بقلم : الخضير قدوري
طلعت علينا قناة نوميديا الجزائرية في برنامجها “مقابلة خاصة “مع احد أعضاء حزب جبهة التحرير وهو السيد بوقطاية المكلف من طرف هذه الأخيرة بمهمة لدى ما يسمى الجمهورية الصحراوية وهو صاحب المقولة الشهيرة ” الماء لن يصير حليبا والمغرب لن يصير حبيبا “هذه المقولة التي تكشف عن مدى توغل جذور الحقد والعداوة في أعماقه وفي أغوار جبهته ضد المغرب والشعب المغربي
1ـ قد تفوه السيد بوقطاية بكلمات فرضت على أجيال ما بعد استقلال بلدان المغرب العربي المتطلعة إلى مستقبل واعد أن تحاسب عليها صناع تاريخها المشترك ذلك حينما قال بان الجزائر كان لها الفضل والدور الفعال في استقلال المغرب وتونس وبان الشعب الجزائري في شخص المتكلم باسمه قد كان له الفضل في مساعدة الشعبين من اجل تحريرهما من ربقة الاستعمار الفرنسي
لاشك أن هذه التصريحات قد أثارت عدة تساؤلات ستجعل هذه الأجيال تفتحص تاريخ بلديهما فيما إذا كانا قد حصلا على استقلاليهما قبل أو بعد استقلال الجزائر ومتى كان شعب هذا البلد وجيشه وسياسييه وزعمائه حينئذ متفرغين لمساعدة الشعب التونسي والمغربي في حين يرى هذان الأخيران أن بلديهما كانا يشكلان قاعدة خلفية للثوار الجزائريين وشعبيهما قد قدما مساعدة فعالة للشعب الجزائري في إطار ما يفرضه واجب الأخوة والإنسانية والروح الوطنية دون منة ولا افتخار حيث أصبحنا اليوم أمام تصريحات السيد بوقطاية من المفروض علينا معاودة كتابة هذا التاريخ المشكوك في مصداقيته من طرف مكذبين لحقائقه ومصدقين لمزاعم بوقطاية الذي يريد بتصريحه ضرب عرض الحائط بكل هذه الحقائق وإنكاره لخير وجميل هذين البلدين والشعبين أو كما يقال ” هذا ما طحنت طحونته ” وهو لا يدري أن هذا التضليل قد يحجب كل هذه الحقائق عن أجيالنا ويؤثر تأثيرا خطيرا على مستقبل ناشئتنا ولا نراه يشرف الشعوب المغاربية التي لا تتنكر لهذه الأواصر والروابط الوثيقة التي مازالت تشدها لبعضها قبل أن ينقرض حكماؤها وعقلاؤها ومثقفوها الذين قيدتهم المحن في سلسلة واحدة
2ـ وأما بخصوص قضية الصحراء قال بان محكمة العدل الدولية قد حكمت بعدم مغربيتها من اجل ذلك أسست الأمم المتحدة عدم اعترافها بحق المغرب فيها في حين يقول المغرب بان حكم هذه المحكمة قد اقر بعكس ما ورد في هذا التصريح فمن ذا الذي يكذب على محكمة العدل الدولية وينقل للرأي العام والأجيال المغاربية أقوالا مغلوطة وكاذبة في هذه الحالة نتمنى لو يوافينا السيد بوقطاية بما يفيد أو يفند حتى نقتنع بحجته ودليله وصدق مقاله
3ـ ثم يتهم المغرب بالتشويش على الجزائر في قضية ليبيا ومالي وبعد ذلك يصرح بما صرح به مثله الأعلى بان الجزائر لها ارض شاسعة وليس لها مطامع في الصحراء المغربية ولا ترغب في التوسع ولكن ما باله وبالهم بالصحراء الشرقية التي تعتبر مربط الفرس وبسببها تمارس الجزائر كل هذه الاستفزازات ضد المغرب ولا تفوتها فرصة أي لقاء دون معاكسته وإلقائها بقشر الموز تحت قدميه وإذا كانت صادقة فيما تدعيه لم لا تقبل التفاوض من اجل تسوية هذه الأوضاع التي تعتبر الأصل لكل الخلافات البينية
4ـ إذا كانت سياسة بلد السيد بوقطاية تريد أن تحقق حلمها بالزعامة وترغب في توسعها السياسي وتهدف إلى أن تكون بوابة المغرب العربي وإفريقيا والوطن العربي ككل والوحيدة من ينبغي لها أن تسمح بالمرور لمن تشاء وتمنع من تشاء وتمارس الحجر على شعوب هذه الدول مجتمعة حلم طالما راود من قبل فكر زعيم الجمهورية العظمى في فرض نفسه كإمبراطور على فقراء شعوب إفريقيا لكن هذا لا يمنع الشعوب المغاربية من مشاطرة عباقرة جارتنا الرأي إذا كانت تريد بذلك أن تصنع من هذه الدول كتلة واحدة غير قابلة للتفتيت ومن شعوبها شعبا واحدا غير قابل للتشتيت وقوة رادعة في مواجهة كل التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الغربية والشرقية أما إذا كانت لا تريد بذلك سوى الزعامة من اجل الزعامة والتسلط والقيادة وتحبذ الإمارة ولو على الحجارة فشعوب هذه الدول قلما تنقاد لضعفاء النفوس والروح وعشاق هذا النوع من زعامة الديوك كما أنها لا ترضى ولا تقبل بالحجر على حريتها واستقلالها ولا بثقافة الاستعمار ألاديولوجي الذي يريد أن يمارسه النظام الجزائري ويفرضه من اجل تفتيت هذه الدول وتقسيمها إلى دويلات ليصنع منها فدرالية يتربع على عرشها كان الأجدر به خاصة وبأمثاله وكل من يسبحون في فلكه أن يعملوا على توفير الاكتفاء الذاتي لشعوبهم علما أن متطلبات الشعوب أصبحت متعددة لا تنحصر في لقمة وجرعة وإنما ما تفرضه العولمة أصبح أكثر من ذلك كالسكن اللائق والشغل المحترم والصحة والتعليم ثم الزوج والسيارة ناهيك عن التجهيزات الاليكترونية التي أصبحت من الضروريات ربما تكون قلة هذه الشعوب حائلة دون تحقيق هذه المتطلبات سببا في اندلاع الثورات الشعبية التي يصفها السيد بوقطاية بالفاشلة رغم أنها قد أطاحت بأنظمتها وستبني على أنقاضها أنظمة حقيقية وتفرز نخبة حاكمة حكيمة
5ـ ثم يعرج السيد بوقطاية على كونه وفق مبادئه السامية الساهر الأمين على حقوق الشعوب في تقرير مصائرها ومحارب الاستعمار في العالم وبخاصة ما يسميه الاستعمار المغربي للشعب الصحراوي إذا كان السيد بوقطاية وبلده وحزبه كذلك فمتى كانوا يحاربون ولو معنويا إلى جانب المغرب من اجل استرجاع مدنه الشمالية المحتلة من طرف المستعمر الاسباني وان كان المغرب ليس في حاجة إلى ذلك أكثر ما هو في حاجة إلى حيادهم وعدم تدخلهم في شئونه الداخلية فان لم تكن الصحراء أرضا مغربية محتلة من طرف اسبانيا في نظر ساسة هذا البلد فهل يعتبر السيد بوقطاية أن مدينة سبتة ومليلية وجزيرة ليلى وغيرها أراض ليست مغربية ولا هي محتلة من طرف الاستعمار الاسباني وهل يستطيع السيد بوقطاية أن يقر بذلك فيعز أو يهان لدى الرأي العام العربي والعالمي وهل يستطيع السيد بوقطاية في إطار شعاره ومبدئه تحرير شعب هذه المدن ويدافع عن تقرير مصيره على غرار الشعب الصحراوي أم كان يتربص الفرصة التي يتمكن المغرب من مطالبتها عله يستقطب مجموعة من المرتزقة فيسميها شعب جمهورية مليلة أو سبتة أو غيرها العربية الديمقراطية الاشتراكية الشعبية العظمى أو الكبرى وهذه المصطلحات متوفرة في قاموس الأنظمة البالية
6ـ ثم يختم مقابلته برأيه في الربيع العربي الذي يعتبره مؤامرة ضد الشعوب العربية ويصفه بالثورات الفاشلة الغرض منها في نظره تفجير الوطن العربي وما هي إلا ثمرة مؤامرة غربية و اسرائلية ضد الشعوب العربية كان الهدف منها تفتيت وحدتها وقد يبدو السيد بوقطاية هذه المرة كأنه شخصية قومية يرفض بحماس تفتيت الوحدة العربية يرغب بقوة في تكتل هذه الشعوب لمواجهة عدوها الغربي والاسرائلي وفي قراءة أخرى يبدو السيد بوقطاية كأنه يريد بالقول إظهار نصف الحقيقة ويحاول إخفاء نصفها الأخر دون أن يفطن إلى أن أقواله قد تتناقض جملة وتفصيلا مع مبدئه المناهض لوحدة الشعب المغربي والمشجع على تفتيت وحدة أراضيه وتشتيت شمل شعبه
4ـ وبالتالي يشيد بجبهته كونها الحزب الوحيد الذي يسعى في مصلحة الجزائر ويرى سياسته هي الرشيدة ورأيه هو السديد والحكيم الذي ينبغي أن تحتذي به سائر الدول وأما غيره من أحزاب المعارضة فهم مجرد تلاميذ لا يهدفون سوى إلى خلق البلبلة في البلاد وبعث الشقاق بين فئات الشعب الجزائري الذي ينعم في نظره بنعمة الديمقراطية والحرية والاستقرار نتمنى للشعب الجزائري الشقيق دوام هذه النعمة إن كان راضيا عليها وهو أدرى من غيره بمصالحه
وفي التالي قد يستنتج المتتبع لما ورد في مداخلة السيد بوقطاية من خلال أرائه المتناقضة وكلماته الارتجالية حقده الدفين على المغرب وعداءه البين للشعب المغربي هذه الخلل التي يستمدها من أعماق المؤسسة العسكرية المتحكمة في دواليب جبهة التحرير التي تتحكم بدورها في دواليب النظام وتستبد بالحكم في الجزائر
نرى كل تعليق على هذا الحدث قد يجرنا إلى الاحتكام لتاريخ البلدين والشعبين والذي ولاشك سيجعل تصريحات السيد بوقطاية التي تفوح منها روائح العنصرية وينبعث منها الحقد والكراهية أمر سيجعل البلدان والشعبان يتوغلان بالبحث في أعماق هذا الأخير وأمثاله ممن يمثلون السياسة والفكر والثقافة وهو ابعد ما يكون منها عن الأسباب والمسببات الحقيقية التي أدت بحدتها إلى دفعه لهذا الشنآن الذي جعله يجزم بالقطع عودة المحبة لقلوب الشعبين ويجزم بالقطع بناء صرح المغربين على قاعدة صلبة في ظل ما يكنه ويعبر عنه بفصيح لسانه كرجل سياسي ولا أقول مثقفا وشتان مابين مثقف سياسي وسياسي مثقف مقتنع باستحالة تحويل الماء إلى حليب ومؤمن باستحالة تحويل المغرب إلى حبيب وتجنبا للنبش في هذه الأسباب التي يعرفها السيد بوقطاية ويطلع عليها من داخل جبهته ومؤسسته العسكرية اكتفينا بالرد في حدود الفقرات الواردة في تصريحاته
ونحن بدورنا في هذه الحالة وفي ضوء ما صرح به قد نجزم بالقطع أن وحدة الشعوب العربية والمغرب العربي على الخصوص لن تتم مادام أمثال هؤلاء السياسيين يوقفون العربة أمام الحصان وبأن هذه الشعوب لن تنهض من مباركها مادام أمثال هؤلاء السياسيين يتمسكون بزمام الأمور لغايات في أنفسهم ولن تتحقق وحدة عربية ولا مغاربية أو يعود الحب والتواصل بين هذه الشعوب ما لم يعود الاستعمار ويعيد النظر في تركيبة من يرغبون في الاستقلال وان لا يسلم الأرض إلا إذا ترسخت في أذهان هذه الشعوب الإرادة في الحياة والرغبة في الاستجابة للقدر على غرار شعب الشابي البطل وكما سبق الإشارة إليه في تعليقنا السابق إن التلاحم بين الشعبين في ضل هذا العداء أصبح مستبعدا والتقارب بين البلدين بات أمرا مستحيلا ما لم ينقلب النظامان إلى جمهوريان أو ملكيان لكن رغم ذلك سيبقى من المستحيل أن يتحول الماء إلى حليب ومن المستبعد أن يتحول المغرب إلى حبيب