بقلم : الخضير قدوري 

الخضير قدوري

 

    انه  لم يمر يوم أو أسبوع دون أن نسمع بانتحار رجل امن ، أو بخبر قتله لزوجه أو أبنائه أو ارتكابه جريمة ضد أصوله وأصدقائه . ظاهرة غريبة وخطيرة في نفس الوقت، كان من المفروض على المسئولين في هذه الإدارة أن يفتحوا تحقيقا معمقا حول الأسباب والمسببات الداعية إلى استفحال الظاهرة  ، والعمل على الإسراع في الحيلولة دون مزيد من هذه الممارسات والدوافع التي تتكتم عنها إدارة هذا الجهاز، تاركة المجال قابلا لكل التأويلات والاحتمالات الممكنة ، والأبواب مفتوحة على مصراعيها في وجه المحللين والمفسرين لأسباب الظاهرة ، التي ذهب بعضهم إلى رد أسبابها إلى كبت وهستيريا ناجمة عن ظروف عمل غير ملائمة  ، في حين ذهب البعض الأخر إلى رد هذه  الأسباب  للاكتئاب الناجم عن تأثيرات نفسية تحت الضغوطات  الإدارية .

     إن ما يقدم عليه رجال الأمن في بلدنا لا يطمئن راحة السكان والمواطنين بصفة عامة ، الذين كان من المفروض عليهم أن يهرعوا إلى رجل الأمن في حال أي خطر يداهم حياتهم في أي مكان ، فإذا برجل الأمن من خلال ما يقوم به اليوم كأنه يكشف للرأي العام عن الوجه الأخر لهذا الرجل ويبين عدم رضاه عن وضعه الذي جعله في موقف ضعف أمام تحديات الظروف المحيطة به ، كرجل امن لا يملك له من الأمن إلا الخوف من شيء ما ، وإلا فكيف يمكن لرجل امن أن يحمي من يحتمي به وهو متمنطق بسلاح ناري وعصا وقيد وسيارات خفيفة ودراجات نارية إلا أن يكون ضعيفا وجبانا ومتهاونا في أداء واجبه وكل ذلك لم يعصمه من الخطر الذي يحدق به فيسمح له باستعمال هذه الأدوات ولو لحماية نفسه وبالأحرى إغاثة  المواطن المعتدى عليه من طرف الغير أمام عينيه  كرجل امن لا يملك له حيلة ولا وسيلة من اجل نجدة من يستنجد به ، فيجده مقيدا بأوامر مسئوليه ، مكتوف الأيد  بحكم  قانون لا يسمح له بالتدخل إلا إذا سال الدم وزهقت الروح ، ليحرر بذلك محضرا يبقيه في حوزة آل الهالك  للذكرى والتاريخ ، انه تخاذل ليس ثم ما يبرره  ، إلا  أن يكون هناك خلل يعانيه جهاز الأمن في هذا البلد وأحيانا قد لا يخفى على احد تماطل رجاله  في أداء ما أنيط  بهم كرجال امن على غرار رجال الإطفاء والإغاثة   .

    فلم لا يكون ذلك من الأسباب الداعية إلى ارتكاب رجال الأمن هذه الجرائم في حق أنفسهم وذويهم ، كردة فعل ضد الإدارة التي تكبح جماحهم وتعطلهم عن أداء واجبهم ، وكرسالة تدعو هذه الإدارة إلى إعادة  النظر في قوانينها الداخلية التي من المفروض أن تعيد لرجل الأمن كرامته داخل الإدارة ، وهيبته في الشارع ، وتسمح له باستعمال الآليات والأدوات التي تمكنه من  ممارسة مهامه كرجل امن من واجبه  أن يحافظ  على سلامة المواطن الذي يستنجد به ويهرع إليه كلما أحس بخطر يتهدده في شخصه وماله وولده ، وحتى يحظى بالاحترام اللائق والمكانة المرموقة التي تقربه من المواطنين . ومن حق مسئوليه أن يحاسبوه على التقصير في أدائه لهذا الواجب المنوط به كرجل امن موكول إليه  محاربة الإجرام بأنواعه وألوانه وأشكاله  حريص على استتباب الأمن واستقرار النظام العام ومن واجبهم أيضا أن يكرموه ويحفزوه ثم يشجعوه على الاستمرار في حسن ألأداء وجميل العطاء .

      كمواطنين نتمنى مخلصين أن لا يقتصر دور رجل الأمن على تنظيم السير وتسجيل المخالفات ، وسحب رخص السياقة ومراقبة الرادارات ، وتحرير المحاضر وفق تعليمات النيابة العامة ، حتى لا يصير رجل الأمن في نظر المواطنين عدوهم الذي جاء فقط من اجل أن يضربهم ولا ينفع ، فيتطيرون بوجوده وتواجده وقلما يشيرون إليه بأصبع الخير، كمن قيل عنهم قديما ” إذا ألقى إليك رجل الأمن تحية  فكأنما أبلغك دعوى المبيت بمخفر الشرطة وإذا صافحك فكأنما يتحسس موضع القيد على معصمك ” نتمنى أن يكون رجل أمن اليوم غيره بالأمس رجل امن بما لهذه الكلمة من معنى حقيقي ، متواجد في كل مكان وزمان ، اقرب من المواطنين من مسدسه وعصاه على جنبيه ، وان يشعرهم بتواجده حماية لأمنهم وضمانا لسلامتهم  ودفعا للخطر عنهم وليس العكس ، وإلا سيبقى دور رجل الأمن محصورا في دائرة ضيقة  غير ذي معنى ولا فائدة في نظر العامة ، في هذه الحالة سيصبح هذا البلد في غياب الأمن كما هو اليوم عرضة للفوضى والتسيب .