بقلم : الخضير قدوري
ربما يكون الصحفيان الفرنسيان بعملهما الابتزازي للدولة والاستفزازي لملك المغرب ، قد لا يسيئان بذلك إلى سمعة الكتاب والصحفيين الفرنسيين فقط ،وإنما يعودان بالحضارة الغربية والفرنسية الحديثة على الخصوص إلى عهد العصر العباسي ، والى عز زمن شعراء المدح والقدح للخلفاء والأمراء في الشرق خلال هذا العصر الذي مر عليه أكثر من 12 قرنا ، حيث كان أمثال هذين الصحفيين في زمانهم يتقربون بالمدح للأمراء والخلفاء أو لأعدائهم بالقدح والهجاء ، من اجل التقرش والاسترزاق وجزيل العطاء ، دون أن ينسى الصحفيان المفترسان كما يسميهما بعض زملائهم ، أن معظم هؤلاء قد استبيحت دماؤهم وقطعت ألسنتهم ومنهم من ظل طول عمره مطلوبا في الأرض مكبا على وجهه في صحاريها ، تائها في فيافيها هائما في وديانها ،وقليل منهم أيضا عاشوا في بحبوحة عيش وسعة رزق إلى جانب الخليفة أو الأمير كشاعر الرشيد أبي نواس وغيره .
ما يهمني ليس هو البحث في تراجم الشعراء والكتاب والأدباء ، والتوغل في أغوار العصر العباسي الضارب في عمق الماضي البعيد ، والذي لم يكتشفه هذان الصحفيان الفرنسيان إلا بعد شهور قليلة ، فأرادا بحكم إعجابهما تحديث أساليب الاسترزاق التي كان يمارسها بعض الشعراء يومئذ. إلا أن هذه الأساليب البالية لن تثير حافظة المثقفين العرب عامة والمغاربة خاصة ، وكلهم يعلمون مدى عشق المجتمعات الغربية للتحف الأثرية ، واعتنائهم بمظاهر الحياة التقليدية ،وشغفهم لتقمص شخصيات نوابغ الحضارة العربية والإسلامية رغم الحقد والجحود .
فإذا كان الصحفي الفرنسي قد عاش حقبة ذهبية من عمره كشاب من جيل الملك الراحل الحسن الثاني الذي أغدق عليه كل النعم ، ولو كان لديه شيمة من شيم الكرام لكان يحفظ للمنعم عليه الذكر الجميل ، فإذا كان الراحل إلى حد ما مولعا بالندوات الصحفية ليس كغيره من الملوك والرؤساء ولعه بمجالس رجال العلم والفكر والمعرفة ، على غرار مجالس الدروس الحسنية . بغض النظر عن ممارساته الرياضية وإحيائه لليالي الفن والطرب ، على غرار ولع الخلفاء والأمراء السابقين بمجالس فحول الشعر والشعراء وفطاحل الكتاب والأدب ، وربما بالصدفة الغريبة تكون الظروف قد سمحت لصاحبنا ذات يوم ليحظى بشرف حضوره إحدى هذه الندوات التي مكنته كما مكنت أمثاله في مختلف المجالات المذكورة ليحظى بشرف تقربه من الملك ، ما أظن حصوله على هذا الشرف كان بفضل لباقته أو نباهته ، أو لذكائه و حنكته ، مستبعدا في نظري كل ذلك بعد ما أقدم عليه تجاه خلف الراحل ووارث سره ، ولم أكن أرى من خلاله سوى ضربة حظ قد حالفه كغيره من المطربات والمطربين ، جعلته يحظى بمجاملة الحسن الثاني التي رفعت من شانه إلى مستوى ربما لم يكن لائقا بمقامه ، ولا مناسبا لمكانه . ونحن كمغاربة أدرى من غيرنا بمدى الانعكاس الايجابي للمجاملة الملكية على أي شخص قد يقربه الملك أو يسمح له بلثم راحته أو يكلمه من وراء حجاب ، أو يجالسه على التراب ، وبالأحرى أن يمسح حذاءه أو يكنس طريقه. فيعتبر هذا الأخير نفسه من الصفوة المحظوظين ، ومن الفقهاء المحترمين ، والعلماء المبجلين، والمثقفين والفنانين المكرمين. حتى لو لم يكن كذلك ، لكن مجاملة الملك جعلته كذلك ، كما قد تجعله غضبة الملك ذات يوم أسوأ حظا وشر منقلبا .
لاشك أن ما دونه الشعراء وما تغنى به المطربون ، وكتبه الكتاب والمدونون ، من دواوين ومجلدات وما سطره الصحافيون المغاربة في يومياتهم ، عن ملوكهم ومشاهيرهم من كلام مدح وقدح ونقد ضاق به حجم المجلدات التي تزخر بها المكتبات ، وتمتلئ منها الخزانات وتنطبق عليها الأضابير والسجلات ، التي أثقلت رفوف التاريخ. نجد كل ذلك قد يغني إلى حد ما أمثال هذان الصحفيان عن البحث على الحقائق وتصيد خصوصيات العظام المحصنة وراء جدران القصور المنيعة ،وعلى سبيل ما ذكر يجب ان يعلم المتصيدون أن معظم سابقيهم قد لقوا حتفهم جزاء محاولة تسلقهم هذه الجدران ، فأدوا مقابله ثمنا غاليا قيمته إزهاق أرواح بعضهم، ومواراة جثامين آخرين في زنزاناتهم، وقليل منهم من أتموا مراحل أعمارهم في غياهب سجونهم ،ومنهم أيضا من توالت عليهم النعم ،ومازالوا يتوارثونها أبا عن جد إلى عشرات السنين ،ترى فهل كان هذان الصحفيان من الزمرة الأخيرة ،أم كانا من الثلة الكافرة بالنعمة فحلت بهما النقمة
أم هو جزاء الإحسان وإكرام اللئام ،ربما يكون السيد اريك لوران كريما إبان عهد الكرام والملك الحسن ،الذي أكرمه وبالغ في إكرامه حتى صار قلما ملك أصبعيه، فأغناه عن مهنة المتاعب ورفعه مكانا عاليا بين الكتاب والأدباء ،الذين يزنون الكلمة بميزان الذهب قبل ان تعرض للبيع والشراء في أسواق عشاق الكلمة الرفيعة في الجملة المفيدة وباللغة الرزينة
لكن تحول هذا التلميذ ما جعله لم يوفق في الامتحان ،و قد خسر كالمقامر بكل ما ملكت يداه كل شيء دفعة واحدة ، وقد خسر اريك لوران الرهان بما كتبه وما لم يكتبه، وما قاله وما لم يقله أو يقوله غيره من مديح وكلام مليح ، ولكن الجشع ويا للجشع وما أدراك ما لجشع ،الذي صير صاحبه بعد وفاة ولي نعمته لئيما في عهد لم يبق لللئام فيه مكانا ،انه عهد ابن ليس مثل عهد أبيه ،وقد خلق لزمان غير زمانه ويفضل ان يكون عرشه على سيارته
ويحسب الكاتب المبتدئ ان كتابة الأساطير الأولى مازالت تجد لها قراء في زمن خواتم المعرفة، أين تدك عجلاتها رفات المبتدئين ويحسب السيد لوران ورفيقة دربه أن أسلوب الاستفزاز مازال يمهد السبيل للابتزاز، بقوله اليوم ما لم يقله أمس ،وبما يتناقض مع الزمان وشخصية الإنسان، انه صنيع الجشع الذي يدفع باللئام الى التمادي في الأطماع رغبة في عطاء الكرام، بأسلوب أعطيني حتى أمدحك ،او أعطيني حتى لا أذمك. ولكن مع الاسف قد مات الملك الحسن
ذاك نوع من النفاق الأدبي الذي اكل عليه الدهر وشرب ،والجشع الصحفي في ظل التسيب الديمقراطي وما يسمى حرية التعبير في زمن لم تعد الخيول ترد با الجماح ، ولو كانت الكلمة تزان بميزان الذهب ،لسكت الكلام في عز الكلام .ولو كان الصدق سيفا سليطا على رقاب المتكلمن ، لفضل الكثيرون عضهم على اللجام بالأسنان أهون عليهم من قطع اللسان. ولما كان الكلام بالمجان فنعم الحياة حياة البكم ،ولما صار القلم في متناول كل من هب ودب ،وأصبح الشغب عنوانا للأدب ،وسبيلا الى الشهرة في عالم الكتابة والتأليف، فنعم الحياة حياة الصم ألعمي، وعلى دنيا الكتاب والمؤلفين السلام
لم يكن السيد اريك لوران سابق زمانه ،ولا أول أمثاله ،وإنما قد سبقه الى أسلوب الابتزاز ذلك الكاتب بلا كتاب، والمؤلف بلا قلم صاحب الاسم المأجور المتبني لكتاب لم يؤلفه تحت عنوان ” آيات شيطانية ” الذي يهدف من ورائه مؤلفه الحقيقي إلى الإساءة لنبي الإسلام، من اجل ابتزاز الدول الإسلامية وفي مقدمتها إيران والسعودية ،ومن بعده ظهرت مجموعة شارلي هيبدو، التي لقيت جزاءها على أيد من لا يخضعون للابتزاز ولا يقبلون المساومة، ولم يكن يسلم من مثل هذه الممارسات المشينة أي قائد عربي او إفريقي يرغب في الشهرة والظهور على شاشات القنوات الغربية ، او يخاف من فضيحة يريد سترها برداءات أجنبية، دون وعي بان كل تلك ممارسات قد تلفت إليه الأنظار وتشد الابصار وتسلط عليه الأضواء الكاشفة . على أي سيبقى كل سيف بمثله يقرع ،وكل مصارع بمثله يصرع