بقلم : الخضير قدوري
تاوريرت الجغرافية :
تحتل مدينة تاوريرت موقعا استراتجيا مهما بين مدن تازة وجرسيف غربا والناضور شمالا ،ووجدة وبركان شرقا، ثم جرادة وفكيك جنوبا ،على بعد منها لا يتجاوز 120 كلم تقريبا ، وترتبط ببعض هذه المدن بواسطة خط سككي وطريق سيار بالإضافة الى خطوط وطنية .وقد تنفتح على مطاري وجدة انكاد والعروي ناضور ،وعلى مينائي هذا الاخير وبني انصار نحو مليلية
تاوريرت الد موغرافية:
يتجاوز عدد سكانها 120 ألف نسمة على مساحة تقارب 16 كلم م ،ينحدرون من القرى المتاخمة ومن مختلف مدن الأقاليم المجاورة ، نتيجة وعائها العقاري الواسع والغير المهيكل ،الذي كان وما يزال يشكل مصادر الثروة للمضاربين والمجزئين السريين ،ويسهل تمليك الأرض للفوضويين .كان ذلك من أهم الأسباب التي ساعدت على توسيع النمو الدموغرافي بشكل مستمر في هذه المدينة التي تحتوي على أحياء عشوائية ،أصبح موضوع إعادة هيكلتها ليس بالأمر الهين
تاوريرت الادارية :
تعتبر مدينة تاوريرت عاصمة اقليمها الذي يمتد نفوذه من اقليم جرسيف غربا الى اقليم وجدة شرقا ،وبركان الى جرادة وبوعرفة جنوبا ،ويحتوي على ثلاث بشويات ومثلها دوائر وعدة قيادات وجماعات قروية ،أما بالنسبة للمصالح الخارجية قلما نجد مندوبيات للوزارات ،باستثناء بعض المديريات الفقيرة التي لا تتوفر على مقرات في مستوى الإدارة ،نذكر على سبيل المثال لا الحصر مديرية التجهيز التي لا تتوفر على مقر او مستودع لآلياتها ،وكذلك المديرية الفلاحية ومندوبية الصحة ومندوبية التعاون الوطني ومديرية المالية والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والكهرباء واللائحة طويلة يتعذر علينا حصرها او معرفة أماكن تواجدها، وبعضها لا يتوفر حتى على لوحة باسمها وعنوانها ، ولا حتى على راية مغربية تلوح في سمائها ، ناهيك عن قلة معتبرة في مواردها البشرية ،بغض النظر عن الإهمال الذي يطال المؤسسات التعليمية التي تغرق في الظلام والأوحال ،اما بخصوص الشركة التي تتولى التدبير المفوض المحسوب على المجلس البلدي شكلا ومضمونا فحدث ولا حرج ،هذه الشركة التي تعتمد آليات مهترئة قد تكون موروثة عن هذا الأخير ،وهي قلما تتوافق مع كناش التحملات الموقعة بين الطرفين ،من حيث الشكل تبدو جل قطاعات الدولة الممثلة في هذه المدينة شبه مشلولة اقرب منها الى العدمية، ابعد ما تكون من سياسة القرب من المواطنين المتذمرين من أدائها السيئ ،وهم لا يكاد يحصلون على أية وثيقة من الوثائق مهما كانت أهميتها وقيمتها، دون اخذ ورد وذهاب وإياب وفي وقت قياسي ، نتيجة تعقيدات مسطريه وممارسات بيروقراطية متجذرة لا تؤمن بالتغيير ولا بالمفهوم الجديد للسلطة وسياسة القرب في مدينة تعتبر عاصمة اقليم بهذا الحجم ، تطمح الى تبوئ مكانة لائقة بها في التصنيف الجهوي
تاوريرت الاقتصادية
بها رواج اقتصادي مهم يعتبر التعمير من أساسياته ، تليه واردات أفراد الجالية من العملة الصعبة ،ثم بعض الوحدات الصناعية بغض النظر عن مردودها المادي حيث سنكتفي بالإشارة الى عدد الابناك المتمركزة في هذه المدينة ،مقارنة مع مدن أخرى في حجمها ،والتي قد يتجاوز عددها عشر فرعيات باعتبارها القلب النابض لمعاملاتها التجارية والصناعية والمقاولاتية ،وأحيانا قد تحول فائضها الى جهات أخرى .ان دل هذا على شيء إنما يدل على ان هذه المدينة قد تتوفر على مؤهلات اقتصادية مهمة ،جديرة بان تضمن لها الاكتفاء الذاتي في مختلف مجالاتها لولا المعوقات الإدارية
تاوريرت المدينة :
وفق هذه المعطيات تبدو مدينة تاوريرت ظاهريا من المدن السائرة في طريق النمو تلوح بمستقبل واعد بجذب المستثمر وتشجيع الاستثمار، وإغراء التجار ، وأما جوهريا فهي تبدو للمتجول فيها ولمن يتأملها بعين الواقع وبحد البصر مدينة ليست كمثلها من المدن ،من حيث بنيتها التحتية الأكثر هشاشة في كل المجالات المذكورة ،باستثناء عدد المساجد والمقاهي المترامية في كل الشوارع والأزقة وفي كل الأحياء ،وهي تكتظ عن أخرها على مدى الأربع والعشرين ساعة تقريبا ،ما يوحي للزائر ان هذه المدينة لا يقطنها سوى شيوخ متقاعدون الذين يتنقلون على عكاكيزهم بين مثلث البيت والمسجد والمقهى ، أين يقضون معظم أوقاتهم مستندين الى أركان الأول ودعائم الثاني في انتظار الأذان للصلوات الخمس ثم العودة الى سرير النوم في انتظار بزوغ صبح يوم جديد وشباب معطلون تقاعدوا قبل سن التقاعد يلتصقون بكراسي المقاهي الملتصقة ببعضها يرشفون من فناجينها المزفتة ويمتصون من السجائر المسمومة متسمرين أمام الشاشات العريضة يتابعون مباريات كرة القدم في ملاعب العالم ثم يقتلون أوقاتهم شر قتلة ويجاهدون في أنفسهم شر الجهاد
من غير ذلك فان المدينة تفتقر الى الحد الأدنى مما ينبغي ان تتوفر عليه أية مدينة في مستواها ، فاغلب أزقتها موحلة ،ومعظم طرقها مهترئة، ليس بها أسواق منظمة أسبوعية او قارة الا من باعة متجولين يطاردون في زقاق مدينة لا تتوفر على متاجر متميزة ولا مركبات تجارية ممتازة ، فان كان المرء في حاجة الى حبة تفاح يجب ان يبحث عنها في كل الأحياء وقلما سيجدها في أي مكان ،وكذلك الشأن بمختلف البضائع . مدينة رغم شساعتها فهي لا تتوفر سوى على إشارة ضوئية واحدة غالبا ما تكون متعطلة ،بغض النظر عن لوحات التشوير المنظمة للمرور إلا من بعض رجال الشرطة المحسوبين على رؤوس الأصابع ، كما إنها لا تتوفر على ممرات للراجلين ولا موالج للمعوقين ،ولا مواقف فيها للسيارات التي تصطف على جنبات الأزقة والشوارع والطرق يحرصها شباب متطفلون، شانها شان الطوابير الطويلة لساكنتها بأبواب الإدارات ، وقاعات الانتظار بأقسام الطب العام ، وعيادات الطب الخاص ،وبأبواب مكاتب شيوخ الأحياء والمقدمين ، أحيانا قد تدوم هذه الطوابير ليوم كامل وربما لأسبوع في انتظار مغادرة المسئول لقاعة الاجتماعات المسترسلة خلاصة القول تبقى مدينة تاوريرت غير متوفرة على مواصفات المدن المتمدنة
تاوريرت الصحية:
واذا احتاج المريض الى حبة أسبرين ليلا ،وجب عليه قطع المسافات والمرور بكل الأحياء عله يهتدي بعد جهد جهيد في أخر الليل الى صيدلية الحراسة الوحيدة التي قد لا تتوفر أحيانا على هذه الحبة رغم ان عدد الصيدليات في هذه المدينة يعد بالعشرات ،فان كان السكان قد استبشروا خيرا بافتتاح مصحة جديدة يمكن ان يلجا اليها المريض في حالة الاضطرار، فان هذه الأخيرة قلما يختلف حال عن حال غيرها وهي الأخرى أفقر حالا من غيرها من حيث افتقارها الى ابسط مستلزمات الصحة في الوقت الحالي ،وتبدو غير مجهزة بأبسط المعدات ولا تتوفر على الأطر الصحية اللازمة والأطباء المختصين في مستوى مصحة من حجمها ، فإذا بحالها لا يختلف عن حال أية عيادة للطب العام في المدينة إلا من حيث ارتفاع في أسعار الخدمات مما يجعل السكان لا يعلقون عليها أمالا كبيرة ولا يجدون فيها ما يغنيهم عن قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي ولا بد من التنقل الى مصحات اخرى في المدن المجاورة ،نتيجة ذلك يبدو إقبال المواطنين عليها محتشما الشيء الذي ينذر بفشلها ،كذلك الشأن بالنسبة للمستشفى الإقليمي الذي يفتقر بدوره الى اطر طبية وأطباء في مختلف التخصصات وممرضين وممرضات في مستوى خدمة المرضى ،فإذا كان هذا القطاع بشكل عام كما نرى رغم أهميته يعاني من أمراض مختلفة فكيف يرجى منه علاج المرضى
تاوريرت الاجتماعية والخدماتية:
على العموم يبدو ان مدينة تاوريرت تفتقر الى بنية تحتية تشمل كل قطاعاتها الإدارية ومرافقها الاجتماعية، بدءا من أحيائها الغارقة في الأوحال والظلام وفي النفايات والازبال ،وما زاد طينها بلة موقع محطة معالجة الصرف الصحي المتواجدة في غربها حيث تملا أجواء المدينة بروائح كريهة تلوث البيئة و تؤثر سلبا على صحة المواطنين منها والى كثير مما هو اجتماعي بالأساس كدوارات المياه العمومية والمتنزهات وحدائق الأطفال ودور حضانة ومسابح في المستوى المطلوب باستثناء ما يسمى الحديقة العمومية التي يطل عليها قصر العمالة جنوبا ومندوبية وزارة التعليم غربا وحي النصر شمالا وثكنة القوات المسلحة باعتبارها المتنفس الوحيد للعوائل والاسر والتي طالها اهمال حيث باتت مأوى للمشردين ووكرا للدعارة وممارسي كل أشكال الرذائل ، فالى انعدام فنادق ذات مواصفات جيدة وبالا حرى مصنفة رغم موقع هذه المدينة الاستراتيجي التي تفصلها عن المدن المحاطة بها مسافات لا تقل عن مائة كلم ، الشيء الذي يحتم على المسافر رغم التعب أن يواصل سفره إلى هذه المدن واذا كان مانعه قاهرا فعليه أن يميل بسيارته إلى أية محطة وقود ليتكوم على مقعده ساعة ثم يواصل
تاوريرت الاقتصادية :
يعتمد سكان المدينة في معاشهم على عائدات أفراد الجالية التي تشكل أكثر من فرد في كل عائلة ،يحولون إليها نسبة لا تقل على ألفي درهم شهريا ،ويساهمون في تنمية اقتصاد هذه المدينة في مجال البناء ،ومعظم هؤلاء انشئوا لهم مشاريع تتمثل في مقاهي ومتاجر متواضعة، ومحلات لبيع قطاع الغيار المستعمل والمتلاشيات التي يجلبونها من الدول المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط، كاسبانيا والبرتغال وايطاليا وفرنسا .كما أن الابناك المذكورة المتمركزة في هذه المدينة تزخر بعائدات أفراد جاليتنا التي توظفها على سبيل الاقتراض لتمويل بعض المقاولات والوحدات الصناعية المختصة في التصبير وتصنيع الزيتون ،وهي محسوبة على رؤوس الأصابع .في حين يبقى الحي الصناعي الذي يمتد الى عشرات الهكتارات محجوزا منذ عشرات السنين في شكل تجزئات مستقبلية محاطة بسور من بعض الآلاف الأمتار بأسماء بعض المضاربين في انتظار تسوية وضعية تجزئتها إلى قطع أرضية سكنية بأثمان خيالية، إلا انه لحد ألان لم يستطع أي مسئول سحبها ممن لم يفوا بشروط كناش التحملات ثم تسليمها لذوي النيات الحسنة الراغبين في الاستثمار وإقامة مشاريع حقيقية تحرك عجلة الاقتصاد المحلي وتساهم في تنمية المدينة وإنشاء وحدات صناعية تدر الدخل على أصحابها وتوفر مناصب شغل للمعطلين الشباب التائهين في دروب هذه المدينة ، إلا أن هذا الحي مازال يشكل بؤرة سوداء على جبين المدينة لا يختلف حاله عن حال التجزئات السرية التي ينتظر إعادة هيكلتها على حساب المالية العامة ، التي كان من المفروض على هذه الأخيرة محاسبة هؤلاء المضاربين وتحويل مسترجعاتهم الى خزينة الدولة من اجل صرفها لانجاز مشاريع أخرى في المدينة
تاوريرت الثقافية :
لا تتوفر المدينة على مراكز ثقافية ولا مكتبات ولا خزانات باستثناء بعض الوراقات وأكشاك لبيع الجرائد والمجلات وتصوير شبكات الكلمات المتقاطعة لا مكان لهذا القطاع في مدينة تشكل نسبة الأمية الأبجدية والوظيفية فيها نسبة جد مرتفعة ،حتى أصبحت هذه الأنواع من الأميات منتجة لأدوات تمهد الطريق لأصحابها الى الانخراط السهل في مجال الكسب السياسي من اجل “التقرش” الذي يجدونه مرتعا خصبا لممارسة نشاطهم اللا اخلاقي ،المتمثل في كل ما يتنافى مع إصلاح البلاد وخدمة مصالح العباد، حتى أصبح بعضهم بالصدفة من الكيسين المتسيسين دون علم ولا معرفة بالمجال يخوضون في معارك المسايسة الموجهة والهادفة الى الاستغناء ومراكمة الثروة على حساب الأرض وأهل الأرض ، ولنا في السابقين أمثلة متعددة من الجشعين الذين أسرفوا أموالا طائلة من اجل احتكار المناصب والمحافظة على الكراسي ، ولو كان ذلك إيثارا ورغبة خالصة منهم في خدمة الوطن وحبا حقيقيا للمواطنين ،كنا نبني لهؤلاء الوطنيين نصبا في اكبر ساحات المدن المغربية ،ونرفع أسماءهم على أطول شوارعها ولما أصبح التثقيف السياسي .والتسييس الثقافي من الأمور الغير المستساغة في مجتمع هذه المدينة سيبقى الوضع على ما هو عليه الى حين ،ومادام هذا الثقافي بدوره قابلا للذوبان حبا او كرها في مجتمع مريض يستعصي علاجه ويندر أساته سيبقى فيه تابعا ومن أتباع التابعين يقف في صف معارضة ضعيفة في مواجهة أغلبية قوية ،مشكلة من ذي جاه وصاحب مال، في هذا الحال يبدو التغيير صعب المنال
ليس إخلافا منا لالتزامنا بالإيجاز ولكن مهما فعلنا فقد اطلنا وحال مدينتنا قد يتطلب منا الحديث عنه تسويد عشرات الصفحات وإفراغ مئات الأقلام ، وإلا كنا سنغض البصر عن كشف خبايا وأسرار قد يعجز من يمل من القراءة عن متابعتها ، لحدود الساعة لسنا في حاجة الى الإطالة فيما قد يثير غضب بعضهم و يحرج الآخرين ، بقدر ما نتمنى أن نكون قد بلغنا الرسالة ووضعنا في الصورة كل المسئولين الجدد الذين سيواجهون تحديات الجهوية التي تفرض عليهم في إطارها خوض معركة المنافسة الشرسة مع أمثالهم ، والأخذ بأحد الخيارين فإما ان يكونوا فيكون لكيانهم وجود في مجلس المحترمين ، أو لا يكونوا فيقبلوا بالمحاسبة قبل الهزيمة ويخلوا المكان قبل فوات الأوان للآخرين ،ويعلموا ان المسئولية أصبحت تكليفا وليس تشريفا ، وان العمل في إطار الجهوية المتقدمة أصبح بمثابة امتحان قد يعز فيه المرء او يهان فيكرم او يحاكم
لسنا سوداويين ولا متشائمين، ولا مبشرين او منذرين ،ولكنه واقع وإنا له من الشاهدين ، فهو لا يخفى على عيون المتأملين من أبناء هذه المدينة الغيورين ، إلا أن نكون جميعا مخادعين او منافقين ، نعمل على إخفاء الندب الظاهرة على وجه مدينتنا بالمساحيق التي ترهقها قطرات العرق ،ونملا شحوبه بالأصباغ التي تجرفها قطرات المطر، وعن برهة تبدوا كعجوز شمطاء تقف عارية أمام التاريخ على ركح الزمان . فحال مدينتنا أكثر مما نتصور وبنيتها التحتية أكثر هشاشة ووجهها أكثر قبحا بالنسبة لنظيراتها المجاورة ، فحالها أكثر رداءة لا يشرفها بالمكانة اللائقة بين مدن الجهة ،ولا بالجلوس كعروسة في مجالس العرائس، فلو كان احدنا عريسا لها لما توانى في طلاقها تسعا ،وقد تنعكس رداءتها على كل أبنائها وبناتها في كل المجالات ،وربما تمس بكرامتهم وتحط بقيمهم . وعليه ومهما كانت الأحوال لا ينبغي ان ننخدع للمجاملات، ولا يجب ان ننشغل بالنشويات عن مواصلة المنجزات ،على الأقل للمحافظة على ماء وجه هذه المدينة التي تخجل من ذكر أبنائها وبناتها والذكر موجع