بقلم : بلقاسم سداين / حارس عام
يُختتم كل موسم دراسي بإجراء امتحانات مدرسية اشهادية. فيتم التهيؤ لها، والتحضير لإجرائها في جو يطبعه الطابع التربوي ويتم التجنيد لإنجاحها بكل الوسائل المادية والمعنوية، واللوجستيكية. كل من إطاره وكل حسب تدخلاته. وتعد هذه المرحلة تقويمية لمجهود الممتحن خلال موسم دراسي ومحطة مؤدية إلى مستوى أعلى وهي موسم متكرر لجني، وحصد ما زرعه خلال عمر الدراسة. ولهذه الامتحانات العديد من المرجعيات المنظمة لها. وقد أجمعت الدراسات والأبحاث التربوية والمذكرات الوزارية على نجاعتها، وأهميتها في حقل التربية والتعليم. ونظام الامتحانات المدرسية قديم قدم حب الإنسان لطلب العلم والمعرفة. وتطورت بتطور الإنسان ذاته. وبتوسع معارفه ومداركه. وهي إما شفهية أوكتابية. وتهدف إلى امتحان وقياس قدرات الممتحن ومدى فهمه واستيعابه للشئ الممتحن فيه وهي كذلك مقياس لقياس نواحي ضعف وقوة الممتحن. وفي نفس ألان فهي مشجعة على الاجتهاد والتنافس والتواصل المستمر مع المواد والدروس وهي بذلك تعلمه المثابرة والتركيز والتذكر. ومعرفة حقيقية لمواطن الخلل والتقصير والضعف ليتم معالجتها ودعمها. وهي تعلم كذلك: الانضباط والالتزام، والهدوء والمسؤولية، والصبر والمثابرة، والتركيز وقوة الملاحظة. إنها صورة حقيقية لاجتهاد الممتحن أو تقاعسه.
وانطلاقا مما سبق يتضح أن الامتحانات لها دور تربوي جميل وهادف. ولها بعد تكويني لشخصية الممتحن قريب وبعيد المدى.لكن واقع الحال أن الامتحانات أصبحت تشكل هاجسا،وشبحا مخيفا في مخلية الممتحن ويعمل كل ما في وسعه لمواجهة ومصارعة هذا الشبح الذي سيدركه لا محالة في آخر كل موسم دراسي.وتزداد وساوسه كلما اقترب موعد الامتحانات. وتتضاعف هواجسه كلما توجه إلى قاعة الامتحان. وتبقى أسباب ذلك متنوعة ومتداخلة أحيانا. وأحيانا أخرى معقدة الفهم وممتدة إلى أبعد الحدود في نفسية الممتحن. وضاربة بجذورها في أعماق أعماق المجتمع مما يتطلب وقفة عميقة ونظرة شمولية لهذه المحطة التي يمر عبرها الطالب وتسهر على إجرائها العديد من العناصر المتداخلة هي الأخرى كذلك..
ومن هذه الأسباب الأولية ان نمط الامتحانات باعتبارها نقطة مرور ضرورية لم تخضع للتطوير والتجديد بل بقيت جد تقليدية تؤطرها وتنظمها ترسانة من الضوابط القديمة شكلا ومضمونا، تهيئا وانجاز، و..و.
ولازالت تؤطرها مقولة: عند الامتحان يعز المرء أو يهان. والمثل قديم جدا وهو من أمثال الفرس وقد ذكره الحريري في مقاماته. وذكره الشريسي شارح المقامات ويعني المثل:
(قد يدعي المرء شيئا لكن بعد الاختبار فإما ان يوافق الواقع ما ادعاه فيكرم أو يكذب الواقع ما ادعاه فيهان ). وقد تحمل كلمة (يعز) و (يهان) حمولة وكثافة دلالية ولغوية لها وقعها،وأثرها على نفسية الممتحن..
يضاف إلى ذلك أن هذه الاستحقاقات تسبقها استعدادات، تزرع الخوف في النفوس. وتتوالى اللقاءات فيرى الطالب أن هناك حركية، تنم على أن هناك أمر جلل، وكبير قادم وآت سيكون هو المستهدف من خلاله. وتصاحب ذلك حملات إعلامية ودعائية توظف عبارات وكلمات ذات حمولة قوية من قبيل: التجنيد ـ الحرص الشديد ـ تطبيق القانون ـ محاربة الغش ـ العقوبات ـ المسؤولية ـ الالتزام ـ التصدي ـ الزجر ـ .. مقابل توظيف كلمات وعبارات في الأوساط الشعبية، وباللهجات العامية من مثل: زير راسك ـ جيب جيهتك ـ واش راك مستعد ـ استغل الفرصةـ عند تخسر …
وأخرى في قاموس الطلبة والممتحنين من مثل: واش غدي يصعبو ـ شكون غدي يحرسناـ اشكون غدي اصحح لنا.. كأن ما سيقبل عليه الممتحن مصيري ونهائي.فيتم اختزال الدراسة في الامتحان والنجاح فقط. في غياب لمساءلة التكوين والتعليم ، وما يرتبط بهما من مهارات وكفايات وتعلمات وتجارب مكتسبة وغيرها. بل نجاح يراعي زوايا محددة وضيقة تتمحور حول الخريطة المدرسية، بنية المؤسسات ومدى استيعابها للوافدين وضعف المستوى..
إنها عوامل تجعل الطالب/ الممتحن يشعر بعدم الثقة في النفس. ويشعر بالقلق والخوف، والتوتر.كما أن لغياب التواصل مع التلميذ لن يعطي قيمة لهذه المحطة. ويبقى التركيز فقط والتعامل معها من زاوية محاربة الغش، والهاجس الأمني على حساب معطيات أخرى أكثر أهمية. وقد تساهم الأسر في تعميق الضغوطات على الأبناء عن قصد أو عن غير قصد وتطالبه بالنجاح كخيار استراتيجي لسنته الدراسية..
إنها عوامل كثيرة ضاغطة فينخرط الممتحن في البحث عن هذا النجاح، وبوسائل يعرفها بأنها غير قانونية، ومحرمة. وقد ينخرط الآباء فيها أيضا، والأمهات وكأن الهدف الوحيد هو القضاء على شبح الرسوب. وكسب رهانات النجاح بشتى الطرق، والوسائل. فيتم التفكير في طرق الغش المتداولة، والمبتكرة رغم أنه سلوك مشين، وغير مقبول، ومرفوض قلبا وقالبا. وتبقى أسباب هذه الظاهرة غير التربوية كثيرة وفي مقدمتها الكسل وضعف الشخصية. والغش هو حيلة الكسول، وطريق الفاشل الفاقد للثقة في النفس والضعيف الشخصية ومن أسبابه كذلك الخوف من الرسوب. وللغش عواقب وآثار وخيمة على الغاش في تكوين شخصيته قد تمتد به إلى جميع مناحي حياته. ولن تتوقف تلك الآثار مادام حيا. وخير مثال أنصح به الغاش ان يتمعن في هذا البيت الذي لا يخلو من حكمة وموعظة عميقة حيث يقول الشاعر :
وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلاَّ سَيَمْضِــــي // وَيَُبْقَِى الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَـــــدَاهُ
فَلَا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَـــــــيْءٍ // يَسُرٌّكَ فِي الْقِيَامَةِ أََنْ تـــــَرَاهُ
ولمحاربة الغش والتغلب عليه وعدم التفكير فيه نهائيا. وكذا محاربة جميع أشكال الخوف وما يصاحبه من توترات وقلق، وارتباك في مواجهة الامتحانات: أن يسلك الطالب طرقا تربوية هادفة وصحية وصحيحة تقوي من شخصيته وتنمي عزيمته، وإرادته وتقوده إلى النجاح عن جدارة واستحقاق ومنها:
ــ أن ينخرط الطالب في المراجعة المبكرة والاستعداد القبلي لهذه الامتحانات.
ــ أن ينظم أوقات المراجعة والالتزام التام بأوقاتها وأوقات الراحة والنوم والأكل..
ــ أثناء المراجعة لا يفكر الطالب كثيرا في نتيجة الامتحان لكن لابد أن يركز على إتقان المراجعة وبالتالي سيخفف قلق الامتحان وستخف صعوبة المواد..
ــ عدم الدخول إلى الامتحان عن خوف لأن ذلك يساهم في عدم التركيز وعدم استحضار واسترجاع المعلومات المحفوظة في الذاكرة بسب الانفعال والاضطراب والارتباك..
ــ الابتعاد عن السرعة بل أن يعتمد أسلوب التريث والمهل والتركيز أثناء التعامل مع مواد الامتحانات.والتأكد من فهم السؤال.
ــ عدم الدخول إلى الامتحانات بنية الغش لأن ذلك يضاعف من الخوف، ويصرف التفكير كله في طرق الغش و يوزع الممتحن اهتمامه بين ما هو مطلوب وبين الأطراف المحيطة به وبالتالي تشتيت قدراته ومؤهلاته.
يقال أن الدخول إلى الامتحان بعقل سليم وبنصف المعلومات خير من الدخول إليه بمعلومات وافية وعقل كلل مرهق ومتعب.
ــ إن الإسراع في الإجابة والخروج بسرعة رغم وجود وقت كافي للمراجعة للعمل المنجز عمل مرفوض وغير صحي.
ـ إن أي كاتب عندما يكتب كتابة فإنما يقرأها انطلاقا مما هو راسخ في ذهنه و ليس ما في ورقته. ولكن عندما نقرأ كتابة لغيرنا نقرأ ما في الورقة فقط لأن ذهننا خال مما في الورقة.
وأخيرا لا يمكن أن نلقي اللوم على المراقب أو المصحح لأن المصحح / الأستاذ والإداري والدولة ليس في مصلحتهم أن يرسب الممتحن لان لذلك تبعات ومكلفا ماديا ومعنويا.