بقلم : الخضير قدوري
” الماء أبدا لن يتحول إلى حليب ، والمغرب أبدا لن يتحول إلى حبيب” سياسي جزائري عجيب امر هذا السياسي الصبور على ثقل وزر كل هذه الأحقاد والضغائن والكراهية للمغرب والشعب المغربي التي تنقض ظهره وتملأ صدره وتحرق قلبه . ولكن ربما هي مجرد زلة لسان يريد بها هذا المخضرم “الاستعمار والمستعمر” الذي تقربت الجزائر إليه بمليون ونصف شهيد من اجل استقلاله ولم يكن المغرب سوى قاعدة خلفية لجنوده ومأوى آمنا لشعبه الشقيق كما لم يكن ذنب المغاربة سوى أنهم أحسنوا ضيافته وأكرموا وفادته والتاريخ يشهد على ذلك لا مجال لمزايدة كلامية خالية ولا مكان للتمني . وأعجب منه أمر البرلمان الجزائري الذي قرر خصم 10 ألاف دينار من راتبه الشهري لأجل دعم جبهة البوليزاريو والتخفيف من حدة الأزمة المالية والضائقة التي تعيشها في ضل شح الدعم الخارجي وعجز الدعم الرسمي الجزائري كجزء لا يتجزأ من الجميل الذي يرد للمغرب و تأكيدا لكل ما ذكر أعلاه تصبح هذه الكراهية هي أصل المبادئ التي تدافع عنها الجزائر باسم حقوق الشعوب ، إذا كانت هذه الأفكار لمفرد معتوه قلما كان سيأخذ به عقلاء الجماعة من أغلبية ومعارضة تهمهم مصلحة بلدهم ويجعلون مستقبل أبنائهم فوق كل اعتبار أما إذا كانت أفكار جماعة معتوهة فليس بيد فرد عاقل حيلة وعلى الشعب الجزائري سلام
ولست ادري إن كانت هذه الأموال التي يتبرع بها البرلمان هي أموال شعب يتقاضاها أعضاؤه الذين يمثلونه ويطمح لان يعالج هؤلاء مشاكله ويسهروا على توفير العيش الكريم له ولأبنائه وهو أحوج ما يكون إلى هذا الدعم من اجل التخلص من مختلف أزماته المتعددة كشعب من المفروض أن يصنف ضمن خانات الشعوب البترودولار الخليجية التي ترفل في حلل الرفاه في حين مازال دون غيره يحتل خانته ضمن تصنيف الشعوب الإفريقية الفقيرة منذ أكثر من نصف قرن مضى من عمر استقلاله لم يستطع خلالها المستقلون ترميم ما تركه الاستعمار واستطاعوا تغيير بعض أو جزء من بعض المعالم الاستعمارية وبالأحرى تحقيق أدنى مستويات المعيشة لأبناء المليون ونصف شهيد إن كان هذا الدعم بدافع النخوة والجود والكرم يبدو ذلك متجاوزا لحدود الحاتمية وشباب الجزائر أولى به من غيرهم أو كان استثمارا سياسيا قد يعود مردوده بخير كثير وربح وافر فيحسن من أوضاع الشعب الجزائري ويضمن لأجياله المستقبل الزاهر ولو بعد ألف سنة سيصفق الجميع لهؤلاء السياسيين المحنكين ويرحب بمشروع هؤلاء الخبراء المتضلعين في علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة أما إذا كان هذا المشروع الهادف إلى قيام دويلة في الجنوب الجزائري ملزما إياها برد الجميل لمؤسسها ذات يوم واسترجاع الدين المترتب في ذمتها من عائدات رمالها السطحية وثرواتها الباطنية من ذهب ابيض واسود واحمر وكل ذلك في اعتقادهم سيشبع جوعتهم ويرد عطشهم ويكفي أودهم لا اضن أن المغرب قد استرد جميله واستعاد ما ضيعه من غال ورخيص واستخلص من الجزائر ما ترتب بذمتها من مستحقات مادية ومعنوية وأما إذا كانت هذه الدويلة المستحدثة في مشروع الجزائر ستتحول ذات يوم مما لاشك فيه إلى شوكة في خاصرة الشعب الجزائري الذي يؤدي الثمن دائما ولا احسبه سيحتمل فوق ما احتمله وهو يعلم أن الشعب الصحراوي مثله وكسائر الشعوب مهما طال الزمان به سيبقى صحراويا واقرب ما يكون إلى أصله المتوغل في عمق المغرب تاريخيا وجغرافيا كذلك إذا كان الماء لن يتحول إلى حليب في شرع احد ساسة الجزائر فان الشعب الصحراوي أيضا وأبدا لن يتخلى عن مغربيته وجذوره المتوغلة في أعماقه ترى فكيف يهون على قادة الجزائر تقبلهم لمغامرة تبدو من أول وهلتها خاسرة فيعمدون إلى تبذير أموال شعبهم وبذل أرواح رجالهم وإذا اقتضى الحال تشريد أبنائهم وترميل نسائهم حتى لو أدى ذلك خوضهم حربا مع المغرب وتقديم مليون شهيد أخرى ولكن الأجل الجزائر أم لأجل سواد عيون شرذمة لا يعادل عدد سكانها عدد جنود سرية عسكرية للقوة المسلحة الملكية المرابطة على تخوم الصحراء المغربية أم ترى ستتولى القوات الجزائرية الحماية والمواجهة وحراسة الحدود وضبط امن ربيبتها رغبة منها في تأسيس دولة داخل دولتها اطمعا في مهرها أم في ارثها أو لمزية يتميز بها الشعب الصحراوي على الشعب الجزائري حتى يفرض عليه احتضانه وهو ليس حبا في لله ولا إرضاء لرسوله أم ترى عقمت نساء الجزائر فلم تعد أرحامهن تلد رجالا يعمرون هذا البلد الواسع أم كان الغرض الراجح من كل هذا هي الرغبة في التوسع والامتداد والمراهنة على منابع الغاز والبترول خوفا من نفاذ مخزونه وغور احتياطه يوما ما فإذا كان ذلك ما يراهن عليه حكام الجزائر فما الحال لو كذب منجموها وخاب سياسيوها فيخسرون الرهان وتفشل قارئة الفنجان في كشف ما يخفيه الزمان إنها عشرات علامة استفهام محيرة حول هذه التكهنات التي تبحث لها عن شبهات قد تبرر ما يرمي إليه حكام الجزائر بل حكماؤها المستعدون دائما لان يقامروا بكل ما ملكت أيديهم فإذا خسروا خسروا كل شيء دفعة واحدة فيخسروا ود دولة قائمة الذات ويخسرون أكثر من اجل كسب ود دولة مفترضة قد يكلفهم قيامها غاليا وهم يعلمون أنها لن تكون أبدا في مستوى المغرب أليست هي مقامرة أو مغامرة أو تهور ألا يخشى الشقيق الذي يسدد نبله إلى صدر شقيقه من أن يتقطع حبل القوس فيفقأ النبل عين الطمع المهووسة بحب الزعامة والرئاسة والكبرياء وإذا كان احد الساسة الجزائريين يردد مقولته الشهيرة التي يتغنى بها في كل محفل ولقاء ويعبر بها عن مدى الكراهية والعنصرية والعداء الذي يكنه للمغرب وللمغاربة على حد سواء وكأنهم من قتلوا أباه وأمه وإلا ما ذا يريد بمثله ” الماء أبدا لن يتحول إلى حليب والمغربي أبدا لن يتحول إلى حبيب ” هل يكون هذا بيت القصيد ألا يقابله قول الأخر” قد نتصالح ونتسامح مع من قاتلنا وقاتل أبناءنا ولا نتصالح أو نتسامح أبدا مع من حرض أعداءنا ” اجل فجعبة تراثنا الشعبي مليئة بمثلها ونحن لا نخص بها جزائريا ولا أي عربي بذاته ولكنها حكمة بليغة قد يعمل بها كل عربي شريف ذا أنفة وشجاعة فالتحريض في لغة العرب وفي عرفهم خصلة ذميمة تنسب إلى المنافقين وفي شرعنا وشريعتنا مصطلح أخر للحقد والحسد والضغينة والعداء الخفي وسلاح الضعفاء والجبناء الذين لا يقدرون على المواجهة من ينبغي اخذ الحيطة والحذر منهم وان لا يؤمن شرهم ولو بعد حين مرة أخرى قد لا ننسب هذه الخصال لأشقائنا في الجزائر ولا في أي قطر عربي ولكن أي المثلين يمكن الأخذ به ابالاول الذي يعمق الهوة ويجزم جزما قاطعا أسباب التقارب والتلاحم بين الشعبين ويعمل قائله على ترسيخ العنصرية والكراهية وزرع الشقاق بين الأخوة خصلة ذميمة قد نبغ يهود يثرب في تطويرها وتفننوا في ممارستها حتى جعلوا قبيلتي الأوس والخزرج الشقيقتان تتناحران فيما بينهما إلى أن جاء الإسلام فآخى بينهما وأصلح ما أفسده المنافقون فأي إسلام بعده يأتي ليصلح ما أفسده بعض الساسة على شعبين لا يختلفان في حالهما عن حال هاتين القبيلتين رغم ما يجمعهما من أواصر الأخوة والقرابة والعروبة عبر التاريخ لهو أكثر و اكبر مما يفرقهما إلا أن يكون الساعي لذلك من سلالة بني النظير وبني قريضة وما ينبغي أن يعلمه هذا السياسي المتشبع بروح العنصرية وأمثاله من أصحاب المبادئ السامية التي تدافع عن حقوق الشعوب وهم لا يجهلون ولكنهم فقط يخادعون شعبهم ويستغلون أنفتهم أو ضعفهم أو جهلهم ولكنهم في الواقع لا يخادعون إلا أنفسهم وهم لا يشعرون و قد أعماهم حب الزعامة والرئاسة وحب الاستثراء والتكاثر عن حقوق شعبهم المقهور الذي لم تعد تنطلي عليه الخدع السياسية كلما اقترب موسم الانتخابات الرئاسية فيحول السياسيون أنظاره عن واقعه اليومي ويصرفون أفكاره عن الشأن المحلي ويشغلون باله بالترهات ويشحنون صدره بالأحقاد فيصنعون له هاجوج ومأجوج كأنه يتربص به على حدوده الغربية ويصورون له الجنون والعفاريت والشياطين في كل زاوية كسائر الحكام العرب وقاداتهم العسكريين الذين مازالوا يؤمنون بسياسة تخديرهم للشعوب والاعتماد على المباضع من اجل ضمان استقرارهم
فاما الشعب الصحراوي قد يعلم حكام الجزائر كما يعلم كثير من حكماء شعبه الواعي أنهم مغاربة قد يكونون كيفما يكونون وسيبقون مغاربة بالعقل و العاطفة وبالروح والجسد كما قال لنا عبد الرحمان المجدوب بالعامية ” ولد الناس لا تربيه لابد ما يكبر ويرجع لماليه اللهم إذا رفضوه والديه ” والمغرب قد غفر لأبنائه المغرر بهم ورحم المخطئين منهم ولن يرفض العائدين التائبين وكل الناس خطاؤون وخير الخطائين التوابون
وستأتي لحظة الندم يوما ما وسيعذب الضمير من ظلم ويحاسب التاريخ من ساهم وتسبب في تبذير أموال الشعبين على حد سواء وشبابا هنا وهناك هم في حاجة إلى عمل والى رفه والى سكن فمن لا سكن له لا وطن له ولا هوية ولا عنوان كما هو في أمس الحاجة إلى تأسيس اسر” واوليدات ” وليس في تأسيس دويلات و ضرب خيام ومخيمات على تخوم مدنهم وحدود بلدانهم قد تهدد استقرارهم ولا تأتيهم إلا بالويلات , وشيوخا هنا وهناك هم في حاجة أيضا إلى تطبيب وعلاج وعيش كريم داخل وطنهم وبين ظهران فلذات أكبادهم الذين تتقاذفهم أمواج البحار وهم أحوج ما يكونون إلى إحسانهم لا احسب أن ما تتوفر عليه الجزائر من ثروات هي كافية لتوفير العيش الكريم لأربعين مليون نسمة وهي في ازدياد مستمر ولا احسب انه قد يتوفر على فائض يتبرع به على الغير من اجل استنزاف الأخر إن ما تصرفه الجزائر على البوليزاريو وما تتسبب فيه من تكاليف لاستنزاف المغرب في هذا الشأن يعد بالملايير الدولارات كفيلة بان تجعل الشعبين في البلدين الجارين يتغلبان على كثير من المشاكل والهموم والمتاعب التي تؤرقهما وتضمن لهم الاستقرار السياسي والاجتماعي والثقافي في بلديهما ويحافظ لهما على أواصر الأخوة والمحبة والتعايش السلمي على الأقل كما كان إبان عهد الاستعمار إذا لم يستطع ذلك المستقلون أو دعاة الاستقلال في البلدين أفلا يكتفي القادة الجزائريون من هذا العبث السياسي الرامي إلى خلق عدو مفترض لشعب بدلا من خلق صديق حقيقي لشعب أخر والحد من المراهقة السياسية العاملة على إصدار الفتنة وتلهية الشعوب المحتاجة حتى لا تثور ضدهم رغم أن الحاجة هي الشرارة الأولى للثورة ألا يمكنهم تخطي العقبات ونسيان الأحقاد وتفادي الثورات بترك حمية الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم ” إنها منتنة ” والتطلع إلى مواكبة العولمة والاستعداد لمواجهة هاجوج الغربي الحقيقي ومأجوج الشرقي اللذان يتربصان منا الفرصة السانحة ويلتمسان الفجوة التي ينفذون منها إلى ديارنا
إننا ننذر بتمرد شعبي ذات يوم على السياسات الفاسدة وننظر إلى حوافر المتمردين كيف تدوس على كل الشرائع والتقاليد البالية حينما نفذ صبرهم وكاد حبل الوصال الذي يربط الشعبان أن يتقطع بينهم كما نرى الأواصر التي تجمعهما لتصنع منهما كتلة واحدة تتفكك وتبدو الشعوب التي تفصلها الأوهام وتفرق بينها السياسات تستعد لاستجابة القدر وتتأهب لتندفع كالتسونامي الجارف الذي لا يدع ولا يذر وسيكسر كل القيود ويرفع الحواجز ويطمس معالم الحدود ثم يعانق بعضهم بعضا فيبدءون الحياة ويعلنون الجهاد والتعاون معا من اجل تطهير وطنيهما من الفساد وتحرير أنفسهم من أغلال الأوهام وفك معاصمهم من قيود الذل والاستعباد نتمنى ذلك اليوم قبل الغد وقبل فواة الأوان وأخيرا اشكر أخي القارئ المتصبر على قراءة هذا المقال المتواضع متمنيا أن لا أكون قد أبخسته ثمن وقته