بقلم : الخضير قدوري 

الخضير قدوري

 

بعد أكثر من عقد من الزمان توصل الأستاذ بودرار إلى قناعته وعلم بان الرشوة باعتبارها أفة متوغلة في المجتمع المغربي  لا يمكن القضاء عليها مبررا ذلك بعدم إيجاد أي نص قانوني يجرم الرشوة كسلوك مشين ينمي الفساد ويضرب الأخلاق في الصميم ويعلق على جبين الدولة وصم العار سلوك اجمع على رفضه كل من الشرع الإسلامي والعرف المغربي والعربي و الأوروبي بشكل عام فلما كانت الرشوة حقا جريمة بإجماع كل هذه الأعراف فلماذا يتغافل المشرع المغربي عن استصدار النص القانوني الذي يعاقب المرتشي بالسرعة التي استصدر بها النص القانوني بخصوص  الإرهاب وإذا كانت فسادا فلماذا  يتهاون المشرع المغربي في استصدار نص قانوني صريح باعتباره جريمة ليست بمفهومها الذي يستحق عقابا يطعن فيه  بالعفو عما سلف وما خلف.

      إلى متى تبقى الرشوة جريمة ويبقى الفساد جريمة ويبقى المتستر عنهما مجرما مادامت اللعنة واجبة في حق الراشي والمرتشي والماشي بينهما دون أن يحرك أثارهما ضمير المشرع المغربي و أي مبرر يمكنه إلغاء هذه الصفات عن المفسدين والأدهى من ذلك أن يعاقب القانون بعدم حماية الفاضح والمبلغ وربما متابعته في حال عدم الإثبات بما يسمى الوشاية الكاذبة وردعه حتى لا يعود لمثل ذلك وعليه أن يصمت عما سمع ورأى كمن يشاهد سارقا يضع يده في جيب مواطن وهو لا يقدر على فضحه خوفا على نفسه من انتقام السارق الذي يومئ إليه بسكينه وإلا فلم لا يقول السيد بودرار بصريح العبارة بان هناك حماة لهؤلاء المرتشين والمفسدين فإذا كانت الرشوة جريمة والفساد سرقة  لماذا تتردد الحكومة المصلحة وهي تلوح بشعاراتها لمحاربة الفساد في صياغة نص قانوني تقدمه إلى ممثلي الأمة من اجل التصويت عليه دون قيد أو شرط  وإلا كان كل من سيصوت ضده يعتبر من أنصار الفساد والمفسدين  في البلاد .

    علما أنها لا تستطيع ذلك ولا يمكنها صياغة أي نص قانوني يحاكم هؤلاء المجرمين بعقوبة لا تقل عن الإعدام وإلا فان أية عقوبة ستكون اخف بالنسبة لمن يسرق مليارا فيعاقب بأداء غرامة لا تتجاوز بعض الدراهم أو قضاء بعض الأيام في سجن أشبه بفندق من خمس نجوم بما يعادل ملايين الدراهم كتعويض مقابل كل يوم بعيدا عن زوجته .

     قد يكون من السهل جدا القضاء على جريمة الرشوة وجرائم الفساد بأشكالها وألوانها وأنواعها يا سيدي بودرار في ظرف لا يتجاوز بعض الأيام أو بعض الساعات لو كان هناك قانون يقضي بإعدام هؤلاء المجرمين الصغار والكبار ومن قطاع الطرق إلى قطاع الأرزاق من موظفين بسطاء إلى ناهبي المال العام من مدراء ووزراء .

   فإذا كان الملك الحسن الثاني رحمه الله قد استطاع مابين عشية وضحاها وضع حد لنوع من الجرائم والفساد السياسي في بداية عهده ذلك عندما اقبل على إعدام عشرات المفسدين وإلا ما كان  سيغمض له جفن ولا كان المغرب سيشهد هذا الاستقرار لقد استطاع الحسن الثاني أن يضحي بعشرات العسكريين وأمثالهم من المدنيين لو كان ذلك يسري على المفسدين في المجال الاقتصادي لما كانوا ينهبون خزينة الدولة ويهربون هذه الملايير إلى بنوك دول أخرى  لو طرح الأمر إلى استفتاء الشعب ما كنت أظن هناك من سيصوت لفائدتهم ولو كانوا من اقرب الناس إليهم إلا أن يكون أمثالهم ممن يستحقون الحكم  بالإعدام رجما في ساحات عمومية قسما ما ظهر بعدهم مفسدا أخر مادام التاريخ يحفظ  ذكرهم ومادامت ذاكرة الشعب تردد أخبارهم ولما تصبح العقوبة بالسجن إجازة يقضيها الفائز في فندق من خمسة نجوم وأياما يعوض عنها بما قد يفوق اجر ملك البلاد وربما وفي غالب الأحيان قد يرتقي درجات السلم حتى يصبح متربعا على  قمة الفساد  فلم لا يسعى كل من سنحت له الظروف أن يقتنص هذه الفرصة ويرتقي إلى اعلي ألمراقي وبعده الطوفان .

    كم من موظف بسيط على قد حاله ارتشى درهما فزج به في السجن أو حكم عليه بالطرد لا لشيء إلا انه لم يحظ  على رئيسه ولم ينعم على رفاقه ولم يقتسم مع جيرانه وكم من مقاول ومدير ووزير استحوذ على صفقة بملايين الدراهم فعفا الله عما سلف عنه وربما ارتقى من منصب إلى أخر أفضل بكثير كأقصى ما يجب في حقه من العقاب ومنهم من تولت وسائل الإعلام الرسمية خبره كتغطية على ثقل جرائمه وفساده والتستر على فضائحه .

    لا يا سيد بودرار مازال هناك دواء ناجع لآفة الرشوة والفساد لولا غياب الإرادة في التغيير وضعف الإيمان بالله واليوم الأخير والروح الوطنية وانعدام الضمير ومازال في هذا البلد مفسدون متأصلون حقا حتى توغلت جذورهم في البلد قد لا يقتلعها سوى الرصاص وحبال المشانق والرجم بالحجارة في الساحات العمومية ليشهد عقابهم هذا الشعب المغلوب .