بقلم : الأستاذ المختار العيادي ، نائب وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بتازة
تــقــديـــم
إن اختيارنا لموضوع المنازعات المرتبطة بأراضي الجموع هو تناول لموضوع هام وشائك ينبع من عدة أسباب:
– أهمية أراضي الجموع ببلادنا والتي تشكل رصيدا عقاريا مهما.
– كثرة المشاكل التي تثيرها هذه الأراضي أمام المحاكم بمختلف أنواعها(المحاكم المدنية ،المحاكم الزجرية ، المحاكم الإدارية …إلخ).
– المساهمـة في النهوض بقطاع أراضي الجموع في أفق الإصلاح القانوني
المرتقب.
وإن مقاربة الإشكاليات المتعلقة بالأراضي الجماعية/السلالية سوف يكون عبر تقسيم الموضوع إلى أربع مباحث كل مبحث نخصصه لمعالجة الكيفية والجهة المكلفة بالبت في هذه المنازعات وذلك حسب طبيعة ونوعية النزاع.
الـمـبـحث الأول
المنازعات التي يرجع أمر البت فيها لجمعية النواب أو مجلس الوصاية
بالرجوع إلى الفصل الرابع والخامس من ظهير 1919 والمنشور الوزاري المشترك عدد 8/62 تعتبر المحاكم غير مختصة للبت في المنازعات المرتبطة بالأراضي الجماعية في الحالات الآتية:
أولا: المنازعات المثارة بين أعضاء جماعة سلالية حول عقار تمت تسوية وضعيته القانونية بإقامة رسم عقاري أو بالمصادقة على تحديد إداري في اسم هذه الجماعة السلالية .
ثانيا: المنازعات القائمة بين جماعات سلالية متعددة تملك على وجه الشياع عقارا تأكدت صبغته الجماعية عن طريق التحفيظ أو التحديد الإداري.
فعملية التحفيظ أو إصدار مرسوم بالمصادقة إذا ثبت بمقتضاهما ماهية العقار تخوله صفة الملك الجماعي الذي لا يمكن أن ينازع فيها بتاتا وعلى أعضاء الجماعة المالكين أن يخضعوا لجمعية النواب أو مقررات مجلس الوصاية ليتصرفوا في الملك المشترك.
ثالثا: المنازعات القائمة بين جماعة والغير الذي يدعي حق التصرف في عقار لم ينازع الطرفان المتنازعان في صفته الجماعية، فكثيرا ما يدعي رب عائلة انتسابه لجماعة سلالية وأنه من جملة أعضائها مطالبا بنصيبه في التصرف في ملكها. فالمنشور عدد: 2977 المؤرخ في 13 نونبر 1957 يسمح للأجانب عن الجماعة الذين يكونون قد تمتعوا طيلة عشر سنوات على الأقل بما لأرباب العائلات المنتسبين للجماعة السلالية من حقوق وما عليهم من واجبات بالانخراط في حقوق الجماعة ويتعين على مجلس الوصاية والقواد أن يعملوا على تنفيذ هذه المقتضيات بدون تدخل المحاكم. وتطبق هذه القاعدة فيما يخص الشخص الذي يعتبر نفسه من أفراد الجماعة السلالية والحال أن الجماعة لا تعترف له بهذه الصفة.
وطبقا للفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919 يجتمع مجلس الوصاية باستدعاء من وزير الداخلية للنظر في المشاريع أو الطلبات المدعمة والمعروضة كتابة على الوصاية وكذا البت فيما يستلزم منها زيادة في البحث. ويساعد المجلس كاتب يعينه وزير الداخلية. ويجري بحث الأوراق والتحقق في كل قضية من غير إشهار، وتحرر المقررات من طرف الكاتب ويوقع عليها جميع أعضاء المجلس، وتكون هذه المقررات غير مدعمة بأسباب وغير قابلة لأي طعن.
المـبـحـث الـثـانـي
المنازعات التي يرجع أمر البت فيها للقضاء الزجري
حماية للأملاك العقارية الجماعية من أي اعتداء يستهدف انتزاع حيازتها أو تخريبها أو تعييبها أو إتلافها أورد المشرع بعض النصوص والمقتضيات الزجرية في الباب التاسع من القانون الجنائي وكذا في ظهير 27 أبريل 1919.
وأهم تطبيقات هذه النصوص في الميدان العملي نجد:
– جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير
– جريمة تفويت أملاك عقارية غير قابلة للتفويت.
المطلب الأول
جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير
تعتبر جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير من أكثر القضايا الجنحية الرائجة بالمحاكم والتي تتسم بالدقة والتعقيد، وتكتسي الأحكام الصادرة فيها أهمية بالغة نظرا لخطورة الآثار المترتبة عليها ليس بالنسبة للمشتكي والمشتكى به فقط، ولكن بالنسبة للمجتمع واستقراره في بعض الأحيان.
ورغم خطورة هذه الجريمة فإنها لم تنل ما تستحقه من اهتمام حتى من المشرع نفسه الذي لم يخصص لها إلا فصلا يتيما هو الفصل 570 من القانون الجنائي. بل ما يزيد في هذا التعقيد هو مدى إمكانية تطبيق مقتضيات الفصل 570 من مجموعة القانون الجنائي في مجال أراضي الجموع؟ سيما وأن الفقرة الأخيرة من الفصل الرابع من ظهير 27/4/1919 ينص على أنه: “كل تعرض على تدبير من تدابير التنفيذ التي تتخذها السلطة المحلية يعاقب عنه بالسجن لمدة تتراوح بين شهر واحد وثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 120 درهما و500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط بصرف النظر عن العقوبات المنصوص عليها في حالة العصيان”؟ فما هو مجال تطبيق كل نص من النصين أعلاه؟ إن لفظ العقار المنصوص عليه في الفصل 570 من ق.ج جاء عاما يتعلق بجميع أنواع العقارات سواء كانت ملكا خاصا أو ملكا جماعيا، غير أن المجلس الأعلى استقر على: “أن عناصر جريمة انتزاع عقار جماعي من حيازة الغير تتوقف على إصدار مقرر من طرف جمعية المندوبين أو مجلس الوصاية المكلفين بتقسيم الانتفاع بالأراضي الجماعية والذي في حالة التعرض عليه يعاقب بمقتضى قانون خاص، لذا لا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي بشأن الاعتداء على أراضي الجموع وإنما تطبق مقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919 المعدل بظهير 6 فبراير 1963 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية”.
وهذا الاتجاه نعتقد أنه ينسجم مع ظهير 27 أبريل 1919 المعتبر بمثابة الميثاق أو القانون الإطار المنظم لأراضي الجموع بالمغرب.
المطلب الثاني
جريمة تفويت أملاك عقارية غير قابلة للتفويت
ينص الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 المعدل بظهير 6 فبراير 1963 على أن: “الأراضي الجماعية غير قابلة للتقادم ولا للتفويت والحجز”.
كما أن الفصل 542 من القانون الجنائي نص على أنه: “يعاقب بعقوبة النصب المقررة في الفقرة الأولى من الفصل 540 من يرتكب بسوء نية أحد الأفعال الآتية:
1) أن يتصرف في أموال غير قابلة للتفويت…”
فهل يمكن تطبيق مقتضيات الفصل 542 من القانون الجنائي أعلاه في مجال الأراضي الجماعية؟
المجلس الأعلى في قرار صادر عنه بتاريخ 24/12/1997 أكد إمكانية تطبيق مقتضيات الفصل 542 من ق.ج في حالة تفويت عقار جماعي حيث جاء في القرار المذكور معللا موقفه: “حيث إنه خلافا لما جاء في الوسيلة فالمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عندما أدانت العارض من أجل جنحة التصرف في مال غير قابل للتفويت المنصوص عليها بمقتضى الفصل 542 من مجموعة القانون الجنائي عللت قرارها بالقول إنه من الثابت من مراسلة السيد قائد المقاطعة القروية بزاكورة عدد: 232 وتاريخ 8/3/93 أن القطعة الأرضية جماعية تابعة لجماعة اسملالية، وأن تصريحات الأظناء تفيد أن الأرض جماعية وأنهم فوتوها بالبيع، وأن الفصل 4 من ظهير 27 أبريل 1919 المعدل بظهير 6/2/1963 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط وتسيير شؤون الأملاك الجماعية يمنع تفويت الأراضي الجماعية، وأن التكييف السليم للأفعال المرتكبة من طرف الأظناء هو تفويت أملاك غير قابلة للتفويت، وهي جنحة تدخل في زمرة جرائم الأموال التي تنتمي إليها الجنحة التي توبع من أجلها الأظناء، مما تكون معه المحكمة بذلك قد استعملت ما يخوله لها القانون من سلطة وصف الأفعال التي تحال عليها بالوصف الصحيح وطبقت النص القانوني الملائم عليها حسب ما استخلصته من دراسة القضية، الأمر الذي يكون معه قرارها مرتكزا على أساس صحيح وتكون الوسيلة على غير أساس”.
الـمبـحـث الـثـالـث
المنازعات التي يرجع أمر البت فيها للقضاء المدني
إن أهم ما يطبع النزاعات حول العقارات الجماعية أمام المحاكم المدنية تتمحور حول دعويين رئيسيتين هما دعوى استرداد الحيازة ودعوى الاستحقاق.
المطلب الأول
دعوى استرداد حيازة العقار الجماعي
تمتاز دعوى الحيازة بصفة عامة في ميدان العقار بكونها الضمانة الوحيدة بالنسبة للحائز الفعلي للحيلولة دون فقد الحيازة فدعوى الحيازة إذا توفرت شروطها المنصوص عليها في الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية تكتسي نوعا من الاستعجال لأن الهدف من إقامتها هو رد الأمور إلى نصابها وإرجاع الحيازة إلى صاحبها دون الخوض في ملكية العين غير أنه كلما تعلق الأمر بأرض جماعية فإن دعوى استرداد أرض جماعية لا تخضع لمقتضيات الفصول 166 وما يليه من ق.م.م بل للظهائر المنظمة للأراضي الجماعية وهو ما أكده المجلس الأعلى في قرار له صدر بتاريخ 27/5/1998 تحت عدد 3518 في الملف المدني عدد: 4748/1/1997 . حيث جاء في حيثياته معللا موقفه: “لكن خلافا لما أثاره الطاعنون فإن محكمة الاستئناف بعد ما تبين لها وعن صواب أن الدعوى ترمي إلى استرداد حيازة أرض جماعية، وأنها معززة بشهادتين إداريتين إحداهما تحمل رقم 2103 مسلمة من السيد قائد الجماعة تفيد أن المدعى فيه مخصص للرعي للمدعية والثانية تحمل رقم 3220 مسلمة من السيد وزير الداخلية الوصي على الأراضي الجماعية إلى السيد رئيس إقليم ورزازات (قسم العقار) تفيد بأن الطاعنين ليست لهم حقوق عقارية في الأرض التي تطالب بها المدعية وأنهم أجانب عن هذه الجماعة وبعدما ثبت لها من المعاينة المجراة ابتدائيا أن المدعية كانت تحوز المدعى فيه قبل وضع المدعى عليهم يدهم عليه اعتبرت وعن صواب أن الدعوى مؤسسة وردت حجة الطاعنين عدد 45 بما يكفي لردها بأن الأملاك الجماعية لا يمكن تملكها بالتقادم مهما طال التصرف الشيء الذي لم ينتقدوه ولم تكن بحاجة إلى مناقشة مدى توفر مقتضيات الفصل 166 وما يليه من ق.م.م المحتج بها في الوسيلة الأولى طالما أن الأمر يتعلق بالحيازة العرضية والتي لا تخضع للمقتضيات المحتج بها بل للقانون المنظم للأراضي الجماعية كما لم تكن بحاجة إلى مناقشة القرار الجنحي لأنه قضى بالبراءة لكون النزاع مدني وبذلك فلم تخرق أي مقتضى قانوني وكان قرارها معللا ومؤسسا وما بالوسيلتين غير جدير بالاعتبار”.
المـطـلـب الـثـانـي
دعوى الاستحقاق
تعتبر دعوى الاستحقاق أكثر تشعبا ودقة من دعوى الحيازة لأنها ترمي إلى البت في أصل الملك والحكم باستحقاق المدعي له أو برفض طلب استحقاقه . وتطبيق دعاوى الاستحقاق في مجال أراضي الجموع لا يمكن أن يشمل العقارات الجماعية التي تمت تصفية وضعيتها القانونية بتأسيس رسم عقاري أو بتحدي إداري. فالنزاعات القائمة بين جماعات سلالية حول أملاك عقارية لم تتم تصفيتها بعد قد يحدث عندما تقوم الوصاية باسم جماعة بتقديم مطلب تحفيظ عقار مشاع بينهما يشوب نزاع حول الحيازة. فيمكن لأحد هاتين الجماعتين أن تتعرض من تلقاء نفسها على المطلب المذكور للحصول على حكم يعترف لها بحق الملكية في جميع القار المذكور.
كما تطبق نفس القاعدة في حالة ما إذا صدر أمر بتحديد إداري في اسم عدة جماعات تملك شياعا عقارا ثبتت صفته الجماعية.
هناك مظاهر شتى من الترامي ودعاوى التصرف على اختلاف أنواعها وعلى القاضي أن لا يرفض قبول القضايا المعروضة عليه من هذه الطبيعة حتى في الحالة التي يتضح له فيها كون العقار جماعيا وذلك كحرم الدوار وأرض الرعي العمومية التي لا ترتبط بملك خاص وأرض تقسم دوريا حسب العرف الجماعي .
وفي حالة ما إذا وجد القاضي أن الأرض المدعى فيها بين جماعة وأعضائها تكتسي صبغة جماعية تعين التنصيص على ذلك في حكمه.
وجاء في قرار للمجلس الأعلى صدر بتاريخ 20/3/1968 أن: “حيث تعيب الطاعنة على القرار المطلوب نقضه عدم التعليل وانعدام الأساس القانوني، وذلك عندما وصف القرار والحكم المؤيد من طرفه حيازة طالبة النقض بكونها حديثة العهد، بدون أي جواب على الوسائل المستدل بها في الاستئناف الرامية إلى إثبات قدم الحيازة”
لكن حيث أن قضاة الاستئناف لم يعطوا أي اعتبار للحيازة، لأن النزاع متعلق بأرض جماعية ولأن أفعال التصرف فيها لا يمكن أن تؤدي إلى تملك الأرض الجماعية بالحيازة ولو طالت نظرا لما قرره الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 الذي تقدمت الإشارة إليه، وأن وصفهم حيازة طالبة النقض بكونها حديثة العهد إنما جاء على وجه المبالغة في الاستدلال، لا على كونه علة أساسية لمنطوق الحكم، فبتصريحهم بأن أعمال التصرف لا تجدي في اكتساب حق الملك في أرض جماعية أجابوا ضمنيا وبصفة حتمية على الوسائل المستدل بها في الاستئناف وأعطوا حكمهم أساسا قانونيا”
غير أن ما تجدر الإشارة إليه، أن الفصل 5 من ظهير 27 أبريل 1919 ينص على أن الجماعات الأصلية يمكنها أن تتعرض بدون رخصة من الوصاية على مطلب التحفيظ الذي يقدمه الغير، إما الدعاوى المتعلقة بحماية العقارات الجماعية ضد الترامي أو التصرف فإن حصول الجماعة على إذن الوصي بإقامتها أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه وهو ما أكده الفصل 5 من ظهير 6/2/1963. وهذا الاتجاه كرسه المجلس الأعلى في قرار له صدر بتاريخ 1971 والذي جاء فيه:
لكن حيث إن نقطة جماعية أرض النزاع قد ثبتت للمحكمة من الرسم العقاري عدد 3623 حرف الميم الأمر الذي لم يتعرض له طالبوا النقض في مذكرتهم بشيء كما أن الحكم المطعون فيه جاء مطابقا لمقتضيات الفصل الخامس من ظهير 16 فبراير 1963 الذي منع الجماعة من إقامة أية دعوى في الميدان العقاري قصد المحافظة على مصالحها الجماعية إلا بإذن من الوصي على الجماعات، وبواسطة مندوب معين ضمن الشروط المحددة في الفصل الثاني من ظهير 16/2/1963 المذكور… كما أن مسألة توزيع استغلال الأراضي الجماعية خاضع لاختصاص نائب الجماعات وحيث إن الحكم المطعون فيه صدر بعد تطبيق هذا الظهير الأخير لذا فالوسيلة لا ترتكز على أساس”.
الـمـبـحـث الـرابـع
المنازعات التي يرجع أمر البت فيها للقضاء الإداري
ينص الفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919 على أن المقررات الصادرة عن مجلس الوصاية غير قابلة لأي طعن.
لقد أثار الفصل 12 المذكور أعلاه كثيرا من الجدل الفقهي والقضائي حول مدى قابلية القرارات الصادرة عن مجلس الوصاية للطعن أمام القضاء الإداري بعد صدور قانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية .
لرصد هذا الجدل سوف نتعرض لموقف القضاء في مطلب أول على أن نتطرق لموقف الفقه في مطلب ثاني.
المطلب الأول
موقف القضاء
سوف نتناول موقف محاكم الموضوع في نقطة أولى على أن نتناول مسلك المجلس الأعلى في نقطة ثانية:
أولا: موقف محاكم الموضوع:
ذهبت المحكمة الإدارية بأكادير في حكم مشهور لها صدر بتاريخ 20/7/1995 إلى أنها مختصة للبت في الطعون الرامية إلى إلغاء المقررات الصادرة عن مجلس الوصاية في إطار دعوى الإلغاء وفي هذا الصدد ألغت بمقتضى حكمها المشار إليه أعلاه قرارا صادرا عن مجلس الوصاية يتعلق بالأرض المسماة فدان أدرار على أساس أنه وفقا لروح قانون 41.90 فإن المواطن في إطار دولة الحق والقانون من حقه مراقبة جميع أعمال الإدارة عن طريق الطعن فيها بسبب تجاوز السلطة أمام قضاء مستقل يمارس اختصاصاته لحماية مصالح المواطنين والإدارة على حد سواء .
غير أن هذا الحكم الذي يعتبر بحق اجتهادا قضائيا يحتذى به ويدعم دولة الحق والقانون سوف يتعرض للإلغاء من طرف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بمقتضى قرارها الصادر في 19 يونيو 1997.
كما أن المحكمة الإدارية بوجدة سلكت هذا المنحى في حكم هام صدر عنها بتاريخ 30/1/2002 تحت عدد 25/2002 في الملف رقم 363/2000 وهو غير منشور معللة حكمها بما يلي: “حيث إن القرار المطعون فيه صدر في إطار مقتضيات ظهير 27/4/1919 بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وضبط تدبير الأملاك الجماعية المعدل بظهير 6/2/1963.”
وحيث لئن جاء الفصل 12 من الظهير المذكور على إطلاقه إذ نص على “أن مقررات مجلس الوصاية تكون غير مدعمة بأسباب وغير قابلة لأي طعن” دون أي تحديد آخر لطبيعة هذا الطعن والجهة المناط إليها النظر فيه فإن العمل القضائي بالمحاكم الإدارية قد تواتر واستقر على قابلية مقررات مجلس الوصاية للطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة اعتبارا لأن المقررات الصادرة عن هذا الأخير تعتبر قرارات إدارية مستوفية لجميع شروط ومقومات القرار الإداري باعتباره صادر عن سلطة إدارية نملك حق إصداره ونهائيا غير قابل لتعقيب سلطة إدارية أعلى ومؤثر في المراكز القانونية للأطراف.
وحيث إنه في إطار دعوى الإلغاء التي هي دعوى القانون العام تكون كل القرارات الإدارية متى توفرت فيها شروط ومقومات القرار الإداري قابلة للطعن بالإلغاء وهي توجه ضد كل قرار إداري دونما حاجة إلى نص قانوني صريح ما لم يكن الطعن دونه منظم بنص قانوني خاص أو كان هناك مجال لاستعمال الدعوى الموازية.
وحيث إنه فضلا عن ذلك فإن الصيغة التي جاءت بها المادة الثامنة وكذلك المادة 20 من قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية تفيد صبغة العموم المطلق “كل قرار إداري” دون استثناء تجعل كل قرار إداري تتوافر فيه مقومات القرار الإداري قابلا للطعن بالإلغاء.
وحيث إن قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية في مادته الثامنة وكذا المادة 20 جاء لاحقا على ظهير 27/4/1919 مما يكون قد نسخ ضمنيا نص المادة 12 منه ذلك أنه من القواعد العامة المتعارف عليها فقها وقضاء أن القانون اللاحق يلغي السابق.
وحيث لا يستساغ وفقا لروح قانون: 90/41 المذكور حرمان المواطن من حقه في مراقبة أعمال الإدارة من طرف القضاء عن طريق دعوى الإلغاء أمام هيئة قضائية مستقلة عن الإدارة وفقا لما هو منصوص عليه بمقتضى الدستور.
وحيث إنه بذلك تبقى جميع مقررات مجلس الوصاية قابلة للطعن كيفما كانت طبيعتها علما أنه لا وجود لأي نص قانوني سواء في ظهير 27/4/1919 أو غيره يشير صراحة إلى منع الاستفادة من الالتجاء إلى الطعن بسبب التجاوز في السلطة لمراقبة مشروعية قرار مجلس الوصاية المطعون ضده، وأن كلمة غير قابلة للطعن الواردة بالفصل 12 أعلاه لا يقصد منها سوى الطعن الإداري دون القضائي الذي يبقى حق أصيل للطاعن لا يحد منه إلا بالقانون وتبقى دعوى الإلغاء في إطاره أداة فعالة لحماية المشروعية وضمان سيادة الحق والقانون.
ثانيا: موقف المجلس الأعلى:
لقد ظل المجلس الأعلى في شخص الغرفة الإدارية به وفيا لاتجاهه الرامي إلى إلغاء جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية في هذا المجال. وفي هذا الإطار صدر قرار بتاريخ 19/5/1997 والذي قضى بإلغاء الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 20/7/1995 بعلة خرقه لمقتضيات الفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919 والذي ينص صراحة على عدم قابلية مقررات مجلس الوصاية لأي طعن.
وهو توجه لا يتماشى وتطلعات دولة الحق والقانون وما تضمنه من حق الرقابة على مشروعية القرارات الإدارية بسبب التجاوز في السلطة.
المطلب الثاني
موقف الفقه
جل فقهاء القانون الإداري بالمغرب يستغربون من موقف المجلس الأعلى من عدم قابلية مقررات مجلس الوصاية للطعن أمام المحاكم الإدارية وعدم تأسيسه على أساس منطقي وقانوني سليم. ويدعمون موقفهم هذا بالحجج التالية:
– إن مقتضيات ظهير 27 أبريل 1919 وضع في ظل مناخ استعماري وظفته السلطات الاستعمارية للاستيلاء على الأراضي الجماعية الخصبة فظهير ل.ع منع على المحاكم البت في جميع الدعاوي الرامية إلى إلغاء أعمال الإدارة ولا تخول للمتضرر سوى الالتجاء إلى دعوى التعويض .
– إن المادة 8 وكذا المادة 20 من قانون 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية تفيد صبغة العموم المطلق “كل قرار إداري” دون استثناء بحيث تجعل كل قرار إداري تتوافر فيه مقومات القرار الإداري قابلة للطعن بالإلغاء .
– إن كلمة غير قابلة للطعن الواردة في الفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919 لا يقصد منها سوى الطعن الإداري دون القضائي الذي يبقى حقا أصيلا متاحا للطاعن لا يحد منه إلا بالقانون مما يجعل دعوى الإلغاء في هذا الإطار أداة فعالة لحماية المشروعية وضمان سيادة الحق والقانون.
– إن إبعاد القرارات الإدارية عن رقابة المشروعية ومنها قرارات مجلس الوصاية لا يستجيب للتعليمات الملكية السامية الرامية إلى تدعيم وترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات ولا يحقق الغاية من إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وكذا المحاكم الإدارية .
خــاتــمـــة:
من خلال مقاربة هذا الموضوع عبر هذه الصفحات يتضح جليا تعدد الجهات المختصة بالنظر في المنازعات المرتبطة بالأراضي الجماعية وذلك باختلاف طبيعة النزاع ذاته، وهو ما يعرقل عملية تنمية هذه العقارات والرفع من مردوديتها، فكان لزاما على المشرع التدخل بوضع إطار قانوني يحكم هذه الأراضي بشكل يتلاءم مع ما عرفته بلادنا من تطور على جميع الأصعدة وحبذا لو تم ذلك في شكل مدونة للأراضي الجماعية تضع مسطرة قانونية واضحة ومبسطة لفصل النزاعات المرتبطة بها. ذلك أن كثرة النصوص التشريعية وتشعبها وغموضها في بعض الأحيان، قد يعيق عملية تدبير الأراضي تدبيرا سليما ويعبث بكل الجهود المبذولة من أجل تحقيقها. ويجب أن يأخذ هذا القانون الشامل بعين الاعتبار معطيات التنمية الاقتصادية على المستوى الوطني والجهوي ويعكس الخطوط العريضة لطموحات الدولة والتنمية الاقتصادية.
CHOKRAN 3ALA LMA3LOUMAT
Salam oua3alikom –sofyan madinat taourirt ahl oud za ( soual ouach momkin oula kayan chi idara ntaé tasjil bach ta3raf rasak mastafad o la la??) Mersi