بقلم : عزالدين قدوري
تعيش مدينة تاوريرت بين صراخ وأنين، بين معاناة من يعيشون على هامش الحياة، وبين أولئك الذين اعتادوا على الترف، فبينما تجوب فئة من الأغنياء معارض تجارية وفنية، يكدح الفقراء للحصول على لقمة العيش.
في زمن مضى، كانت هناك أسرة بسيطة تعيش في حي شعبي بتاوريرت، مكونة من الأب “سعيد” الذي يعمل في بناء الطرقات، والأم “فاطمة” التي تعمل في المنازل، وأربعة أطفال يتعلمون في مدرسة محلية. و رغم أن الحياة كانت قاسية عليهم، إلا أن العائلة كانت تتمسك بالأمل في مستقبل أفضل، لكن ذلك الأمل بدأ يتبدد شيئا فشيئا.
ذات يوم، عاد سعيد إلى منزله متأخرا وهو مثقل بالأعباء، فقد كان يعمل طوال اليوم تحت الشمس الحارقة في مشروع بناء لم يكن لديه أمل في إتمامه. وفي تلك الليلة، تحدث مع زوجته فاطمة عن صعوبة الحياة وعن المجهول الذي ينتظرهم في الغد. نظر سعيد إلى أولاده وهم نائمون في غرفتهم البسيطة، على أمل أن يستيقظوا في يومٍ أفضل، لكنه لم يكن متأكدا من أن ذلك اليوم سيأتي.
في الجانب الآخر من مدينة تاوريرت، كان “حسن” أحد رجال الأعمال المعروفين بتاوريرت، يزور أحد المعارض التجارية التي تروج للمنتجات الفاخرة. كانت الأضواء تملأ المكان، والصوت يعكس صور النفاق الاجتماعي، بينما كانت الابتسامات تتبادل بين الزوار. الجميع هنا يتباهى بأحدث صيحات الموضة، ويبحث عن الاستثمارات الأكثر ربحا. كان حسن يشتري لوحات لا تجسد أي ملمح لمعنى الفن، وقام بمقابلة بعض الشخصيات البارزة في المجتمع.
وبينما كان حسن يتنقل بين الأروقة اللامعة للمركز التجاري، يبث مقاطعه المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، كان سعيد وفاطمة يتحدثان عن كيف سيحصلون على ما يكفي من الطعام لهذا اليوم، وكيف سيستطيعون إرسال أطفالهم إلى المدرسة في الأسبوع المقبل.
هكذا تبدو الحياة في تاوريرت، فئة تعيش في الترف والفخامة، تلهو في معارض تجارية و فنية بين قوسين، وأخرى تسعى بكل جهدها لتأمين أساسيات الحياة.. الحياة غير عادلة، والفجوة بين الفقراء والأغنياء تتسع يوما بعد يوم. فبينما يعكف البعض على جمع المال وتحقيق طموحات شخصية، يكافح الآخرون فقط للبقاء على قيد الحياة.
وقد قال المفكر الفرنسي جان بول سارتر: ” الحرمان ليس فقط قلة المال، بل هو أيضا غياب الأمل”. هذه المقولة تتجسد بوضوح في حياة الفقراء في تاوريرت، حيث لا يقتصر الحرمان على مجرد نقص في المال، بل يتعداه إلى غياب الأمل في تحسن الأوضاع. في حين يعيش الأغنياء في عالم آخر مليء بالفرص، حيث تتفتح أمامهم آفاق لا حصر لها من النجاح والرفاهية، يجد الفقراء أنفسهم أسرى لدوامة لا تنتهي من العمل الشاق والقلق على المستقبل.
إن تلك الفجوة الاجتماعية لا تقتصر على الجانب المادي فقط، بل تشمل أيضا الفجوة الثقافية. فبينما يذهب الأغنياء إلى المعارض الفنية بين قوسين والمهرجانات اللا ثقافية التي لا تعكس تطور الفكر والفن، نجد الفقراء في تاوريرت يفتقرون إلى أبسط وسائل الثقافة والتعليم. لقد أصبح الإبداع في هذه المدينة مقتصرا على أولئك الذين يملكون القدرة على الوصول إلى مثل هذه الفعاليات عبر أي سلم كان، بينما يظل أبناء الطبقات الفقيرة البسيطة في معزل عن هذه التجارب.
إن الصرخات التي تسمع في أزقة تاوريرت هي صرخات من يواجهون صعوبة العيش، بينما في المقابل لا تجد تلك الصرخات أي صدى في الأماكن التي يرتادها الأغنياء. هؤلاء الذين يتنقلون بين معارض الفن بين قوسين، ويغرقون في رفاهية لا يعلمون عنها شيئا. وإذا كانت هذه الفجوة غير مرئية للبعض، فهي حية و واقعية بالنسبة لأولئك الذين يخرجون كل يوم من أجل كسب قوتهم في ظروف صعبة.
من المهم أن نتساءل:
إلى متى سيظل الضعفاء في تاوريرت يعيشون في الظل؟
إلى متى ستظل المدينة تجسد هذه الصورة المأساوية بين فئات المجتمع؟
ربما يجب على المجتمع المحلي والسلطات و المنتخبين أن يضعوا حلولا حقيقية من أجل تقليص الفجوة بين الرفاهية التي يتمتع بها البعض، وبين الفقر الذي يعاني منه الآخرون.
إن الحل يكمن في تكاتف الجهود لبناء مدينة تكون لجميع أبنائها، حيث لا مكان فيها للظلم أو التهميش. فلربما في يوم ما، تفتح أبواب الأمل لأولئك الذين يصرخون في صمت، ويتمكنون من بناء حياة أفضل لهم ولأبنائهم.