال الذي يردنا الى الاقتناع بان الأمر أصبح من اشراط الساعة وأحكام أخر الزمان ،وإلا سيظل هذا السؤال تستنسخ منه أسئلة متعددة تراود الرأي العام في انتظار جواب صعب قلما تتقبله العقول السليمة
ترى كيف تفتقت عبقرية هذا الرجل ليحشر انفه فيما لا يعنيه ، وهو ابعد ما يكون من الخوض فيه ،إلا ان يكون الغرور وحب الظهور دافعاه الى الانطلاق من فراغه وعدم انشغاله ، ويريد ان يخلق لشخصه هالة كالهالات التي خلقها بعض أمثاله في ابتكار مدونات أرادوا فرضها على المجتمع قبل ان يرفضها الوضع نفسه، واذكر على سبيل المثال مدونات الأسرة والسير والتعليم ، كأية أطروحة يتقدم بها باحث من اجل إحراز ميزة تمكنه من الحصول على منصب ما، ومن بعده فليرمى بأطروحته الى حاوية الازبال ،او كعلامة تجارية تباع باسم صاحبها لمن يشتريها ليتحمل مسئولية ما ينجم عنها من ربح وخسارة ،ومازالت ملكات أمثال هؤلاء المبدعين في وطننا تزخر بكثير من أشكال هذه المدونات، وعبقرية ساستنا تتفتق عن أفكار سخيفة ولا نقول جنونية او ذكية
ترى هل يرمي السيد الازمي بقوله الى إحداث مدونة جديدة ؟ او يريد به تعديل أي بند من البنود الهدامة في مدونة الأسرة ،وخاصة تلك التي تتعارض مع نص التشريع الإلهي الذي يراد به إلغاء التعدد وتنظيم الأسرة ،وما نجم عنه من سلبيات أدت الى العزوف عن الزواج والإقبال على الطلاق وتفكيك للأسر وتشريد للأطفال ،ام يريد ان يثري هذه المدونة بإضافته بندا جديدا يتعلق بالمساواة في الإرث .ام كان يجد الرجل المعاصر لا يختلف في تكوينه عن المرأة إلا انه ذكر، بالنسبة لهذا التساؤل الى حد ما قد يكون على صواب اذا كان يرى المرأة تعمل وتكسب كالرجل ،وتقوم بأعمال البيت وتربية الأطفال أكثر من الرجل، وتتحمل مسئوليتها في المجتمع كاملة غير منقوصة. فلو كان السيد الازمي ينطلق من موقعه الاستشاري في مجلس حقوق الإنسان ،ويطالب بإنصاف المرأة في إطار ما هو قانوني وحقوقي واجتماعي ،الى حد ما قد يلقى في المجتمع أذانا مصغية، فعلا قد يكون من الحيف ان لا تتساوى المرأة بالرجل في الحقوق . وأما ان يكون خوضه فيما هو غير ذلك ربما انه سيجد من يتصدون له بالمرصاد، إيمانا منا ان الإنسان المغربي كرجل وكامرأة لا يقبل بأي مساس بكرامته وبدينه ،ولا يرضى بأي تحريف لعقيدته وسنة نبيه
واذا كان بعض القضاة في إطار مدونة الأسرة يتحرجون أحيانا من منع التعدد على من يستطيعون الباءة ويملكون القدرة المادية والمعنوية الا بشروط عاطفية أملتها المدونة ، بغض نظره عن الظروف المعقولة للأسرة ودون توغله في بحث الدوافع الى التعدد بالعقل الثاقب ،قد يجد الممعن في هذا المنع ما يتعارض مع مثيله في السماح بالزواج لمن لم يستطع الباءة من الشباب خلافا لأحكام السنة القاضية بالصوم كوجاء ،وان كان كثير من الشباب قلما يقتنعون بالصوم كحل بديل لكبح الرغبة في الزواج ، لولا إيمانهم بمصدر لا يجب البحث فيه ونص لا ينبغي الاجتهاد معه وإلا ستصبح سورة النساء عرضة للحذف من المصحف الشريف
فما هي النتائج المسجلة بالنسبة للحالة الأولى سوى ارتفاع في نسبة الطلاق للنشوز، وكذا نسبة التطليق للشقاق ، وما ذا نجم عنهما من غير تشريد للأسر وإهمال للأطفال ،الى ان أصبح العمل بأبغض الحلال عند الله أمرا عاديا واقرب الحلول لفك الارتباطات الزوجية ، وأما بالنسبة للثانية فقد أدى حالها كما نرى الى العزوف عن الزواج والعمل على تفشى الدعارة والتشجيع على الإجهاض وقتل الأنفس ودفع الوطن الى الشيخوخة المبكرة ،الشيء الذي أصبح يدعو الى ضرورة تعديل المدونة وفق التشريع الإلهي، لاشك في ان خوضنا في تعداد سلبيات هذه المدونة سيجرنا الى تسويد عشرات الصفحات، ولو كان تفعيل بنودها منذ فجر الاستقلال لما بلغ عدد سكان المغرب أكثر من 35 مليون نسمة . وان دل ذلك على شيء إنما يدل على ان هذا الوطن مازال يعتمد في سياسته على النقل وليس العقل، وعلى استيراد الأفكار الجاهزة للتجربة بدلا من إنتاج الأفكار الجادة وإخضاعها للدراسة الناجعة
كما هو الحال بالنسبة لمدونة السير المستوردة على يد السيد غلاب التي جاء متأبطا إياها كمشروع من بلد متقدم وشعب واعي ليحققه في بلد يختلف حاله كل الاختلاف عن سابقه ، وهو يجدها حلا يحد من حوادث السير المرتفعة في بلد قلما يتوفر على طريق يتجاوز عرضه أربعة أمتار وشعب قلما يعي قانون السير على ألأقدام وبالأحرى، وبمجرد بدء العمل باستعمال نصوصها حجزت الشاحنات وانتزعت رخص السياقة من اصحابها ورفعت قيمة المخالفات ،وأمتلات السجون بالمخالفين ثم أصبح دور شركات التامين مجرد حبر على ورق
.وبعد حين من التجربة تبين ان معظم نصوص هذه المدونة لم تواكبها حالة الطرق في المغرب، ولم تلائم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسائق المغربي، وما نجم عن أجرأة هذه النصوص سوى توقف الحركة وتفشي البطالة في صفوف السائقين وانعكاس كل ذلك على المستوى المعيشي للأسر ، دون ان تقلل من نسبة حوادث السير وبالأحرى تحد منها والتي كان السبب الحقيقي فيها يعود بالأساس الى رداءة أحوال الطرق بالدرجة الأولى وضعف تكوين السائقين بالدرجة الثانية ،ولم يفهم السيد غلاب بعد ماذا تعني الوصلة الاشهارية التي تصدرها لجنة الوقاية من حوادث السير على وسائل الإعلام “بالطريق تقتل ” وشهد شاهد من أهلها ان دل ذلك على شيء إنما يدل على ان طرقنا الوطنية تساهم بشكل كبير في قتل مستعمليها ،بغض النظر عن الأداء السيئ لمدارس تكوين السائقين، نتيجة كل ذلك يبدو ان وزارة النقل والتجهيز قد تفهمت وبدأت تفكر في التراجع عن العمل بمواد هذه المدونة وأصبح تجاوزها وإلغاؤها والإقرار بعدم جديتها أصعب من تفعيلها
وكذلك الشأن بالنسبة لمدونة التعليم التي مازالت تندحر بين اخذ ورد وما ينجم عنها هي الأخرى من فشل تلو فشل لم يثمر حلا لإخراجها من النفق المسدود ، وقد وصلت الى حد لا يطاق لم ينفع معه الإصلاح ولا التعديل وحتى الإلغاء ،ويبدو ان كل البرامج الجاهزة المستوردة قد باءت بالفشل بعد تجربة استنزفت هذا القطاع ماديا ومعنويا واردته قطاعا غير صالح تماما لزمانه ولا لمكانه ،ولا يستجيب بتاتا لتطلعات أجيال مستقبله، وقد يعود السبب في تبذير هذه الأموال الطائلة الى الأمور المسندة لغير أهلها، من السعاة نحو الشهرة والتمسح بمسوح لا تمت لواقعهم بصلة ،الا للظهور بمظاهر تخالف الجواهر جملة وتفصيلا ، وقد جعلوا من هذا البلد حقلا للتجارب المكلفة بدلا من جعله معهدا للدراسات الإستراتيجية الهادفة ،والاعتماد فيه على الأدمغة المنتجة للفكر الخلاق والإبداع التواق ،وعلى رجال مدبرين يرغبون في خدمة هذا الوطن ،ولا يريدون فيه علوا ولا فسادا
وحينما قلت ان السيد الازمي لما هفا بهذه الهفوة واتى بهذه الفتوى الا ان تكون وحيا موحى بها اليه ، تمهيدا لاستيراد مدونة جديدة يجري في الكواليس إعداد معلباتها التي قد يعجب للشعب شكلها قبل ان يتذوق طعمها ،وربما يكون سوى بوقا ينقل الصدى ويعكس الصورة وإلا فما رأي أهل السنة والكتاب وحراس العقيدة وأصحاب الفتوى