بقلم : الخضير قدوري
أكثر من ستين سنة من التريث ومن محاولات إرضاء الجار، أكثر من ستين سنة من الحرب على مختلف الجبهات مع الجار، أكثر من ستين سنة في انتظار قناعة الجار بالعود عن الغي إلى الرشد ونبذه سفاسف الأفكار، أكثر من ستين سنة من التذلل للجار، ومن التسامح والترفع عن تصرفاته الحاقدة وممارساته الغير مسئولة، التي لا ترقى إلى رقي الإنسان الحكيم .وراء كل هذا فإلى متى سيبقى الجار الأخر متحكما في الأعصاب، ملتزما موقف الدفاع ، سيبقى السؤال في شموليته حول ماذا يريد الجار من جاره ، أ ليرحل عن داره أم يرحل بداره فذاك أمر يأباه العقل ، أم تراه يريد تحويل بابه وذاك لاختياره وليس فرضا مفروضا لكن بودي كواحد من ساكنة الدار أفضل ألف مرة تحويل باب الدار عن جهة جار لم نأمن شره ، ونرغب في تحاشينا لمكره منذ أكثر من ستين سنة ،علما منا بان الأجيال القادمة قد لا تحتمل هذه الممارسات لساعة ،ولا تملك الصبر عليها لدقيقة، فهل كان الجار يجد في شرذمة مارقة لا يرقى عدد أفرادها إلى عدد أفراد جمعية، أو نقابة وبالأحرى حزبا من أحزابنا التي تجوب كل يوم شوارعنا في مظاهرات صاخبة مطالبة بحقوقها المدنية في ظل الحرية والديمقراطية .هل سيساند الجار حتى هذه الجمعيات والنقابات ويحرضها على بناء دويلات حول عاصمة الرباط ،او يرحلها إلى جواره ليصنع منها دويلات يقوم بتمويلها من عائداته البترولية . فخيرات الجزائر أولى بها أبناء الجزائر أفضل بكثير من استنفاذها في شراء الضمائر والذمم والأسلحة المتطورة، وإهدائها في شكل رشاوى وإكراميات من اجل شراء متاعب الجار واستنزافه اقتصاديا وإنهاكه سياسيا وشغله عن مواصلة التنمية وثنيه عن مواكبة التطور. إلى متى ستضل هذه الدار بساكنتها راضخة لاستفزازات الجار الذي لا يحترم حق الجوار، فيلقي إليها كلما سنحت له الظروف بالنار. إلى متى سيضل الجار لا يأمن شر الجار فان كان البحر من ورائنا والعدو أمامنا فلا ينبغي أن نولي هذا الأخير الأدبار وان كان الأول سيغرقنا والثانية تحرقنا فالغرق أولى وليس ثم من خيار.
لم يعد موقفنا المدافع يجدينا عندما يعكس في نظر الجار ضعفنا وخوفنا. فمن عرفنا فقد عرفنا ومن يريد أن يعرفنا فمن المفروض أن نعرفه بأنفسنا ،وقد قيل لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم .وإذا كان هناك من شوط لابد منه لحسم المشكل ووضع حد لهذه الحرب الباردة بين الجارين فلا مجال من التباطؤ، وترك الفرصة للجار العدو الذي يصرح علانية بان الماء لن يتحول إلى حليب، وجاره أبدا لن يتحول إلى حبيب .وهو يتربص به الفرصة السانحة ،فماذا يرجى إذن من بعد ذلك كله
لاشك في أن دور قواتنا المسلحة أصبح واردا، وما تمتلكه من أسلحة قد وضعتها منذ زمان لعلمها أن زمن الحرب قد ولى وسوف لن تقاتل بها عدوا قد ياتيها من الشمال أو الجنوب أو من وراء بحر المحيط ،ولكن من يدري إن كان هذا الخطر قد يتهددنا من الشرق ويحتم علينا الحسم ،ويفرض العزم فلا سبيل إلى مضيعة الوقت من اجل إزالة كل الأسباب الداعية إلى الحرب وعدم الاستقرار، ولتحاشي شر الجار واجتناب مكره فلا بد من البدء في العمل على ترسيم الحدود، وبناء السدود بين الجار والجار بعلو مئات الأمتار ومثلها سمكا فمخيمات الدولة اللقيطة التي يريد الجار بناءها يجب أن يرحلها عن مكانها، فسكان هذه المخيمات إذا كان لابد من عودتهم يوما إلى وطنهم وسيعودون لا محالة ،ولكن بتندوفهم ومخيماتهم ، وتلك ارض هي جزء لم يتجزأ من كله وبدونها سوف لن تقبل عودتهم ،إلا أن يدافعوا من اجل استرجاعها بأنفسهم وعلى حسابهم حينما يريدون أن يعودوا إلى رشدهم . ورحم الله من قال ” ولد الغير لا تربيه سيكبر ويرجع لأهله ” ذلك ما لم يرغب فيه الجار رغم علمه بأنه أمر لابد منه ،فان كنا نرضى بالأمر الواقع لظروفنا فأجيالنا القادمة سترفض هذا الواقع وتضل الصحراء الشرقية لا تختلف في جغرافيتها عن الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية .لا مجال إذن من تصدير الفتن وشغل الشعوب بتفاهات لم يصبح يخفيها ضباب الأوهام
لقد كنا شعبا يؤمن بحق الجوار، ويؤمن بالأخوة العربية والإسلامية والروابط العائلية ،ونطمح في ضل استقلالنا إلى رفع الحواجز وطمس الحدود والعيش بأمن وسلام كسائر الشعوب الواعية والمثقفة والخالية أفكارها من العصبية الجاهلية ونفوسها من الأنانية الملعونة ،وقلوبها من الأحقاد الدفينة ،فنحتكم إلى العقل السليم والضمير والحكمة والتبصر، فهل كان الاستعمار بنا رحيما ؟ ولكن حينما يصبح جارنا يهدد باسم شرذمة على العودة إلى حمل السلاح في وجه قواتنا التي وضعته منذ زمان علمت وأيقنت أن حمله في وجه الجار هو عار، و في وجه الأخ في العروبة والإسلام هو جهل مهما كان الانتصار. والمؤمن بمثوى القاتل والمقتول في النار، ولكن ليس على حساب شرف وكرامة أهل الدار، فمبدأنا يقضي بواجب الموت من اجل البلد والولد، والجهاد حق علينا من اجل الأرض والعرض، فان كنا ندافع عن حقنا فعمادا يدافع جارنا ،وبأي حق ينصب نفسه وكيلا عن غيره ويتدخل في شؤون جيرانه ،فان كانت الأرض قد أصبحت تضيق عن الكيانات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية في العالم ،فارض الجزائر باتت واسعة لاستيعابها واستضافتها وإيوائها