بقلم : نورالدين زاوش
مما لا أنساه، لقاء حضرتُه للسيد منير الركراكي وهو يعقده مع الطلبة، بجامعة محمد الأول بوجدة، قال فيه: دخلتُ يوما على الشيخ ياسين، فقال لي: قل شعرا، فقلتُ: ما أنا بشاعر، فأعادها عليّ الشيخ ثانية: قل شعرا، فكرّرتُ: ما أنا بشاعر، فأعادها عليّ الثالثة، حتى أطلق الله تعالى لساني للشعر فأصبحت شاعرا.
هكذا بدأت قصة السيد منير، عضو مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان، مع الشعر، مثلما بدأت قصة نزول الوحي، فلولا أن كُشف الغيب لشيخه لما فُكت عقدة لسانه، ولما أصدر ديوان شعره: “نور من لهب في ربيع العرب”، وقد أصدر أيضا السيد منير كتابا تحت عنوان: “الصُّحبة مفتاح”، عرفانا بجميل شيخه وبفضائله، وإيمانا منه بأن الصحبة وحدها هي من تحل المُغلق، وتيسر الصعب، وهذا ما حباه لأن يستهل كتابه الأخير هذا، بكلام ظنه من كلام النبوة، وهو في حقيقة الأمر من كلام أنس بن مالك:»إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ مَفَاتِيحُ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جُعِلَ مَفَاتِيحُ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ«.
إن صحبة السيد منير الركراكي للشيخ ياسين ما زالت تُفَتِّق في قلمه ينابيع الإبداع، ومازالت تُجري على لسانه دُرر الموعظة والحكمة، منذ محاضرته التاريخية تحت عنوان: “وقاية الإنسان من وساوس النفس والشيطان”، في آخر مخيم أقامته جماعة العدل والإحسان بسيدي أبو النعائم بأزمور سنة 1991م، حيث قال فيها بأن الشيطان يدخل إلى الإنسان من أماكنه المظلمة، كالأنف والأذن والدُّبر، وقال أيضا بأن الحكمة مِن حَلْق رأس الصبي عند ولادته، أنه إذا أصابته العين فإنها تنزلق.
لم يدع السيد منير صِنفا من الشطحات إلا وخاض فيه، ولا ضربا من عجائب القول وغرائبه إلا وكان له منه نصيب، حتى بلغ به المبلغ لأن يدّعي، في فيديو مصور، بأن جارية صلّت مخمورة صلاة الصبح بالصحابة رضوان الله عليهم.
ويطلع علينا السيد منير الركراكي هذه الأيام بكتاب جديد يؤثث به مشهد “الدعوة” تحت عنوان: “الدعوة إلى الله تعالى همّ ووعي، إرادة وسعي” بتقديم صديقه المهندس أبو بكر بن الصديق الذي قال عن صاحبه الركراكي في الصفحة السابعة: “الأستاذ الجليل والداعية الأصيل، شاعر الجماعة وحسّانها– يقصد حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم – حباه الله من رقة في المشاعر وعلم ورثه من صحبة الأكابر، مضافا إليها سلامة الجنان وفصاحة اللسان وقلم لا يعوزه السيلان.”
حينما ترى جماعتك بأنها تمثل الرعيل الأول في هذا الزمان بدون منازع، وترى شيخها بأنه مجدد القرن بدون شك أو جدال، وترى مِنْهَاجه الذي خطَّه بيمينه على أنه المنهاج النبوي، وليس مجرد منهاج كاتبه، من البديهي أن ترى أن شاعر الجماعة هو حسّانها وابن ثابتها، ومن الطبيعي أن ترى لسانه أفصح لسان، ومشاعره أرق المشاعر.
إننا أمام حالات من الفوضى الفكرية والثقافية والشرعية، يَعْسُر استقصاؤها فضلا عن تحديد ماهيتها أو بيان عُوارها، مادامها تعتمد على منهج أحادي القطب، لا يلتفت إلى رأي الآخر ولا يعترف به، فلا يُقر إلا بما أَقَرَّ به مرشده، ولا يطمئن إلا لما اطمأن إليه شيخه، سواء أكان هذا الشيخ حيا أو ميتا.