بقلم : عزالدين قدوري
الشيخ الطاعن في السن الذي التقيته على احد أرصفة الشارع كان محقا حين وضعني أمام الصورة الواقعية لمدينة تاوريرت حيث قال :
تاوريرت مدينة دخلت قاعة الإنعاش في عز شبابها ، فكان هذا تصوير مقتضب وجيز .. و فعلا هذا حالها و واقعها القاتم .. مدينة مشلولة الحركة على مختلف المستويات مدينة متواجدة في الواقع كاسم لكن دون أي حركة أو تفاعل مع قرارات البلاد سواء على المستوى العام أو المستوى الجهوي أو المستوى المحلي .
مند بداياتها كإقليم و هي تعيش حالة الانتظار عل أن يفد عليها سوبرمان – الرجل الخارق – الذي ينتشلها من بين أنياب الوحوش التي تكالبت عليها ، و كأن لم يكن لها في أي وقت قوى حية و قوى ذاتية تنهض بها أو تساهم بأمانة فتقف جنبا إلى جنب مع ذلك السوبرمان فتدعمه أو تقومه لأداء مهامه في النهوض بالمدينة . مما جعلها مدينة متواكلة لا مبادرات فيها تذكر ، فقط الاعتماد على الآخر هو الطابع السائد . و مصادر تنميتها و ثرواتها مجمدة و أهلها دائمي الشكوى من اقتصادها الضعيف ، مدينة تجسد بكل دقة المعنى الحقيقي لمقولة – الأغنياء يزدادون غنى ، و الفقراء يزدادون فقرا –
و أضاف الشيخ الطاعن في السن قائلا :
يا ولدى إن الغني في مدينة تاوريرت مثله مثل طفل في مرحلة الرضاعة ، إلا أن الفرق هو أن هذا الطفل الغني يعيش على مص دماء الفقراء و لا يكف عن البكاء و الصراخ طلبا للمزيد ، انه من فصيلة مصاصي الدماء ، ولا هدف له إلا أن يستنزف كل ما حوله … و المحيطين به من أزلامه أو الساكتين عنه ليسوا إلا أشخاصا متواكلين ، فهو يمدهم بنصيب قليل أو بفتات يجعلهم لا غنى لهم عنه ، إنها أزمة حقيقية جعلت الساكنة فقط تتابع بعيونها ما يجري على الساحة ، منتظرة النجدة و الإنقاذ..
و ستبقى مدينة تاوريرت كذلك ، غائبة عن الواقع ، ممدودة في قاعة الإنعاش بالكاد تتنفس إلى أن تشيخ و تخرج بعكازها بعد أن استنزفت جل ثرواتها و طاقاتها ، فيكون أنداك فقدانها لكل ذلك أيدانا بنهايتها و انهيارها ..
فإذا كانت الطاقات الحية بالمدينة لا زالت تتمتع بقليل من الجرأة و الإرادة فعليها أن تكف عن الكلام و إغراق صفحات التواصل الاجتماعي بالأقوال الحماسية و الاقتباسات … فالواقع المر لمدينة تاوريرت بات يطلب مبادرات فعلية لا قولية من أشخاص أهل فكر و تخطيط و عمل .. حينها يمكن أن نضئ شمعة الأمل و نقول أن القاطرة يمكن أن تقلع و تسير بالمدينة نحو التنمية
لكن للأسف و بكل صراحة .. لا أرى لهذا التفاؤل مقدمات و لا أتوسم من الممثلين السياسيين و المنتخبين إلا الشؤم و النزول بأوضاع المدينة إلى أدنى مستويات التنمية . و قد رأينا علامات لذلك فقد شلت حركة المدينة ، فلا بناء و لا ترميم على مستوى البنية التحتية و مشاريع جاهزة إلا أنها مجمدة و أخرى لم تتم أشغالها و لا يعلم مصيرها و مآلها .
كل هذا و المسؤولين على الشأن المحلي في غياب تام ، غير آبهين لما قد يثيره هذا الواقع .
إن الوضع القائم بات مثله مثل نار مسعرة تنمو أعمدة لهبها يوما بعد يوم ، و لا نعلم من سيتحمل عواقبها ، و إن الحكيم من يستبق الأحداث فيخمدها عوض النفخ فيها فيكون احد المكتوين بها ، فلا احد يعلم ما يخفيه مستقبل هذه المدينة الذي لا يزال في رحم الغيب.
فرغم كل ذلك يبقى الأمر الحتمي و المؤكد بالاعتماد عن ردود أفعال أهل مدينة تاوريرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر منصة لتفريغ الضغوط و التعبير عن مكنونات دواتهم فان الأمر لا يبشر بخير ، فلا احد يعلم متى ينفجر الضغط فيخرج من المواقع إلى الواقع .