ذ.عبد الله بوفيم- مدير صحيفة الوحدة
ابتلى الله المغرب البلد العريق في الحضارة والتاريخ والعلم والحكمة, بحكومات مقلدة لا تبدع ولا تفهم الإبداع.
حكومات لا تقبل أي فكرة وأي قانون وأي فكرة إلا ما طبق في دول أخرى سواء أعطى نتائج مفيدة أو لم يعطي أي نتيجة.
المهم في عرف الحكومات المغربية المتعاقبة هو أن يجد المقترح لفكرته مرجعا في الخارج يستند إليه وإلا فإن فكرته مرفوضة مسبقا وإن أصر على تطبيقها عزل أو سجن أو نفذت مع السعي لإفشالها وتحميله وزر فشل مقترحه.
والأمثلة طبعا فيما كتبت أعلاه معروفة لدى الجميع ومشهورة والكل يعرفها تقربا وآخرها أو أشهرها مدونة السير, لكني سأناقش مقترحات حل أزمة الماء في المغرب ومدى تطبيقها في دول العالم ونجاحها.
فكرة السدود طبقت وعبر التاريخ وانتهجها المغرب كسياسة عامة لحل أزمة الماء وحققت فوائد جد مهمة وكلفت ميزانية المغرب أموال طائلة كانت على حساب الجانب الاجتماعي للشعب المغرب.
كان المغفور له الحسن الثاني طيب الله تراه يشيد سدا كل سنة تقريبا وضمن للمغرب ماء الشرب وماء السقي وحاليا وبعد أن اهتم الشعب بالجانب الاجتماعي وكثرت المطالب الاجتماعية للشعب وقلت السيولة وقلت إمكانية بناء سدود أخرى, ومع تكدس الأوحال في السدود المشيدة وقلة الماء المحجوز فيها.
أصبح البحث عن حلول أخرى لضمان الماء للشعب المغربي ملحة وضرورية خاصة وبعد أن أصبحت المنظمات الدولية تنشر وتشهر بالمغرب كوطن سيعرف نقصا حادا في الماء وفي ذلك تأثير خطير على الاستثمار وعلى برنامج المغرب الأخضر الذي راهن عليه المغرب لجلب استثمارات كبيرة.
الحلول المتعارف عليها في العالم هي كالتالي:
1- البحيرات في جنبات الأودية وفي وسطها عبارة عن حفر شاسعة تسع الماء الكثير الذي يمكن أن يتسرب بعضه ليقوي الفرشة المائة.
البحيرات هذه يكلف حفرها ملايين الدراهم ويمكنها أن تملأ بالطمي والحجارة في سنوات محدودة, مع أن إمكانية تسريب الماء للفرشة المائية يمكن أن تكون مهمة بنسبة معينة.
2- مجموعة آبار تحفر في قلب الوادي قد يتسرب منها الماء وقد تملأ بالطمي حسب إمكانية تسرب الماء منها للفرشة المائية من عدمه وهذه كانت فكرتي سنة 2007 تقريبا ناقشتها مع مجموعة من التقنيين المكلفين بدراسة صبيب الآبار في جهة كلميم السمارة.
الفكرة هذه مفيدة نسبيا ومكلفة قليلا حيث أن الآبار تحفر لهدف واحد هو إمكانية تسريب الماء للفرشة ويمكن أن تملأ بالطمي والحجارة وتنعدم قيمتها.
3- تحويل مجرى الأودية وجعلها ملتوية كي يتعطل جريان الوادي ويتسرب الماء في باطن الأرض بنسبة أكبر, الفكرة هذه مطبقة في إيران كثيرا وهي جد مكلفة وإمكانية تسريب الماء في الفرشة المائية غير مضمونة مع إمكانية التسبب في الفيضانات خاصة إن علمنا أن تحويل مجرى الوادي يكون في المناطق المنبسطة لا المنحدرة التي يصعب فيها تحويل مجرى الوادي بل يفرض الوادي مجراه ومهما أنفق من أجل تحويله.
4- بناء حواجز إسمنتية في قلب الأودية تجمع بعض ماء الأودية وتؤخر جريانه مع إمكانية تسرب الماء المتجمع في تلك الحواجز التي هي عبارة عن سدود صغيرة جدا, لكن العملية جد مكلفة وفائدتها تكاد تكون منعدمة بعد سنوات من جراء ترسب الطمي والحجارة في تلك الحواجز, والتي تحتاج رعاية وتنقية من الأوحال وبالتالي مبالغ شبه سنوية للإبقاء على فائدتها وفعاليتها.
هذه الأفكار كلها مطبقة في بعض دول العالم ولها مراجع ونماذج مطبقة البعض منها يمكن أن يتوافق مع الجغرافيا في بعض الدول ويستحيل تطبيقه في دولتنا.
مثال بسيط يستحيل بناء سدود كبيرة في جنوب المغرب لأن أغلب الأودية منبسطة وغير عميقة ويستحيل إيجاد منطقة ضيقة في الوادي حيث يسهل غلقه وإن وجدت فإنها لا تسع من الماء إلا عمق ثلاثة أمتار أو اقل أحيانا وعدم وجود عمق كبير في السد يعرضه للتبخر ويجعل بناءه أمرا بلا فائدة, حيث سينضب ماؤه قبل موسم المطر المقبل.
الفكرة التي اقترحتها مند شهور والتي نشرتها ووزعتها كثيرا وعرف الجميع أنها فكرتي خاصة, هي حفر آبار في قلب الأودية يكون الهدف منها أولا جلب الماء في الفرشة وفي نفس الوقت تزويد الفرشة من خلالها.
حفر بئر بعمق 100 متر وبقطر متر واحد في قلب الوادي يكلف 100000 مائة ألف درهم, 1000 درهم لكل متر عمق ومتر قطر.
حفر خندقين في جانبي البئر (مفتوحين طبعا على البئر) بعمق مترين ونصف وعرض ثلاثة أمتار, وتقوية جنبات الخندقين بالاسمنت والحديد حتى تبقى مساحة كل خندق مثلا في حدود 3 أمتار طول كل خندق و2 متر عرض كل منهما و 2 متر عمق كل منهما.
نربط الخندقين مع فتحة البئر حيث نسقف ما مساحته 6 أمتار مربعة 3 أمتار طول و ومترين عرض, السقف تكون فتحة البئر في قلبه.
نملأ الخندقين بحجارة الوادي الصغيرة مع الرمل ونمنع تسربه لفتحة البئر بشباك يكون في حدود السقف من الجهتين حيث يسمح بمرور الماء تحت السقف والدخول في فتحة البئر دون مرور الحجارة والطمي لقلب البئر.
كل خندق مملوء بالحجارة تكون مساحته 12 متر مكعب يمكنه أن يسمح بمرور 2 متر مكعب من الماء وبالتالي يلتقي في فتحة البئر ومن كل جهة مترين مكعبين من الماء تقريبا ويكون بذلك ما يتجمع على فتحة البئر من الماء هو أربعة أمتار مكعبة تحاول الدخول في البئر الذي لا يسمح في ثانية إلا بمرور متر مكعب واحد.
النتيجة هي تكون ضغط هائل على فتحة البئر حيث سيتسرب الماء في البئر بقوة هائلة, وفي دقيقتين تقريبا يملأ البئر ويجمع 100 طن من الماء, يتشكل ضغط قوي على الفرشة المائية التي كان يمر منها الماء.
إن حفرنا 100 متر يمكن أن نصادف طبعا بعد دراسة واستشارة 10 فرش في عمق 100 مائة متر, وبالتالي يمكن أن تتوسع تلك العشر عروق الماء في باطن الأرض ويمكنها مثلا إن كان قطرها قبل ملأ البئر 10 سنتمترات أن يصبح مترين في يوم واحد من جريان الوادي.
بهذا يمكن أن نخلق ومن بئر واحد عشر فرشات مائية قطر كل فرشة قد يصل إلى متر أو مترين وبالتالي سيكون صبيب كل فرشة حوالي طن من الماء في الدقيقة أو اقل وبالتالي سيرتفع صبيب الآبار.
يمكن لبئر واحد أن يجمع وفي 10 ساعات من جريان وادي موسمي ما يعادل متر مكعب في الثانية وستون متر مكعب في الدقيقة وثلاثمائة وستون متر مكعب في الساعة, وفي عشر ساعات 3600 متر مكعب.
هذا الرقم أقصى تقدير ويمكن بالطبع أن يكون أقل وبكثير لكن المفيد هو أن الرقم يتزايد سنة بعد أخرى بتوسع مجرى الفرشة المائية عكس جميع المقترحات السابقة التي يقل فيها الصبيب سنة بعد سنة بفعل الترسبات.
في حين في هذا المقترح الصبيب يتزايد سنة بعد سنة وفي كل بئر واحد, وبتكلفة جد بسيطة, وكل بئر يمكنه أن يغذي أسفل منه على الأقل 10 آبار وبالتالي تكون تكلفة بئر واحد في قلب الأودية مغذي لعشرة بئر 300000 ثلاثمائة ألف درهم مقسوم على عشرة وتكون النتيجة بئر بصبيب جد مهم بتكلفة 30000 ثلاثون ألف درهم.