من إعداد :المختار العيادي باحث في صف الدكتوراه في قانون الأعمال.
مـــقـــدمــــــــة:
يعتبر العنف ظاهرة ضاربة جذورها في التاريخ إذ ارتبطت بوجود الإنسان على سطح الأرض وقصة قابيل وهابيل أبرز مثال على ذلك حيث شهدت أول جريمة قتل في التاريخ الإنساني.
وقد لوحظ في السنوات الأخيرة تردد وشيوع كلمة العنف فأصبحت من أكثر الكلمات شيوعا في المشهد الإعلامي وفي الأحاديث اليومية،وأصبح للعنف مظاهر متعددة:التطرف،العنف الأسري،العنف ضد المرأة،الإدمان على المخدرات والعنف،جنوح الأحداث والعنف،الإرهاب والعنف…إلخ.
ويعد العنف ضد المرأة أحد أكثر مظاهر العنف شيوعا وممارسة في المجتمعات وله آثار وخيمة على المرأة فهو يؤثر سلبًا على رفاه المرأة بشكل عام ويحول دون مشاركتها بشكل كامل في المجتمع.كما أن العواقب السلبية للعنف لا تقتصر على النساء فحسب،بل تتعداهن إلى عائلاتهن ومجتمعهن والدولة ككل حيث يتسبب هذا العنف في تكاليف باهظة من الرعاية الصحية والنفقات القانونية الزائدة إلى الخسائر في الإنتاجية مما يؤثر على الميزانيات الوطنية والتنمية بشكلٍ عام.
والمغرب لم يخلو من هذه الظاهرة كبقية بلدان العام،فقد سجلت الإحصائيات ارتفاعا مهولا ومتزايدا في وتيرة العنف ضد النساء،رغم ما سعت إليه الحكومة من اعتماد وتفعيل استراتيجيات وخطط عمل حكومية وقطاعية من قبيل (خطتي إكرام 1 وإكرام 2) ومن تعديلات للعديد من النصوص القانونية،ومن تنظيم لحملات تحسيسية.ورغم النضال المستميت للحركات النسائية وفعاليات المجتمع المدني الذي امتد لسنوات طويلة،إلا أنه وفي إطار التزام المغرب،بعد استكمال مصادقته على معاهدات المنظومة الحقوقية الدولية،خاصة اعتماد البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة صدر القانون رقم:103-12 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والذي تضمن أحكاما إيجابية مثل تعريف العنف ضد المرأة على أنه:”
كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس،يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ” ،كما رفع القانون من العقوبات المفروضة على بعض أشكال العنف الموجودة في القانون الجنائي عند ارتكابها داخل الأسرة،وأدخل جرائم جديدة مثل جريمة الزواج القسري وجريمة تبديد المال أو الممتلكات للتحايل على دفع النفقة أو مستحقات أخرى ناتجة عن الطلاق وجريمة طرد أو منع الزوجة من العودة إلى بيتها وجريمة التحرش الجنسي في الأماكن العامة والتحرش الإلكتروني.كما تضمن القانون مقتضيات تلزم السلطات العمومية باتخاذ تدابير وقائية،بما في ذلك برامج لرفع مستوى الوعي حول العنف ضد النساء و أحدث لجنة وطنية و لجان محلية وجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف.غير أنه بالرغم من صدور القانون المذكور كان لا بد أن تواكبه سياسات عمومية تتجه إلى تجفيف منابع العنف ضد المرأة في إطار آليات الوقاية من هذا العنف عن طريق سن سياسات تمكن النساء من التمتع بحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لتعزيز مشاركتها في الحياة العامة.
وتجدر الإشارة أنه سبق أن تعهد السيد سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية سنة 2017 بوضع استراتيجية لمكافحة أعمال العنف ضد النساء من غير أن يحدد جدولا زمنيا،بعد الصدمة التي أثارتها قضية اعتداء جنسي جماعي على فتاة في حافلة بالدار البيضاء.وقال السيد رئيس الحكومة :” الحكومة بدأت عملية التفكير للقيام بآليات للمعالجة،وليس معاقبة من قام بالجرم فقط،بل للوقاية من أجل ضمان عدم تكرار هذه الأعمال في المستقبل “.وأضاف قائلا :” سيتم الإعلان في الوقت المناسب عن الآليات والإستراتيجية التي ستسلكها الحكومة في هذا المجال ” كما جدد السيد رئيس الحكومة عزم الحكومة والتزامها الكامل والقوي لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء،وهي الظاهرة التي تحتاج إلى تعبئة كافة الوسائل لمحاصرتها ومعالجة آثارها. كما أكد السيد رئيس الحكومة،خلال ترؤسه يوم الأربعاء 25 نونبر 2020 إطلاق الحملة الثامنة عشرة لوقف العنف ضد النساء،حول موضوع التكفل بالنساء ضحايا العنف،أنه لابد من تعبئة كافة الوسائل القانونية والثقافية والتربوية والفنية والإبداعية والإعلامية والتوعوية لمحاصرة الظاهرة،وإشراك الجميع،خصوصا جمعيات المجتمع المدني التي تقوم بأدوار مهمة،ولدينا إرادة جماعية وعلينا التعاون بمنطق وطني لأن الإرادة وحدها لا تكفي،بل لابد من أن تصبح الإرادة واقعا.”
بعد ثلاث سنوات من الانتظار بادرت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة إلى التحرك وذلك بإطلاق مشاورات مع مختلف الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين لإعداد صيغة لمشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 وفق رؤية جديدة ومقاربة شمولية وتشاركية لمواكبة الإصلاحات القانونية المنجزة لحماية النساء ولتفعيل مختلف الالتزامات الوطنية والدولية المترتبة عن هذه الإصلاحات.ويأتي هذا الالتزام بالنظر لكون المؤشرات المرصودة حول ظاهرة العنف ضد النساء لازالت تطرح تحديات كبيرة وخصوصا مع بروز أشكال وأنواع جديدة للعنف الممارس ضد النساء بالرغم من الجهود الوطنية المبذولة في هذا المجال على مدى أكثر من عقدين من الزمن.
استبشرنا خيرا بهذه المبادرة وازداد تفاؤلنا أكثر حينما دعت وزارة التضامن والأسرة قضاة النيابة العامة ممثلي اللجان الجهوية واللجان المحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف إلى حضور اجتماع تشاوري بتاريخ:13/11/2020 والذي تم فيه طرح التوجهات العامة للمشروع أعقبته مناقشات وإثارة بعض المسائل المهمة ذات الصلة بالموضوع والتي أصغت إليها الوزارة المعنية وأعجبت بمستوى النقاش وبالنقط المثارة وتعهدت بأخذها بعين الاعتبار عند وضع الصيغة النهائية للإستراتيجية ولو أن المدة الزمنية (ثلاث ساعات فقط) لم تكن كافية بتاتا للإحاطة بمختلف جوانب الموضوع بالنظر لحجم وأهمية الموضوع الذي سيرهن مستقبل النساء المغربيات لعقد كامل من الزمن.
وقبل أن نستعرض مضمون هذه الإستراتيجية المرتقبة لا بد من التأكيد على الخلاصات والمنطلقات التالية:
– إن العنف ظاهرة عالمية وكونية تتجاوز حدود الدول والثقافات،وهو يمارس في كل مجالات الحياة الخاصة أو العامة وخلال أوقات السلم ويكون أكثر شدة ووطأة على النساء في زمن النزاعات المسلحة.
– إن الاعتراف بالعنف القائم على أساس الجنس كان نتيجة الضغط الذي مارسته الحركات النسائية التحررية على مؤتمرات حقوق الإنسان المختلفة إلى غاية الإقرار بأنه انتهاك لحقوق الإنسان في مؤتمر فيينا الدولي لحقوق الإنسان وما أعقبه من مؤتمرات دولية أخرى.
– من عواقب وآثار اعتبار العنف ضد المرأة كانتهاك لحقوق للنساء يوجب على الدول والمنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان تمكين النساء من حياة خالية من العنف بواسطة آليات تتمثل في الشكاوى الفردية والتقارير الدورية المرفوعة للجان حقوق الإنسان الدولية والإقليمية.
– يوجب القانون الدولي لحقوق الإنسان على الدول المصادقة على اتفاقياته وتعديل نصوصها وأخذ العنف ضد المرأة كأولوية من خلال وصفه عنفا ذو طابع تمييزي قائم على أساس الجنس بحيث تأخذ الاعتبارات الجنسانية بعين الاعتبار في صياغة القوانين وتدابير السياسة العامة،وتقوم مسؤولية الدولة إن هي قصرت في إعمال العناية الواجبة.
– إن انتشار العنف الأسري ليس راجعا إلى حق القوامة وواجب الطاعة المفروض على المرأة،بل إن ممارسة العنف تعود للتفسير والتأويل غير الصحيح للنصوص الدينية والتعسف في استعمال حق التأديب،إضافة إلى عوامل أخرى أدت إلى استمراره تتمثل في مبادئ الخصوصية التي تحول دون إبلاغ المرأة ضحية العنف عن تعرضها للإساءة البدنية أو النفسية أو الجنسية.
– الأهمية البالغة لدور الهيئات والمؤسسات الرسمية في مناهضة العنف القائم على أساس الجنس من خلال الدور الهام لمختلف الوزارات وبوجه أخص وزارة التضامن الوطني والأسرة والوزارة المنتدبة المكلفة بالمرأة والأسرةو وزارة العدل ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون والهجرة ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
– إن المجتمع المدني خاصة المنظمات النسائية تؤدي دورا هاما في نشر الوعي وثقافة التسامح وإعلام النساء بحقوقهن المكفولة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية،فضلاً عن نشاطها العلاجي والوقائي من خلال مراكز الإيواء والاستماع والإنصات التي تغطي العجز الحاصل في الخدمات العمومية المقدمة لنساء ضحايا العنف.
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع سنقوم بعرض و بسط مضمون الإستراتيجية الوطنية في مبحث أول على أن ندلي بملاحظاتنا و اقتراحاتنا بشأنها في مبحث ثان.
المبحث الأول
الإطار العام لمضمون مشروع الإستراتيجية الوطنية
لمكافحة العنف ضد النساء
لبسط مضامين مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 سنعمل على عرض منطلقات المشروع في مطلب أول على أن نخصص المطلب الثاني لمرتكزات المشرع أما المطلب الثالث فسنخصصه للمحاور الأساسية للمشروع.
المطلب الأول
منطلقات مشروع الإستراتيجية الوطنية
لمكافحة العنف ضد النساء
انطلق إعداد المشروع من خلال استحضار المعطيات التالية:
– أن العنف ضد المرأة يعتبر انتهاكا للحقوق الأساسية للنساء ومعضلة من معضلات الصحة العمومية والاجتماعية.
– أنه بالرغم من كل الجهود المبذولة لا زال المجتمع المغربي يدفع كلفة اقتصادية واجتماعية من جراء تعرض شريحة واسعة من نسائه للعنف و التمييز.
– أن الانخراط المبكر للمغرب في مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء أثمر مكتسبات على عدة مستويات.
– أن مؤشرات تطور الظاهرة فرضت ضرورة بلورة استراتيجية جديدة منسجمة مع ملامح الظاهرة وتطورها مع استحضار المناخ المؤسساتي والتطورات التي يشهدها المغرب استنادا على الدستور المغربي والالتزامات الدولية والتوجيهات الملكية السامية و البرنامج الحكومي.
كما أن المشروع انطلق من خلال استحضار مجموعة من المؤشرات الرقمية حول ظاهرة العنف ضد النساء والتي تمت من خلال نتائج البحث الوطني الثاني الذي أنجزته وزارة التضامن والأسرة حول انتشار العنف ضد النساء لسنة 2019 والذي أفرز معطيات رقمية مقلقة بشأن تطور الظاهرة تتجلى في الخلاصات التالية :
عدد النساء المغربيات المعنفات خلال السنة التي سبقت البحث |
54.4 % |
عدد النساء اللائي تعرضن للعنف بالوسط الحضري | عدد النساء اللائي تعرضن للعنف بالوسط القروي |
55.8% | 51.6 % |
عدد النساء اللائي تعرضن للعنف النفسي | عدد النساء اللائي تعرضن للعنف الاقتصادي |
عدد النساء اللائي تعرضن للعنف الجسدي | عدد النساء اللائي تعرضن للعنف الجنسي |
49.1% | 16.7% | 15.9% | 14.3% |
عدد النساء المغربيات المتزوجات اللائي تعرضن للعنف النفسي (داخل الوسط الزوجي) | 96.5% |
عدد الفتيات المخطوبات اللائي تعرضن للعنف في وسط الخطوبة | 54.4% |
عدد النساء المطلقات و الأرامل اللائي تعرضن للعنف بعد الطلاق أو الترمل | 30.9% |
عدد النساء المغربيات اللائي تعرضن للعنف الالكتروني من مجموع النساء المغربيات البالغات ما بين 19 و 64 سنة |
13.4 % أي ما مجموعه: 1.470.549 امرأة معنفة |
نسبة عدد النساء اللائي أحجمن عن تقديم شكاية للسلطات بشأن العنف | 93.4% |
كما انطلق المشروع من كون استحضار موضوع العنف ضد النساء في سياق الأزمات يعتبر عنصرا أساسيا ضمن محاور وإجراءات هذه الإستراتيجية الوطنية المرتقبة،وفي هذا السياق أفرز البحث الوطني حول تأثير جائحة كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للأسر والذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط في الفترة الممتدة من 14 أبريل 2020 إلى 23 أبريل 2020 المؤشرات الرقمية التالية:
عدد الأسر التي عبرت عن عدم تأثر العلاقات داخل الأسرة بظروف الحجر الصحي | عدد الأسر التي عبرت عن تأثر العلاقات داخل الأسرة بظروف الحجر الصحي |
72% | 10% |
عدد الأسر في الوسط الحضري التي عبرت عن شعورها بتدهور العلاقات داخل الأسرة بفعل ظروف الحجر الصحي |
عدد الأسر في الوسط القروي التي عبرت عن شعورها بتدهور العلاقات داخل الأسرة بفعل ظروف الحجر الصحي |
18% | 12% |
كما أن واضعي مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء حاولوا الإجابة عن الإشكاليات الأربعة التالية:
1) الإشكالية الأولى:وهي أن العنف ضد النساء هي قضية مركبة ومتعددة الأبعاد تتداخل فيها الجوانب الثقافية والتربوية والقانونية والاقتصادية وغيرها .وبالتالي فإن تطويق الظاهرة لا يمكن أن يتم بمعزل عن معالجة إشكاليات أخرى كقضايا النهوض بالمساواة ومحاربة التمييز.
2) الإشكالية الثانية:وهي الإحساس بتزايد انتشار العنف و تنوع أشكاله رغم المجهودات المتخذة في مجال التحسيس بمخاطره وتنوع مبادرات تطويقه.
3) الإشكالية الثالثة:وهي مرتبطة بتشعبات النهج الوقائي الشمولي.بمعنى آخر هل نستطيع القضاء على العنف ضد المرأة بمعزل عن العنف المجتمعي بأشكاله وتعقيداته؟وما الذي يتعين فعله لتجفيف منابع العنف مسبباته؟
4) الإشكالية الرابعة:وهي كون العنف عابر لكل الفضاءات والأوساط:العام والخاص،على المستوى الوطني والدولي،على المستوى الحضي وعلى المستوى القروي،أي أن التدخلات ينبغي أن تكون شمولية تستهدف كل الفضاءات وكل أوساط التنشئة.
المطلب الثاني
مرتكزات مشروع الإستراتيجية
الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020 – 2030
ارتكز المشروع على مرجعيتين أساسيتين هما:المرجعية الوطنية (فرع أول ) والمرجعية الدولية (فرع ثاني ).
الفرع الأول
المرجعية الوطنية
ارتكز إعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية على المرجعيات الوطنية التالية:
– تعاليم الدين الإسلامي السمحة:
– المقتضيات الدستورية و خاصة المادة 19 منه التي تنص على ما يلي:
” يتمتع الرجل والمرأة،على قدم المساواة،بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،الواردة في هذا الباب من الدستور،وفي مقتضياته الأخرى،وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية،كما صادق عليها المغرب،وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية،هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.”.
و المادة 22 منه التي تنص على أنه:
” لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص،في أي ظرف،ومن قبل أي جهة كانت،خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير،تحت أي ذريعة،معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.ممارسة التعذيب بكافة أشكاله،ومن قبل أي أحد،جريمة يعاقب عليها القانون ” .
– التوجيهات الملكية السامية والبرامج الحكومية.
الفرع الثاني
المرجعية الدولية
وتتشكل من مختلف الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية ونذكر منها:
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.
– العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.
– العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966.
– الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة بتاريخ:18/12/1979.
– الاتفاقيات والقرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة والمعاهدات الجهوية المتصلة بحقوق الإنسان.
– أهداف وغايات أجندة 2030 للتنمية المستدامة وخصوصا الهدف الخامس منها والذي يتضمن ما يلي:
” الهدف 5 :تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكنين كل النساء والفتيات من حقوقهن:
لا يزال عدم المساواة بين الجنسين قائما في جميع أنحاء العالم،مما يحرم النساء والفتيات من حقوقهن الأساسية ومن فرصهن.وسيتطلب تحقيق المساواة بني الجنسين وتمكين النساء والفتيات جهودا أكثر نشاطا،بما في ذلك في مجال توفير الأطر القانونية اللازمة للتصدي للتمييز القائم على نوع الجنس والمتأصل في كثير من الأحيان والذي ينجم غالبا عن المواقف الذكورية التسلطية والمعايير الاجتماعية المرتبطة بها.”
المطلب الثالث
المحاور الأساسية لمشروع الإستراتيجية الوطنية
لمكافحة العنف ضد النساء 2020 – 2030
لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن لأية استراتيجية لمكافحة العنف ضد النساء أن تكون ناجحة وناجعة وفعالة وتحقق أهدافها إلا إذا ارتكزت على الثالوث المتحكم فيها وهي:1) الوقاية 2) المتابعة أو الملاحقة 3) حماية الضحايا.
وفي هذا السياق يبدو جليا أن واضعي مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف 2020-2030 نهجوا هذا المنهج بحيث اعتمد المشروع على خمس محاور موضوعاتية وعلى ثلاث محاور أفقية .
وتتجلى المحاور الإستراتيجية الموضوعاتية في :
– المحور الأول:الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات.
– المحور الثاني:الحماية من كافة أشكال العنف ضد النساء في كل الفضاءات وفي مختلف مراحل العمر.
– المحور الثالث:التكفل بالضحايا و تمكينهن.
– المحور الرابع:تطوير طرق التبليغ و تكريس العقاب في حق مرتكبي العنف وإعادة التأهيل والإدماج.
– المحور الخامس:إنتاج تطوير المعرفة بالظاهرة وطنيا وجهويا.
ولكل محور من هذه المحاور أهداف ستتحدث عنها لاحقا عند إبراز هذه المحاور الإستراتيجية الخمسة.
كما ركز المشروع على ثلاث محاور أفقية وتتمثل في :
– المحور الأول:إحداث آليات الحكامة والتتبع والتقييم.
– المحور الثاني:تكوين الفاعلين.
– المحور الثالث:تطوير الشراكة.
وسنبرز المحاور الإستراتيجية لمشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء في فروع خمسة مستقلة حسبما سيأتي .
الفرع الأول
المحور الإستراتيجي الأول:الوقاية من العنف والتمييز ضد النساء
إن تجفيف منابع الجريمة بصفة عامة ومنابع ظاهرة العنف ضد النساء بصفة خاصة يعتبر عنصرا أساسيا في أية استراتيجية لمكافحتها ولذلك كان هذا البعد الوقائي حاضرا لدى واضعي مشروع الإستراتيجية الوطنية بحيث اعتبر أهم محور استراتيجي يتعين التركيز عليه ويبدو أن هذا المحور يستهدف ويتوخى تحقيق أربعة أهداف أساسية تتمثل فيما يلي:
– الهدف الأول:دمج محاربة العنف والتمييز في السياسات القطاعية التربوية والتعليمية والثقافية والدينية وفي المخططات والبرامج التنموية للجماعات الترابية.
– الهدف الثاني:تعزيز دور الإعلام في مناهضة العنف والتمييز ضد النساء مع استثمار التكنولوجيات الحديثة.
– الهدف الثالث:رفع الوعي المجتمعي بمخاطر العنف و التمييز اتجاه النساء و رصد المعايير الإيجابية و نشرها.
– الهدف الرابع:النهوض بدور الأسرة في محاربة العنف والتمييز اتجاه النساء والفتيات والتربية على حقوق الإنسان.
الفرع الثاني
المحور الإستراتيجي الثاني:
الحماية من كافة أشكال العنف ضد النساء في
كل الفضاءات وفي مختلف مراحل العمر
يستهدف هذا المحور الإستراتيجي تحقيق الأهداف الأربعة التالية:
– الهدف الأول:تنفيذ وتقوية الإطار القانوني ذات الصلة بمناهضة كافة أشكال العنف والتمييز ومواكبة تملكه من طرف الفاعلين وأصحاب الحقوق.
– الهدف الثاني:تنفيذ وتطوير آليات الحماية وأجهزة التدخل الفوري لحماية النساء من كافة أشكال العنف في كل الفضاءات العامة والخاصة.
– الهدف الثالث:تطوير آليات حماية النساء من العنف في الفضاء العام.
– الهدف الرابع:تعزيز أدوار مؤسسات المجتمع المدني في حماية النساء من العنف والتمييز.
الفرع الثالث
المحور الإستراتيجي الثالث:التكفل بالضحايا وتمكينهن
يستهدف هذا المحور الإستراتيجي تحقيق الأهداف الخمسة التالية:
– الهدف الأول :دعم ومواكبة خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف ولجان التنسيق الوطنية والجهوية والمحلية.
– الهدف الثاني:تطوير وتعميم منظومة الإيواء المؤقت للنساء ضحايا العنف.
– الهدف الثالث:النهوض بمعايير ونظم جودة الخدمات الموجهة للنساء ضحايا العنف في مختلف المستويات.
– الهدف الرابع:بناء سلسلة خدمات منسقة ومتاحة في كل مجال ترابي بالتعاون مع الجماعات الترابية والفاعلين المحليين.
– الهدف الخامس:تعزيز التمكين الاقتصادي للنساء ضحايا العنف في وضعية هشة.
الفرع الرابع
المحور الإستراتيجي الرابع:تطوير طرق التبليغ وتكريس العقاب في حق مرتكبي العنف وإعادة التأهيل والإدماج
يستهدف هذا المحور الإستراتيجي تحقيق الأهداف الأربعة التالية:
– الهدف الأول:تطوير آليات ومساطر اليقظة والتبليغ عن العنف باستثمار التكنولوجيات الحديثة.
– الهدف الثاني:ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
– الهدف الثالث:إعادة تأهيل مرتكبي العنف إدماجهم في المحيط الأسري والاجتماعي.
– الهدف الرابع:تقوية جهاز العدالة المكلف بحماية النساء و زجر مرتكبي العنف.
الفرع الخامس
المحور الإستراتيجي الخامس:
إنتاج وتطوير المعرفة بالظاهرة وطنيا وجهويا
يستهدف هذا المحور الإستراتيجي تحقيق الأهداف الثلاثة التالية:
– الهدف الأول :إعداد واعتماد قاعدة مؤشرات وطنية لتتبع وتقييم التقدم المحرز في محاربة العنف ضد النساء.
– الهدف الثاني :تطوير البيانات والمعطيات المستمدة من الخدمات أو عن الخدمات.
– الهدف الثالث :إدراج مؤشرات مناهضة العنف في المنظومة الإحصائية.
المبحث الثاني
ملاحظات واقتراحات بشأن مشروع الإستراتيجية
الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020 – 2030
سوف نخصص المطلب الأول من هذا المبحث الثاني لبسط ملاحظاتنا حول مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 من حيث الشكل ومن حيث المضمون،على أن نخصص المطلب الثاني لبسط مقترحاتنا بشأن كيفية وأسس إرساء استراتيجية وطنية ناجعة وفعالة لمكافحة العنف ضد المرأة.
المطلب الأول
ملاحظات على مستوى شكل ومضمون الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030
سنخصص هذا المطلب لبسط ملاحظاتنا من حيث شكل ومنهجية إعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء في فرع أول على نخصص الفرع الثاني منه لبسط ملاحظاتنا في الشق المتعلق بمضمون مشروع هذه الإستراتيجية الوطنية.
الفرع الأول
ملاحظات على مستوى الشكل والمنهجية المتبعة في إعداد المشروع
سنتناول هذه الملاحظات الشكلية بشكل مفصل عبر فقرتين.
الفقرة الأولى
ملاحظات على مستوى بعض المصطلحات والمفاهيم
وعلى مستوى مسار الإعداد لمشروع الإستراتيجية
عند إطلاعنا على مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 حسب الصيغة الأولية التي عرضت علينا سجلنا عدة ملاحظات نوردها كما يلي:
1) على مستوى التسمية وبعض المصطلحات:
لقد سمى واضعو مشروع الإستراتيجية الوطنية بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء وهي تسمية أعتقد أنها لا تفي بالغرض المتوخى منها وهو أن الإستراتيجية المرتقبة تستهدف المرأة بشكل عام سواء كانت قاصرة أو راشدة،متزوجة أو غير متزوجة،مولودة كانت أو لا زالت جنينا في بطن أمها،و لذلك حبذا لو تمت تسميتها بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة أو الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف المبني على النوع أو الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات ذلك أن مصطلح النساء ينسحب فقط إلى المرأة الراشدة والدليل على ذلك أنه في ثنايا مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء نجده يتضمن الإشارة إلى بعض التدابير المتخذة لحماية الفتيات من العنف.فالعنف ضد المرأة يقتصر على الحوادث التي تستثني الرجال والفتيان وهذا يعني ضمنيا أن هذا العنف يعود إلى إخضاع المجتمع للمرأة الذي يتأثر بالعادات والتقاليد والقوانين السائدة التي تمنح له المشروعية .وفي هذا السياق عرفت الأمم المتحدة العنف ضد المرأة في إعلان القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993 على أنه متجذر في العلاقات غير المتكافئة بين الجنسين وميزته عن باقي أشكال العنف فهو:” أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه،أو يرجح أن يترتب عليه،أذى أو معاناة للمرأة،سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية،بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية،سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.” حسب هذا التعريف تشمل الحماية جميع أشكال العنف الممارس على المرأة في الحياة العامة والخاصة على حد سواء طيلة دورة الحياة (ما قبل الولادة حتى الوفاة).
على مستوى المصطلحات استعمل واضعو مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء مصطلح التمكين الاقتصادي للنساء ضحايا العنف في وضعية هشة كهدف خامس ضمن المحور الإستراتيجي الثالث وتم إغفال أنواع التمكين الأخرى التي يسعى المجتمع إلى تحقيقه للمرأة ونخص بالذكر التمكين السياسي والتمكين الاجتماعي الثقافي والتمكين القانوني والتمكين النفسي .و في هذا السياق حبذا لو تم الاسترشاد بالتجربة المصرية لتمكين المرأة والتي تعتبر تجربة رائدة في هذا المجال على الصعيد العربي.
2) على مستوى المنهجية المتبعة في إعداد المشروع:
يبدو أن عنصر الزمن كان له تأثير واضح على مسار إعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء ذلك أن عنصر الاستعجال في إعداد المشروع مؤشر واضح المعالم فمشروع من هذا الحجم كان ينبغي،في ظل غياب مجلس أعلى للمرأة،أن تؤسس لجنة موسعة من خبراء ومتخصصين ومن مختلف القطاعات الحكومية وفعاليات من منظمات المجتمع المدني وشخصيات مشهود لها بالعمل في موضوع العنف ضد المرأة لإعداد تصور واضح المعالم حول ورش الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة،ذلك أن هذا المشروع أعد من طرف وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمرأة وهي قطاع حكومي ضمن التشكيلة الحكومية الراهنة،ومشروع بحجم الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة ينبغي أن يتم إعداده من طرف لجنة تضم كل المتدخلين في هذا الموضوع لأن نجاحه يبقى رهينا بتنفيذ كل قطاع حكومي للالتزامات الملقاة على عاتقه في إطار هذه الإستراتيجية التي ساهم والتزم ببنودها.
فمن خلال الإطلاع على الأرضية الأولية لمشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء يتبين أنها لم تأت في شكل مسودة أو أرضية مبنية على معطيات دقيقة وإنما جاءت في صيغة أرضية تتضمن نقط ومحاور عامة فقط.
وفي هذا السياق بالرجوع إلى المحور الخاص بمسار الإعداد للإستراتيجية نجد أنها انطلقت من المراحل التالية:
– تشخيص الوضع الراهن.
– إعداد أرضية الإستراتيجية.
– تنظيم ورشات مركزية مع الفاعلين الحكوميين.
– تنظيم الاستشارات مع جمعيات المجتمع المدني.
– تنظيم الاستشارات مع المنتخبين و الفاعلين المحليين و آليات التنسيق.
ومن خلال دراسة هذه الأرضية يتبين أنها لم ترتكز على أسس قوية ومعطيات أولية تستند عليها الشيء الذي لم تستطع معه اللجنة المكلفة بإعداد مشروع الإستراتيجية أن تعد مسودة للإستراتيجية تكون واضحة المعالم والأهداف وآليات للتنفيذ.فالتشاور مع كل المتدخلين في مدة ساعات فقط لا يمكن أن يفضي إلى نتيجة طموحة.وما يؤكد هذا الطابع الاستعجالي لمشروع هذه الإستراتيجية هو أنها سميت بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 والحال أن سنة 2020 أوشكت على الانتهاء وكأن لسان حال واضعي المشروع يريدون إعدادها والمصادقة عليها خلال سنة 2020.من هنا أعتقد أن أية استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد النساء ينبغي أن يتم إعدادها من طرف لجنة وطنية موسعة تضم كل الفاعلين الحكوميين ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في هذا المجال حتى تتفرغ لإعداد تصور واضح حول هذه الإستراتيجية داخل أجل معقول حتى تحقق أهدافها المرجوة.
3) على مستوى المؤشرات المعتمد عليها في إعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء:
انطلق واضعو مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء من معطيات إحصائية تتعلق بمجموعة من المؤشرات الرقمية حول ظاهرة العنف ضد النساء والتي تمت من خلال نتائج البحث الوطني الثاني الذي أنجزته وزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية والمساواة حول انتشار العنف ضد النساء لسنة 2019 وكذا من خلال مؤشرات العنف ضد النساء في سياق تداعيات جائحة كورونا وتأثيراتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للأسر المنجز في إطار البحث الوطني الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط في الفترة الممتدة من 14 أبريل 2020 إلى 23 أبريل 2020.وكل هذه المعطيات غير كافية للاستناد عليها كمؤشرات واضحة للأبعاد الرقمية والمجالية للعنف ضد النساء بالمغرب.فإنجاز استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد النساء ينبغي أن تسبقها دراسات حول معدلات العنف ضد النساء وتوزيعها الكمي والكيفي والمجالي وأن يسبقها جرد لخريطة مراكز الإيواء المتوفرة ببلادنا وتوزيعها الجغرافي وهو الشيء الذي أغفله واضعو المشروع.وفي هذا السياق نتساءل لماذا لم تتم الاستعانة بالمعطيات الإحصائية المتوفرة لدى وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة بخصوص المعطيات الرقمية حول العنف ضد النساء ؟ ولماذا لم تتم الاستعانة بتقارير اللجنة المركزية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف والتي تتوفر على قاعدة بيانات بشأن العنف ضد النساء منذ تأسيسها سنة 2004 ؟
هذا من جهة،ومن جهة أخرى أغفل واضعو مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء مؤشر تزويج القاصرات وهو مؤشر يثير قلقا وطنيا باعتبار تزويج القاصرات مظهرا من مظاهر العنف ضد الفتيات .
كما أن واضعي مشروع الإستراتيجية الوطنية لم يعتمدوا على تقييم ودراسة الإستراتيجيات السابقة لمكافحة العنف ضد النساء (إكرام 1 و إكرام 2 وغيرها،وكان من الأجدى تقييم هذه التجارب السابقة لاستخلاص نقط القوة و رصد الأهداف التي تم تحقيقها و الوقوف على نقط الضعف والأهداف التي لم تتحقق وهذا التقييم سيكون له أثر اضح على إعداد تصور جديد لإستراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار سلبيات الإستراتيجيات السابقة وترتكز على أسس دقيقة وصلبة تحدد أهدافا واضحة وتدابير دقيقة لتحقيقها.
الفقرة الثانية
ملاحظات على مستوى المرجعيات
بالرجوع إلى الأرضية الأولية لمشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء يتبين أنها ارتكزت على مرجعيتين أساسيتين هما المرجعية الوطنية المشكلة من تعاليم الدين الإسلامي السمحة ومقتضيات الدستور وخصوصا المادتين 19 و 22 منه والتوجيهات الملكية السامية والبرنامج الحكومي والمرجعية الدولية.
وما يلاحظ في الشق المتعلق بالمرجعية الوطنية أن مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 لم تعتمد على تقارير بعض المؤسسات الوطنية ذات الصلة بمنظومة مكافحة العنف ضد النساء باعتبارها راكمت تجربة رائدة في هذا المجال مثل تقارير اللجنة المركزية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف وتقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتقارير هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز وعدم التنسيق مع المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.
كما تجدر الإشارة بالنسبة للمرجعية الدولية المرتكز عليها في إعداد الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء يلاحظ أنها لم تتطرق بتفصيل لمختلف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية وإنما وردت بشكل عام فقط،وكان ينبغي الإشارة في المشروع إلى مختلف المواثيق الدولية والقرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة ذات الصلة بمنظومة حقوق المرأة باعتبارها التزاما وطنيا يتعين الوفاء به ويضفي المصداقية على مدى تنفيذ المملكة المغربية لتعهداتها الدولية وفي هذا السياق يلاحظ ما يلي:
– إغفال وعدم الاعتماد على اتفاقية الاتجار بالبشر والبروتوكول الاختياري الملحق بها ضمن المرجعيات الأساسية.
– إغفال وعدم الاسترشاد بإستراتيجية الأمم المتحدة النموذجية للقضاء على العنف ضد المرأة لسنة 1997.
– عدم الاسترشاد بالممارسات الفضلى على المستوى الدولي والإقليمي في مجال مكافحة العنف ضد المرأة باعتبارها .
الفرع الثاني
ملاحظات على مستوى المضمون
عند إطلاعنا على مضمون مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 حسب الصيغة الأولية التي عرضت علينا وبعد دراستها سجلنا عدة ملاحظات نوردها في أربع فقرات مستقلة كما يلي:
الفقرة الأولى
على مستوى أشكال و مظاهر العف ضد المرأة
لقد ركز مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء على مكافحة جميع أشكال ومظاهر العنف ضد المرأة:العنف الجسدي ،العنف الجنسي ،العنف الاقتصادي ،العنف النفسي وكل أشكال التمييز ضد النساء .
غير أنه لم يشر لا من قريب أو من بعيد لمسألة تزويج القاصرات والذي يعتبر مظهرا من مظاهر العنف والذي أصبحت مستوياته المقلقة مثار جدل في مختلف الأوساط الحقوقية والفكرية والاجتماعية ببلادنا بحيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى الأرقام التالية :
السنوات | 2006 | 2007 | 2008 | 2009 | 2010 | 2011 | 2012 | 2013 |
عددالطلبات المسجلة | 30312 | 38710 | 39604 | 47089 | 44572 | 46927 | 42783 | 43508 |
عددالطلبات المقبولة | 26919 | 33596 | 35043 | 42741 | 41098 | 42028 | 36791 | 37183 |
عددالطلبات المرفوضة | 3064 | 4151 | 4377 | 4047 | 3474 | 4899 | 5992 | 6325 |
ومن ثمة لا شك أنه يتعين أن تركز الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة على مكافحة ظاهرة تزويج القاصرات باعتبارها مظهرا من مظاهر العنف ضد النساء الفتيات .
كما أن مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء لم تتطرق لظاهرة الاتجار بالمرأة باعتبارها مظهرا من مظاهر العنف ضد المرأة وفي هذا السياق لا بد من الاعتماد على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكول الاختياري الملحق بها لسنة 2000 المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتنسيق مع اللجنة الوطنية لقمع الاتجار بالبشر والوقاية منه المحدثة بموجب المادة السادسة من قانون رقم:27-14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر .وتشير العديد من المنظمات الدولية والوطنية أنه من الممكن تصنيف الكثير من حالات الزواج المبكر كحالات اتجار بالأشخاص،استنادًا إلى المادة 448-1 من قانون رقم: 27 – 14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر التي نصت على أنه :
” يقصد بالاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله،أو الوساطة في ذلك،بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع،أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة،أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
لا يشترط استعمال أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه لقيام جريمة الاتجار بالبشر تجاه الأطفال الذين تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة بمجرد تحقق قصد الاستغلال.
يشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي،لاسيما استغلال دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي،ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها،أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء،أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة.
لا يتحقق هذا الاستغلال إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية،بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك “.
فاللافت أن الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه نصّت على أن تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله،أو الوساطة في ذلك بقصد الاستغلال بالنسبة إلى من هم دون سن الثامنة عشرة يعد جريمة اتجار بالبشر حتى لو لم يترافق ذلك مع استعمال أي من الوسائل المذكورة أعلاه (التهديد بالقوة أو استعماله أو باستعمال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة .وفي واقع الحال غالبية الفتيات القاصرات يتم تزويجهن تحت الضغط أو الاكراه أو الاحتيال أو الخداع أو اساءة استعمال السلطة الأبوية.
الفقرة الثانية
ملاحظات على مستوى تمكين المرأة
من أهم مضامين مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء أنها ركزت على تحقيق التمكين الاقتصادي للنساء ضحايا العنف في وضعية هشة كهدف خامس ضمن المحور الإستراتيجي الثالث غير أنها أغفلت أنواع أخرى من التمكين التي ينبغي أن تركز الإستراتيجية الوطنية على تحقيقها للمرأة ونخص بالذكر :
– التمكين السياسي للمرأة:من خلال تعزيز أدوار المرأة القيادية وتحفيز مشاركتها السياسية بكافة أشكالها بما في ذلك التمثيل النيابي على المستويين الوطني والمحلي ومنع التمييز ضد المرأة في تقلد المناصب القيادية في المؤسسات التنفيذية والقضائية وتهيئة النساء للنجاح في هذه المناصب وضمان تكافؤ الفرص في أفق المناصفة.
– التمكين الاجتماعي للمرأة:من خلال تهيئة الفرص لمشاركة اجتماعية أكبر للمرأة وتوسيع قدراتها على الاختيار ومنع الممارسات التي تكرس التمييز ضد المرأة أو التي تضر بها سواء في المجال العام أو داخل الأسرة من خلال مساعدة النساء على الحصول على حقوقهن في المجالات المختلفة وتوفير خدمات التعليم والصحة للمرأة وكذلك مساندة المرأة التي تعيش في ظروف صعبة بما في ذلك المرأة المسنة والمعاقة وتمكين الفتيات الشابات وزيادة مشاركتهن الاجتماعية.
– التمكين النفسي للمرأة:من خلال القيام بجميع التدابير التي تستهدف تحقيق الراحة النفسية للمرأة،واحترامها لذاتها وتعزيز كفاءتها الذاتية،وكل ما يمكن أن يزيد من الوعي الاجتماعي ضد ظلم المرأة،وعلى نطاقٍ واسع يُشعر التمكين النفسي المرأة بالاندماج والاستحقاق،ومن جهة أخرى فإنّه يُعزّز القبول المجتمعي لذلك الاندماج والاستحقاق.
– حماية المرأة:من خلال القضاء على الظواهر السلبية التي تهدد حياتها وسلامتها وكرامتها وتحول بينها وبين المشاركة الفعالة في كافة المجالات بما في ذلك كافة أشكال العنف ضد المرأة وحمايتها من الأخطار البيئية التي تؤثر عليها سلبا من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية.
الفقرة الثالثة
ملاحظات على مستوى المحاور الإستراتيجية
الكبرى لمشروع الإستراتيجية
سبق أن قلنا أن أية استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة لا يمكن أن تكون ناجعة وفعالة وتحقق أهدافها إلا إذا ارتكزت على ثلاث محاور أساسية وهي :
1) الوقاية.
2) المتابعة أو الملاحقة.
3) الحماية أي حماية المرأة المعنفة.
غير أن واضعي مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء ركزوا على خمس محاور استراتيجية وهي :
– المحور الأول:الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات.
– المحور الثاني:الحماية من كافة أشكال العنف ضد النساء في كل الفضاءات وفي مختلف مراحل العمر.
– المحور الثالث:التكفل بالضحايا وتمكينهن.
– المحور الرابع:تطوير طرق التبليغ وتكريس العقاب في حق مرتكبي العنف وإعادة التأهيل والإدماج.
– المحور الخامس:إنتاج و تطوير المعرفة بالظاهرة وطنيا وجهويا.
ويبدو أن المحاور الخمسة المذكورة أعلاه بالمشروع متداخلة فيما بينها ذلك أن المحاور الإستراتيجية الأول والثاني والخامس كلها تتعلق بمحور الوقاية ولذلك يستحسن إدماج هذه المحاور الثلاثة في محور واحد هو محور الوقاية من العنف.
كما أن المحور الإستراتيجي الرابع الموسوم ب:تطوير طرق التبليغ وتكريس العقاب في حق مرتكبي العنف وإعادة التأهيل والإدماج يتضمن شقين:شق يتعلق بعنصر المتابعة أو الملاحقة وشق آخر يتعلق بعنصر الحماية فينبغي فصلها.من هنا يتضح أن إعداد استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة ينبغي أن يتم من قبل خبراء متخصصين ومن مختلف المتدخلين الحكوميين وغير الحكوميين حتى يتم إخراجها وفق مقاربة تشاركية وشمولية ومندمجة وفي صيغة دقيقة و واضحة المعالم حتى تحقق أهدافها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى ارتكز المشروع على ثلاث محاور أفقية وهي :
1) إحداث آليات الحكامة والتتبع والتقييم.
2) تكوين الفاعلين.
3) تطوير الشراكات.
هذه المحاور الأفقية كلها تتعلق بمحور الوقاية وكان يتعين أن يكون مكانها الطبيعي هو محور الوقاية فمسألة تطوير الشراكات والتكوين والتقييم وآليات الحكامة والتتبع كلها تنصب على جانب الوقاية من العنف وقمعه.
وفي هذا السياق كان يستحسن أن تكون أرضية المشروع تتضمن شقين :
1) الشق الأول : يتعلق بالمحاور الثلاثة الإستراتيجية التالية:
– الوقاية.
– المتابعة أو الملاحقة.
– الحماية.
2) الشق الثاني: يتعلق بالتدابير الإجرائية المواكبة المتخذة لتحقيق الأهداف الثلاثة.
الفقرة الرابعة
ملاحظات على مستوى التدابير العملية والإجرائية
المواكبة لتحقيق أهداف الإستراتيجية
ما يلاحظ أن أهم محور تم إغفاله من قبل واضعي مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 هو محور التدابير العملية والإجرائية المواكبة لتحقيق أهداف الإستراتجية بصفة عامة ولتحقيق أهداف المحاور الإستراتيجية الكبرى على وجه الخصوص.
فبالرجوع إلى الأرضية الأولية أو التصور الأولي لمشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء حسبما تم عرضه علينا من طرف وزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية والمساواة يتبين أنها تتضمن 127 إجراءا دون ذكر تفاصيلها.
وفي هذا السياق لا بد من وضع آليات دقيقة وتدابير عملية لتحقيق هذه الأهداف من حيث الميزانية المرصدة سنويا في إطار الميزانية العامة للدولة وتحديد التزامات كل قطاع حكومي في هذا الصدد وفق جدول زمني مضبوط ومحدد و وضع آلية لمتابعة تنفيذ كل جهة حكومية لالتزاماتها في هذا الشأن.
المطلب الثاني
مقترحات لتجويد الإستراتيجية الوطنية
لمكافحة العنف ضد المرأة
بعد دراستنا لمشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 حسب الصيغة المطروحة علينا وتسجيل مختلف ملاحظاتنا الشكلية والموضوعية،وفي سياق تجربتنا العلمية والعملية ومن خلال اطلاعنا على الممارسات والتجارب الدولية في مجال مكافحة ظاهرة العنف ضد النساء،نتقدم بمجموعة من المقترحات والتي من شأنها أن تساهم ولو بالنزر اليسير في تجويد وإرساء إستراتيجية وطنية ناجحة وفعالة للقضاء على العنف ضد النساء وهي مقترحات سنتناولها عبر فرعين نخصص الأول منهما لمقترحات على مستوى إعداد الإستراتيجية على أن نخصص الفرع الثاني لبسط مقترحاتنا حول المحاور الأساسية للإستراتيجية المرتقبة.
الفرع الأول
مقترحات حول إعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية
إن ورش الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة ورش مجتمعي ضخم ومهم وإستراتيجي ولذلك لإنجاح هذا الورش لا بد أن يكون مسار إعداده مرتكز على أسس صلبة ومتينة مبني على تحليل للبنية الحالية لاستشراف المستقبل.
وفي ظل غياب مجلس أعلى للمرأة يتعين إحداث لجنة وطنية تسمى باللجنة الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة تتبع مباشرة للسيد رئيس الحكومة تتألف من كل الفاعلين الحكوميين ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة ومناهضة العنف ضد المرأة على وجه الخصوص وبعض الخبراء والشخصيات المشهود لهم بالبحث العلمي والذين راكموا تجربة علمية وعملية في هذا المجال.
تتولى هذه اللجنة بعد تنصيب أعضائها القيام بالمهام التالية :1) تجميع المعطيات حول مؤشرات العنف ضد المرأة على المستوى الوطني 2) تقييم الاستراتيجيات الوطنية السابقة المتعلقة بمكافحة العنف ضد المرأة 3) الإطلاع ودراسة تقارير الجهات الوطنية ذات الصلة بمكافحة العنف ضد النساء والإطلاع على التجارب والممارسات الدولية الفضلى في مجال استراتيجيات مكافحة العنف ضد النساء 4) وضع وإعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء وفتح مشاورات وطنية لتجويدها في أفق عرض المشروع للمصادقة،وهو ما سنتعرض له فقرات أربعة.
الفقرة الأولى
تجميع المعطيات الوطنية حول مؤشرات العنف ضد المرأة
تتولى اللجنة بعد تنصيب أعضائها مهمة تجميع كل البيانات والمعطيات الرقمية والإحصائية الوطنية المتوفرة حول ظاهرة العنف ضد النساء وذلك لرصد المؤشرات الحقيقية للظاهرة من حيث الكم ومن حيث الكيف (السن/الوسط الأسري/مكان العمل/المجال الحضري/المجال القروي…إلخ)،وفي هذا السياق لا بد من الإطلاع على بيانات ومعطيات كل الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات الصلة بالموضوع وبصفة خاصة:
– الأخذ بعين الاعتبار المؤشرات الرقمية والإحصائية لظاهرة العنف ضد المرأة لدى وزارة العدل.
– الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتوفرة لدى الخلية المركزية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بوزارة العدل والتي تأسست سنة 2004 والاستعانة بتقاريرها السنوية والتي تتضمن معطيات دقيقة وتوصيات مهمة لمكافحة العنف ضد المرأة والتي راكمت تجربة عملية طويلة في هذا المجال.
– الأخذ بعين الاعتبار معطيات المندوبية السامية للتخطيط.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان .
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير وآراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي .
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير هيئة المناصفة محاربة جميع أشكال التمييز .
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة .
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي
– الأخذ بعين الاعتبار رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي:ما العمل أمام استمرار تزويج الطفلات بالمغرب .
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف المحدثة بموجب المادة 11 من قانون رقم 103- 13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه المحدثة بموجب المادة السابعة من قانون رقم 27-14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير المرصد الوطني للعنف ضد النساء المحدث سنة 2014 والتي تتضمن معطيات وبيانات الخلايا المؤسساتية لاستقبال النساء ضحايا العنف الموجودة بالمحاكم والمستشفيات والمراكز التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي.
– الأخذ بعين الاعتبار مخرجات وتوصيات إعلان مراكش لمناهضة العنف ضد النساء الصادر بتاريخ: 08/03/2020 وهو إعلان مهم مرتبط بوضع آلية من أهم مضامينها إحداث مجلس للتنسيق من أجل مناهضة العنف ضد النساء،يضم كل القطاعات الحكومية الشريكة وكل المؤسسات من أجل المتابعة والتقييم لضمان وتمكين حقوق المرأة ومناهضة كل أشكال العنف،إضافة إلى وضع بروتوكول للتكفل تساهم فيه كل القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية المعنية.
الفقرة الثانية
دراسة وتقييم الإستراتيجيات الوطنية السابقة
لمكافحة العنف ضد المرأة
مما لاشك فيه أن المغرب من بين الدول الأولى التي أولت اهتماما خاصا بمناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء،تضافرت فيه جهود مختلف الفاعلين،من قطاعات حكومية وبرلمان وهيئات مدنية وشركاء دوليين ووسائل اعلام،حيث اتخذت،في مجال مناهضة العنف ضد النساء،مجموعة من التدابير والخطط والبرامج الوطنية التي تستهدف في مجموعها محاربة العنف ضد المرأة من أهم هذه البرامج والإستراتيجيات نذكر ما يلي:
أولا : الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء سنة 2002:
اعتمد المغرب،في إطار تفاعله مع السياق الوطني والدولي،لبناء الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء على التعريف الذي حدده اعلان الامم المتحدة بشان القضاء على العنف ضد النساء لسنة 1993،التي تشكلت كثمرة من ثمار مرحلة التدافع المجتمعي التي طبعت تناول ظاهرة العنف ضد النساء بداية التسعينات والتي دشنتها الحركات النسائية بإحداث أول المراكز للتكفل بالنساء ضحايا العنف سنة 1995 وإطلاق أول حملة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء سنة 1998 وما تلى ذلك من ترافع متعدد الاطراف ركز على رصد الوقائع والمعطيات الميدانية ومعاينة الحالات،حيث كان من بين المحددات الأساسية لهذه المرحلة دينامية المجتمع المدني وقوته الاقتراحية والترافعية .
من هذا المنطلق،ركزت الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء التي تم اعتمادها سنة 2002 على النهج الشمولي الذي يربط بين تدابير بناء سياسة عامة للدفع بدسترة المساواة وبين التدابير التربوية والتوعوية والتواصلية والتدابير المتعلقة بتنمية الموارد البشرية وتأهيلها .
كما اهتمت بالجوانب المرتبطة بالتكفل والمتابعة والبنيات والموارد المادية،وبتعزيز القوانين والتشريعات،وتلك المتعلقة بالبحث وتنمية الشراكة .
وبفضل هذا التدخل الاستراتيجي الذي ترجم سنة 2004 إلى مخطط عملي شامل،تحققت مجموعة من المبادرات أحدثت تغيرات مهمة على صعيد كل مجال من مجالات التدخل منها:
1) برنامج ” تمكين ” 2008 – 2012 :
شكل اطلاق البرنامج المتعدد القطاعات لمحاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي عن طريق تمكين النساء والفتيات ” تمكين ” 2008-2011 تجربة نموذجية من حيث الشراكة المتعددة الاطراف بين 13 قطاعا حكوميا وثماني وكالات لمنظومة الأمم المتحدة وأكثر من 40 جمعية مدنية،وكان من بين أهدافه الاستراتيجية تقديم خدمات التكفل للنساء والفتيات ضحايا العنف .لقد هدف برنامج ” تمكين ” الذي استهدف ست جهات من المملكة إلى حماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف،مع ربط ذلك بحالات الفقر والهشاشة،ودعم التقائية البرامج والمبادرات الوطنية والدولية في المجال،اضافة إلى تكثيف الجهود وضمان تناسقها باعتماد منهج مشترك لمكافحة الظاهرة عبر تمكين النساء والفتيات،وذلك في إطار دعم الجهود الوطنية لتسريع وثيرة بلوغ الاهداف الانمائية للألفية.وقد تضمنت أنشطة البرنامج إنجاز بحث وطني حول ظاهرة العنف ضد النساء،وإجراء بحث تشخيصي عن خدمات التكفل،والتنسيق بين المتدخلين،وكذا وضعية المراكز المتعددة الاختصاصات من أجل تحسين جودة التنسيق وتقديم الخدمات،اضافة إلى اعداد مشروع قانون لتجريم العنف الزوجي ومراجعة القانون الجنائي .
2) تقوية المنظومة المعرفية:
في إطار تقوية المنظومة المعرفية،تم احداث المنظومة المعلوماتية المؤسساتية للعنف المبني على النوع الاجتماعي كآلية مؤسساتية سنة 2007 بهدف تجميع مختلف البيانات والمعطيات الخاصة بالنساء والفتيات ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي على الصعيدين الجهوي والوطني،تعزز بإجراء البحث الوطني الاول حول العنف ضد النساء سنة 2009،الذي سعى إلى قياس مدى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع،وإلى تحديد نوع ومكان حدوثه،وخصائص النساء المعنفات ومرتكبي العنف،إضافة إلى قياس مدى لجوء النساء المعنفات للتبليغ عن الاعتداء لدى المصالح المختصة،وفي نفس الاطار انجزت سنة 2012،دراسة ميدانية حول إشراك الرجال والفتيان في مناهضة العنف ضد النساء كأرضية أولية لصياغة مخطط عمل مندمج للتحسيس بمناهضة العنف ضد النساء عن طريق اشراك الرجال والفتيان في مكافحة هذه الظاهرة .
كما حرص المغرب على تتبع الظاهرة من خلال إدراج مؤشرات نوعية في منظومته الاحصائية بخصوص واقع المساواة بين الجنين ومظاهر التمييز والعنف،ومن خلال إجراء أبحاث ومسوحات وطنية دورية وكذلك من خلال إحداث المرصد الوطني للعنف ضد النساء الذي أوكلت إليه مهمة رصد العنف ضد النساء بالاستناد إلى تشكيلة ثلاثية تضم ممثلين عن القطاعات الحكومية المعنية والجمعيات ومراكز البحث والدراسات بالجامعات.
ثانيا :رؤية استراتيجية جديدة في مجال مناهضة العنف ضد النساء سنة 2012:
بالنظر للمناخ الدستوري والحقوقي الجديد الذي يطبع الحركية المجتمعية المناصرة لقضايا النساء وحقوقهن،خاصة بعد إقرار دستور 2011،وأمام تزايد الاهتمام الحكومي والمجتمعي بقضية أصبحت مؤشراتها مقلقة وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية السلبية،وبعد 10 سنوات من اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء،كان لابد من استشراف رؤية استراتيجية جديدة في هذا المجال سنة 2012، من خلال إطلاق تقييم حكومي لإستراتيجية وخطة عمل مناهضة العنف ضد النساء بالمغرب،وتقويم وتطوير الإطار الإستراتيجي الذي تم العمل به منذ سنة 2003،والعمل على خلق نفس آخر في مجال مناهضة العنف ضد النساء أساسه توافق وتضافر كل الإرادات الحكومية والسياسية والمجتمعية .
وعلى هذا الأساس،وفي إطار تعزيز استجابة السياسات العمومية لاحتياجات النساء،وتفعيل التقائية العمل الحكومي،تم اعتماد الخطة الحكومية للمساواة ( إكرام ) في أفق المناصفة،وإنشاء مؤسسات للرصد والتقييم،منها المرصد الوطني لمحاربة العنف ضد النساء والمرصد الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام وتطوير منظومة الشراكة مع جمعيات المجتمع المدني وفي هذا السياق تم إطلاق خطتين حكوميتين للمساواة:
1) الخطة الوطنية للمساواة ( إكرام 1 ) 2012- 2016 :
والتي تضمنت في مجالها الأول تدابير ركزت على حماية النساء وتمكينهن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا،وأفردت مجالها الثاني لمناهضة جميع أشكال التمييز والعنف ضد النساء،كإطار استراتيجي جديد يوحد الرؤى والقوى الفاعلة في مجال مناهضة العنف ضد النساء حيث يرصد هذا المجال جهود القطاعات المعنية في محارة كل أشكال التمييز والعنف على المستويين القانوني والمؤسساتي من خلال العديد من الاجراءات الهادفة إلى تعزيز الترسانة القانونية والتنظيمية لحماية النساء ومحاربة التمييز،وتحسين المعرفة العلمية بهذه الظاهرة وإنشاء نظام التتبع والرصد،ودعم السياسة الوقائية من خلال التصدي لأسباب العنف الممارس ضد النساء والرفع من الوعي المجتمعي بمخاطر هذه الظاهرة وكذا تحسين التكفل بالنساء ضحايا العنف عن طريق تطوير مجموعة من الخدمات.
ونظرا لأهمية فهم الظاهرة وحجمها وطبيعتها على الصعيد الوطني،وأهمية توثيق وقياس هذا العنف من خلال توفير البيانات والإحصاءات الضرورية لوضع سياسات وبرامج عمومية واقعية وناجعة في هذا الشأن،أولت الحكومة المغربية أهمية بالغة لتطوير المعرفة بهذه الظاهرة عبر ارساء وتنويع مصادر المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع،وخلق اليات مؤسساتية للرصد،حيث تم إحداث المرصد الوطني للعنف ضد النساء سنة 2014 والذي يشكل خطوة مهمة لإعطاء عملية الرصد بعدا غنيا،سواء من ناحية تجميع المعطيات والمؤشرات أو على مستوى استثمارها في إعداد تقارير وخطط تميز بالموضوعية والاستهداف،كما تم إحداث المرصد الوطني لصورة المرأة في الاعلام سنة 2015 كآلية وطنية لرصد وتتبع صورة المرأة في مختلف الوسائط الاعلامية المكتوبة والسمعية والبصرية وجوابا مؤسساتيا لمطلب مجتمعي قوي لتحسين صورة المرأة في الاعلام .
2) الخطة الوطنية للمساواة ” إكرام 2 ” 2017- 2020 :
وتضمنت هذه الخطة أربع محاور موضوعاتية وثلاث محاور عرضانية.
وتتمثل المحاور الموضوعاتية في:1) تقوية فرص عمل النساء وتمكينهن اقتصاديا 2)وحقوق النساء في علاقتها بالأسرة 3) ومشاركة النساء في اتخاذ القرار 4) وحماية النساء وتعزيز حقوقهن.
أما المحاور العرضانية الثلاثة فتتمثل في:1)نشر مبادئ المساواة ومحاربة التمييز والصور النمطية المبنية على النوع الاجتماعي 2) إدماج النوع في جميع السياسات الحكومية 3) التنزيل الترابي لأهداف الخطة الحكومية إكرام 2.
وقد اعتمدت الخطة الحكومية للمساواة إكرام 2 على خمس مقاربات أساسية ومتكاملة لتحقيق المساواة بين الجنسين تتمثل في:
– المقاربة المبنية على حقوق الإنسان؛
– المقاربة المبنية على النوع الاجتماعي؛
– المقاربة الترابية والإدماج العرضاني ؛
– التدبري المبني على النتائج؛
– الديمقراطية التشاركية ؛
ومكنت هذه المقاربات الخمس مجتمعة،بأبعادها المتعددة ومستويات تعاطيها المتنوعة مع مختلف قضايا المساواة،من معالجة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الإنسان والمجال والتشاركية في البلورة والتنزيل.
كل هذه المجهودات والمبادرات الحكومية تشكل رصيدا وتراكما إيجابيا يتعين تثمينه وذلك بدراسة كل هذه البرامج والخطط الوطنية وتقييمها وفق نظام SWOT الذي يعمل على تحليل البيئة الداخلية للجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية باستخدام تحليل تحديد مواطن القوة/الضعف/التهديدات/الفرص،وتعد نتائج التحليل فرصة مواتية للتشبيك والتعاون في المشروعات والبرامج بين جميع الجهات المعنية،وكذلك التعرف على نقاط الضعف والعمل على التغلب عليه.
الفقرة الثالثة
الإطلاع ودراسة تقارير الجهات الوطنية
والاستئناس بالتجارب والممارسات الدولية الفضلى
في مجال مكافحة العنف ضد المرأة
بعد دراسة وتقيم البرامج والإستراتيجيات الوطنية التي راكمتها التجربة المغربية في مجال مكافحة العنف ضد المرأة لا بد من الاستفادة من ملاحظات وتقارير بعض المؤسسات الوطنية الرسمية وكذا تقارير منظمات المجتمع المدني باعتبارها أداة لرصد الانتهاكات والخروقات.
وفي هذا الصدد لا بد من الإطلاع و الاستعانة و الاستئناس بما يلي :
– الأخذ بعين الاعتبار المؤشرات الرقمية والإحصائية لظاهرة العنف ضد المرأة المتوفرة لدى وزارة العدل.
– الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتوفرة لدى الخلية المركزية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بوزارة العدل المحدثة سنة 2004 و الاستعانة بتقاريرها السنوية والتي تتضمن معطيات دقيقة وتوصيات مهمة لمكافحة العنف ضد المرأة باعتبارها قد راكمت تجربة عملية طويلة في هذا المجال.
– الأخذ بعين الاعتبار معطيات المندوبية السامية للتخطيط.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير وآراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف المحدثة بموجب المادة 11 من قانون رقم 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه المحدثة بموجب المادة السابعة من قانون رقم 27-14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر.
– الأخذ بعين الاعتبار تقارير المرصد الوطني للعنف ضد النساء المحدث سنة 2014،
– الأخذ بعين الاعتبار مخرجات وتوصيات إعلان مراكش لمناهضة العنف ضد النساء الصادر بتاريخ: 8 مارس 2020.
هذا من جهة،ومن جهة أخرى حبذا لو تم الإطلاع على التجارب والممارسات الفضلى على الصعيد الإقليمي والدولي التي تناولت قضية العنف ضد المرأة بهدف الوقوف على المحاور الرئيسية وآليات التدخل التي تناولتها مختلف هذه الممارسات والاستئناس بها لإعداد نموذج مغربي يراعي خصوصيات المجتمع المغربي.
الفقرة الرابعة
وضع وإعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء
وفتح مشاورات وطنية لتجويدها في أفق عرضه للمصادقة
بعد المرور بكل المراحل السابقة تكون اللجنة قد استجمعت كل المعطيات الرقمية الوطنية حول مؤشرات العنف ضد المرأة وتكونت لديها فكرة عامة وشاملة حول المجهود الوطني المتخذ لمكافحة هذه الظاهرة واطلعت على التجارب والممارسات الدولية الفضلى في هذا المجال،بعدها تنتقل إلى المرحلة المقبلة وهي مرحلة تحليل البيئة الداخلية للجهات المعنية بتنفيذ خطة العمل وفق نظام SWOT الذي يعمل على تحليل البيئة الداخلية للجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية باستخدام تحليل تحديد مواطن القوة/الضعف/التهديدات /الفرص،وتعد نتائج هذا التحليل فرصة مواتية للتشبيك والتعاون في المشروعات والبرامج بين جميع الجهات المعنية،وكذلك التعرف على نقاط الضعف والعمل على التغلب عليه.
ومن خلال تحليل البيئة الداخلية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة وفق نظام SWOT نستخلص بعض المعطيات التالية:
• أولا : عوامل القوة:
– وجود إرادة سياسية واضحة من جلالة الملك من خلال توجيهاته السامية ودعمه لمكافحة جميع أشكال العنف والتزام الدولة بذلك و ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان.
– وضوح السياسة الحكومية الداعمة لأنشطة مكافحة العنف ضد المرأة.
– صدور دستور 2011 متضمنا أكثر من مادة داعمة للمرأة وأكثر من مادة لمكافحة العنف ضد المرأة والاتجار بالبشر وإنشاء اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر و الوقاية منه .
– وجود خلايا للتكفل بالنساء ضحايا العنف في عدد من القطاعات الحكومية .
– وجود خلية وطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف .
– وجود خلايا جهوية وخلايا محلية منتشرة بكل محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بالمملكة.
– وجود آلية وطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه بعضوية عدد من الجهات الحكومية و منظمات المجتمع المدني.
– إدراج لفظ التحرش الجنسي لأول مرة في قانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد لنساء.
– الإسهام الفاعل لمختلف الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في صياغة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة بما يعزز النموذج التشاركي الوطني.
– وجود عدد من منظمات المجتمع المدني راكمت تجربة مكنتها من تشكيل تحالفات وائتلافات لمناهضة العنف ضد المرأة.
– وجود شركاء دوليين داعمين.
– وجود مراكز للاستماع والإنصات والإرشاد تابعة لوزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية والمساواة.
– وجود برامج تدريبية وكتيبات تتعلق بمجال التوعية بمناهضة العنف.
• ثانيا: عوامل الضعف:
– ضعف إدماج النوع الاجتماعي في الميزانية والسياسات العمومية.
– نقص الموارد المالية والبشرية المرصدة للبرامج الوطنية الموجهة للمرأة بشكل عام.
– ضعف التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وعدم وجود خطة عمل مشتركة للتشبيك.
– غياب قاعدة بيانات دقيقة لمؤشرات العنف ضد المرأة حسب أنواع العنف المختلفة يمكن الاعتماد عليها في تحليل الظاهرة.
– استمرار الاتجاهات والآراء المجتمعية النمطية السلبية تجاه مختلف القضايا التي تهم المرأة.
– عدم وجود خطة وطنية أمنية لوقاية المجتمع وحمايته من الاتجار بالبشر وضعف قدرات مؤسسات الدولة في مجال دعم ومساعدة الضحايا.
– قلة دور الإيواء الخاصة بالمرأة المعنفة وسوء توزيعها على المستوى الوطني والمجالي.
– عدم وجود قوانين رادعة تجرم حرمان المرأة من الحصول على الميراث (أراضي الجماعات السلالية مثلا).
– قلة عدد عناصر الشرطة النسائية وعدم تدريبهن بالشكل الفني المتخصص حول كيفية تلقي شكايات العنف وكيفية التعامل مع حالات العنف المختلفة.
– غياب المساعدين والمساعدات الاجتماعيات في المؤسسات التعليمية .
– الدور السلبي لبعض وسائل الإعلام والأعمال السينمائية في تقديم صورة مسيئة للمرأة.
– التزام المرأة المعنفة للصمت نتيجة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وخوفها من أن تجد نفسها بدون مأوى.
– غياب مجلس أعلى للمرأة يتولى وضع وتنفيذ السياسات العمومية المندمجة للنهوض بأوضاع المرأة المغربية.
• ثالثا: الفرص المواتية:
– تعهد رئيس الحكومية سنة 2017 بوضع استراتيجية لمكافحة أعمال العنف ضد النساء.
– التزام المملكة المغربية بتقديم التقارير الدورية للهيئات الدولية في مواعيدها المحددة بما يدفع لإحراز مزيد من التقدم وفاءا لالتزاماتها الدولية.
– الاستفادة من الخطط والبرامج والإستراتيجيات الوطنية السابقة المتخذة في مجال تمكين المرأة وحمايتها من العنف.
– وجود الخلية الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف .
– تواجد الخلايا الجهوية والمحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف بمختلف محاكم المملكة .
– تواجد خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف بالمصالح المركزية والمصالح الخارجية لقطاعات الصحة والشباب والمرأة والأمن الوطني والدرك الملكي.
– وجود قاعدة بيانات حول مؤشرات العنف ضد المرأة لدى عدد من الجهات الحكومية (وزارة العدل،رئاسة النيابة العامة،المندوبية السامية للتخطيط،وزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية والمساواة وغيرها).
– التشبيك مع مؤسسات وطنية وإقليمية ودولية داعمة تعمل في مجال مناهضة العنف ضد المرأة راكمت خبرات وتمتلك استراتيجيات في مجال مناهضة العنف والاستفادة منها بما يلائم خصوصية المجتمع المغربي.
– استغلال التطور التكنولوجي الهائل لمناهضة العنف من خلال الإبلاغ عن حالات العنف بمختلف أشكالها من خلال رسائل SMS مرتبطة ببرامج وتطبيقات GPS تتيح إمكانية تسجيل مكان العنف على خريطة المملكة لمعرفة أكثر المناطق التي تتعرض فيها المرأة للعنف وأوقاتها.
– تبني بعض الجهات الحكومية لقرارات داعمة لحقوق النساء (مثل قرارات وزارة الداخلية لتمكين المرأة من حقوقها في أراضي الجماعات السلالية واعتبارها من ذوي الحقوق شأنها في ذلك شأن الرجل).
– صدور قرارات عن محكمة النقض ومحاكم المملكة تدعم حقوق المرأة.
– اعتماد سياسة تعليمية تكرس ثقافة المساواة واحترام حقوق الإنسان وتوجه الدولة نحو إدخال تعديلات على المناهج الدراسية بمختلف مراحلها وتنقيحها من الصور النمطية عن المرأة.
– دعم إجراءات محاربة الإفلات من العقاب لمرتكبي العنف وحرية المرأة للولوج إلى دواليب العدالة.
– وجود اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه والتي تنكب على وضع آلية وطنية للإحالة وحماية ضحايا الاتجار بالبشر من النساء والأطفال.
– توجه وزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية والمساواة نحو تقييم دور الإيواء الخاصة بالنساء المعنفات وزيادة عددها والعمل على إعادة توزيعها بشكل جغرافي متوازن وعادل على مستوى التراب الوطني.
– اتجاه الدولة نحو تصحيح وتجديد الخطاب الديني والاستعانة بالأئمة والوعاظ والمرشدين الدينيين في عقد دروس دينية للتوعية بصحيح الدين في قضايا العنف والعلاقة بين الزوجيين والمفاهيم المغلوطة حول القوام والمرأة.
– تزايد نشاط منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة والتي يمكن أن تشكل جماعات ضغط للتأثير على صانعي القرارات وكسب المزيد من التأييد لقضايا المرأة.
• رابعا: التهديدات:
– ضعف الوعي بقضايا المرأة بشكل عام و قضايا العنف بمختلف أشكاله بشكل خاص.
– استمرار العادات والتقاليد والموروث الثقافي السلبي السائد فيما يخص المرأة.
– استمرار صمت الضحايا وتجبنهن الإبلاغ عن جرائم العنف الممارس ضدهن وتنازلهن عن حقهن في مقاضاة المعتدي خوفا من الفضيحة أو خوفا من فقدان المأوى.
– سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة في صفوف النساء وارتفاع عدد النساء المعيلات للأسر.
– عدم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال و استمرار الممارسات التمييزية.
– عدم وجود نصوص قانونية تلزم الجاني بالالتحاق بمراكز إعادة التأهيل الاجتماعي والمواكبة النفسية.
– بطء سير إجراءات التقاضي.
– انتشار تعاطي المخدرات واستعمالها بين الشباب.
– اعتبار العنف الأسري سلوكا عاديا و شأنا عائليا يتصل بالحياة الخاصة للأفراد مما يساهم في ترسيخ ثقافة الصمت تجاه ممارسات العنف المسلط على المرأة وعدم التبليغ عنها.
– ضعف الميزانيات المرصدة للتنمية خاصة في العالم القروي.
– استمرار ونقص المعلومات والبيانات المتعلقة بحالات العنف ضد المرأة.
– بزوغ مواضيع ذات أهمية بالغة على المستوى الدولي لم يتم لحد الساعة وضع خطط لتفادي آثارها على المرأة المغربية ونذكر بصفة خاصة ظاهرة الاتجار بالأشخاص خاصة الاتجار بالنساء وتهريب النساء واستغلالهن جنسيا.
– انتشار الجهل والأمية و سوء استخدام التكنولوجيات الحديثة.
الفرع الثاني
مقترحات حول محاور الإستراتيجية الوطنية
سبق أن قلنا أن أية استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة لا يمكن أن تكون ناجعة وفعالة ولن تحقق أهدافها إلا إذا ارتكزت على ثلاث محاور أساسية وهي :
1) الوقاية.
2) المتابعة أو الملاحقة.
3) الحماية أي حماية المرأة المعنفة.
وفي هذا السياق ينبغي أن تنكب الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة على تكريس هذا الثالوث وهو ما سنتناوله في فقرات ثلاث.
الفقرة الأولى
محور الوقاية من العنف ضد النساء
الوقاية من العنف خير من العلاج كما يقال،ولذلك حتى تحقق هذه الإستراتيجية هدفها الإستراتيجي العام وهو منع جميع أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي وبلوغ شعار:” نساء مغربيات آمنات يعشن في بيئة آمنة وعادلة مع أسرة موحدة وخالية من جميع أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي،متمكنات اقتصاديا،يمارسن حقوقهن الإنسانية التي تكفلها القوانين الداعمة ” ينبغي أن تتضمن الإستراتيجية أهدافا فرعية ثلاثة تتمثل في :
1) تمكين النساء والفتيات المغربيات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وبيئيا : من خلال تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع بتطبيق سياسات شاملة وخلق منظومة متكاملة للتعاون بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني تعمل على تغيير الصورة السلبية لدى المجتمع تجاه المرأة وتقضي تدريجياً على كافة المعوقات التي تحد من مشاركة النساء في الحياة العامة.
و في هذا السياق لابد من اعتماد معايير علمية دقيقة وإرساء آليات لتنفيذ الأهداف وتحديد المؤسسات المسئولة عن التنفيذ و وضع مؤشرات لقياس مدى نسبة التمكين وفق أرقام مضبوطة.
2) تعزيز نظام قاعدة بيانات مبنية على الأدلة حول النوع الاجتماعي:عن طريق إجراء مسح وطني ودراسات متخصصة و شاملة حول حالات العنف المبني على النوع وتعزيز الشراكات مع المؤسسات البحثية و الأكاديمية المهتمة بالموضوع وبناء قدرات الباحثين في مجال منع العنف التخفيف منه.
3) توفير بيئة حامية للنساء والفتيات:عن طريق إصلاح ومراجعة التشريعات والقوانين الجاري بها العمل بما يضمن عدم التمييز القائم على النوع الاجتماعي،وتنمية الوعي العام وتصحيح الخطاب الديني وتغيير الثقافة الشعبية السائدة من خلال برامج التوعية والتعليم والتدريب،مراجعة وتنقيح السياسات والممارسات التي تحض على العنف ضد المرأة وتطوير واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات و وسائل الإعلام لنبذ ومكافحة العنف.
الفقرة الثانية
محور المتابعة أو الملاحقة
إن نجاح أية استراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة رهين بمحاربة إفلات مرتكبي العنف ضد المرأة من العقاب واتخاذ سياسة جنائية واضحة المعالم وفي هذا السياق ينبغي التنويه بوجود سياسة جنائية وطنية واضحة المعالم تستهدف تجريم جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات وزجر مرتكبيها من خلال نصوص القانون الجنائي التي تجرم مختلف أشكال العنف ضد النساء والفتيات والقوانين الخاصة لاسيما قانون رقم:103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء وقانون رقم:27 – 14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر كل هذه النصوص الجنائية حددت مجموعة من الأفعال المجرمة وأفردت لها عقوبات حسب خطورة كل فعل من الأفعال.
وكما هو معلوم أن السياسة الجنائية يضعها المشرع ويتولى تنفيذها السيد رئيس النيابة العامة .
وفي هذا السياق فقد أعطى السيد رئيس النيابة العامة عناية خاصة لموضوع العنف ضد المرأة و اعتبرها أولوية الأولويات بحيث أصدر عدة دوريات ومناشير وبلغها لكافة قضاة النيابة العامة بمحاكم المملكة والتي تتضمن توجيهات وتعليمات صارمة لقضاة النيابة العامة بتوفير الحماية للنساء من الاعتداءات الجسدية والجنسية وفتح الأبحاث وتحريك المتابعات والسهر على التكفل بالنساء المعنفات واستقبالهن من طرف خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف المتواجدة بالنيابات العامة.
ومن أهم هذه الدوريات والمناشير نذكر:
– المنشور رقم :1 الصادر بتاريخ:07/01/2017 .
– الدورية رقم:18 س/ر ن ع الصادرة بتاريخ:27/03/2018 حول اتفاقية شراكة وتعاون مع الاتحاد الوطني لنساء المغرب.
– منشور رقم:20 س/ر ن ع الصادر بتاريخ:29/03/2018 حول زواج القاصر.
– منشور رقم:31 س/ر ن ع الصادر بتاريخ:28/06/2018 حول قانون محاربة العنف ضد النساء.
– الدورية عدد: 32 س/ر ن ع الصادرة بتاريخ:03/07/2018 حول حماية ضحايا الاتجار بالبشر .
– منشور رقم:48 س /ر ن ع الصادر بتاريخ:06/12/2018 حول الحماية الخاصة للأفراد في ظل قانون رقم:103.13.
– الدورية رقم:08 س/ر ن ع الصادرة بتاريخ:11/02/2019 حول الأطفال في وضعية صعبة.
– الدورية رقم:40 س/ر ن ع الصادرة بتاريخ:01/10/2019 حول إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب.
– الدورية رقم:44 س/ر ن ع الصادرة بتاريخ:16/10/2019 حول الآليات الوطنية المحدثة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتعزيز حماية حقوق الإنسان.
– منشور رقم:46 س/ر ن ع الصادر بتاريخ:04/11/2019 حول ملائمة الخلايا واللجان المحلية والجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف.
– الدورية عدد:49 س/ر ن ع الصادرة بتاريخ:19/11/2019 حول تقصي المصلحة الفضلى للأطفال في تماس مع القانون.
– الدورية عدد:47 س/ر ن ع الصادرة بتاريخ:09/12/2020 حول إطلاق برنامج تعزيز قدرات قضاة النيابة العامة في مجال حقوق الإنسان.
كما خضع قضاة النيابة العامة لعدة دورات تكوينية بإشراف من السيد رئيس النيابة العامة وبالشراكة مع العديد مع عدد من المنظمات الدولية خاصة مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين واليونيسيف وغيرها لتعزيز قدرات النيابة العامة والإطلاع على التجارب والممارسات الفضلى في مجال مكافحة العنف ضد النساء والاتجار بالبشر وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي والجرائم المعلوماتية والجريمة المنظمة العابرة للحدود والتعاون القضائي الدولي في هذا المجال.وفي هذا السياق أصدر السيد رئيس النيابة العامة مؤخرا دورية أطلق فيها برنامج متكامل لتعزيز قدرات قضاة النيابة العامة في مجال حقوق الإنسان اعتبارا للدور الأساسي الذي يقوم به قضاة النيابة العامة في حماية الحقوق وتعزيز الحريات الفردية والجماعية وضمان المحاكمة العادلة،ويتكون هذا البرنامج الذي سيستفيد منه كافة قضاة النيابة العامة بالمملكة من جزأين سيتم تنفيذهما في مرحلتين،ويستهدف الجزء الأول في المرحلة الأولى تمكين قضاة النيابة العامة من اكتساب معرفة عامة حول مكونات القانون الدولي لحقوق الانسان ولاسيما آليات هذا القانون والهيئات المحدثة لمراقبة تنفيذه في إطار نظام الأمم المتحدة مع استحضار الممارسة الاتفاقية للمملكة المغربية والتزاماتها في هذا الشأن ودور قضاة النيابة العامة في إعمال المعايير الدولية ذات الصلة بالموضوع.بينما يتوخى الجزء الثاني الذي سيتم تنفيذه لاحقا في مرحلة ثانية تناول مجموعة من المواضيع في مجال حقوق الانسان ذات صلة وثيقة باختصاصات و مهام قضاة النيابة العامة .
ومن أجل تمكين النساء المعنفات من الولوج إلى العدالة الجنائية لتقديم الشكاوى أعطى السيد رئيس النيابة العامة تعليماته لكافة قضاة النيابة العامة بضرورة التكفل بالنساء ضحايا العنف من خلال خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف المنتشرة بكافة محاكم المملكة منذ إحداثها سنة 2004 بدءا من استقبال الضحية من طرف المساعدة الاجتماعية وتمكينها من الدعم النفسي والقانوني وتمكينها من الخدمات العلاجية وتوجيهها إلى الضابطة القضائية ومواصلة الأبحاث وتتبعها إلى حين تحريك المتابعات وتتبع الدعاوى العمومية من بدايتها وتقديم الملتمسات المفيدة أثناء الجلسات إلى حين صدور الأحكام النهائية .كما تم في سياق مكافحة جائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية المعلنة ومن أجل تمكين النساء والفتيات المعنفة من الإبلاغ وتقديم الشكاوى الفردية تم وضع منصة إلكترونية على مستوى رئاسة النيابة العامة خاصة بالتبليغ عن حالات العنف والتي تتم معالجتها وتوجيهها للنيابة العامة المختصة لأرجأتها كما تم وضع أرقام الفاكس والبريد الإلكتروني خاصة بجميع النيابات العامة رهن إشارة العموم من أجل التبليغ عن حالات العنف ضد النساء.
كل هذه المعطيات تؤكد أن النيابة العامة تقوم بدور مهم ومجهود جبار ومشهود في مكافحة جميع أشكال العنف الممارس ضد النساء،ومن أجل دعم هذه المجهودات لا بد لمشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة أن يتخذ تدابير مواكبة تتمثل في ما يلي:
– دعم الخلايا الجهوية والمحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف بالموارد المالية والبشرية وبالأخصائيين النفسيين .
– دعم الخلية الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف.
– دعم اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه.
– إحداث آلية وطنية للإحاطة بالمرأة المعنفة وذلك من خلال التشبيك عن طريق إحداث شبكة وطنية للمبلغين منتشرة بكافة ربوع التراب الوطني بحالات العنف ضد المرأة.
هذا من جهة،ومن جهة أخرى يتعين دعم منظومة الإثبات خاصة في مجال جـرائم العنف الأسري،
وفي هذا السياق لابد من إجراء تعديلات تشريعية بما يتلاءم مع توصيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والذي أوصي بأن تعد الدول أدلة توجيهية حول الأدلة واجبة القبول في المحكمة في قضايا العنف الأسري تشمل أدلة طبية/طب شرعي،وأقوال الضحايا،وأدلة فوتوغرافية،وشهادات خبراء،وأدلة مادية مثل الملابس الممزقة أو الممتلكات المُتلفة،وسجلات الهواتف الخلوية،وسجلات مكالمات الطوارئ،وغيرها من الاتصالات. كما أوصى بأن تنص القوانين أيضا على أن شهادة المشتكية قد تكفي وحدها كدليل للإدانة وبضمان أن الإعاقة الذهنية أو النفسية أو الاجتماعية للضحية/الناجية لا يمكن أن تُستغل كمبرر لعدم الأخذ بشهادتها أو التقليل من قيمتها الثبوتية.
كما ينص دليل الأمم المتحدة على “عدم اشتراط وجود أدلة طبية وأدلة طبية شرعية لإدانة الجاني”، مع إمكانية استناد الملاحقة القضائية وإدانة الجاني ” بالاعتماد حصرا على شهادة الشاكية/الناجية “. وهذا أمر مهم لأن هذه الاعتداءات غالبا ما تقع في البيوت وراء أبواب مغلقة،حيث لا يوجد في العادة شهود باستثناء الأطفال الذين لا يمكنهم تقديم شهادات.كما أنه يحدث أحيانا تأخير قبل تمكّن الضحية من الشكوى،مما قد يؤثر على توفر و جمع الأدلة. في حين يجب ألا يكون المعيار هو كفاية شهادة الضحية دائما دون غيرها من الأدلة،فلابد أن تتاح للمحاكم إنزال أحكام إدانة فقط بناء على شهادات تتمتع بالمصداقية من الضحايا،بما يتسق مع معايير سلامة الإجراءات القانونية في القانون الدولي لحقوق الإنسان،ومع اشتراطات الحد الأدنى للأدلة بموجب القانون الوطني،فيما يخص الوصول لحُكم بالإدانة.
وفي مجال دعم وسائل الإثبات في جرائم العنف ضد النساء اتجه القضاء المغربي إلى التمييز بين حالتين:
1) حالة تصريحات الضحية المجردة وغير المدعمة بحجج وقرائن أخرى تعضدها:
فبخصوص تصريحات الضحية المجردة أكدت محكمة النقض على أنه:
“لما اعتمدت المحكمة في إدانتها للطاعن على مجرد تصريحات الضحية دون أن تبني قناعتها بالإدانة على وسائل ثبوتية كافية ومحددة قانونا لا تثير في دلالتها أي لبس أو غموض أو احتمال يكون ناقص التعليل الموازي لانعدامه.”
وفي قرار آخر لمحكمة النقض أبطلت فيه قرارا جنائيا أصدرته محكمة الاستئناف بورزازات كان قد أيد قرارا جنائيا ابتدائيا قضى بالإدانة استنادا إلى تصريحات مجردة للضحية حيث جاء فيه:
“حيث إن القرار الابتدائي المؤيد بالقرار المطعون فيه قضى بإدانة الطاعن من أجل جنحة هتك عرض قاصر دون عنف استنادا إلى مجرد أقوال القاصر بأن المعني بالأمر نزع سرواله و أولج ذكره بدبره دون تعزيز هذه الأقوال بأي دليل أو وسيلة إثبات مقبولة،وبذلك يكون القرار المطعون فيه غير مرتكز على أساس و غير معلل تعليلا كافيا،مما يعرضه للنقض والإبطال.”
و في قرار مهم ذهبت محكمة النقض إلى التأكيد على أنه ليس هناك في قانون المسطرة الجنائية ما يمنع الشاهد من الإدلاء بشهادته حتى لو كان نفسه ضحية الفعل الجرمي موضوع الدعوى الجارية و جاء فيه:
“وحيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بتأييدها للقرار المستأنف تكون قد تبنت علله وأسبابه وأن هذا الأخير قضى ببراءة المطلوبين في النقض من المنسوب إليهم اعتمد في ذلك على إنكارهم المتواتر وخلو الملف مما يفيد ذلك والحال أن المحكمة الزجرية تكون ملزمة بتقدير مضمون أقوال الشهود وليس لها استبعاد شهادة أدلي بها بصفة قانونية إلا لأسباب قانونية مقبولة ومستساغة،وأنه ليس هناك في قانون المسطرة الجنائية ما يمنع الشاهد من الإدلاء بشهادته حتى لو كان نفسه ضحية الفعل الجرمي موضوع الدعوى الجارية،والمحكمة باستبعادها لشهادة الضحية والشاهد قبوري لحسن للعلة المذكورة تكون قد أساءت تطبيق القانون وأضفت على قرارها عيب نقصان التعليل الموازي لانعدامه وهو ما يعرضه للنقض والإبطال .”
فالضحية الذي لم ينتصب مطالبا بالحق المدني يجوز الاستماع إليه كشاهد بعد أدائه اليمين القانونية غير أنه ينبغي أخذها بحذر باعتبارها قرينة لا تكون فاعلة في الإثبات إلا عند وجود ما يعضدها استحضارا لمبدأ الأصل في الإنسان هو البراءة عند إنكار المتهم وغياب دليل إثبات ضده وفي هذا الصدد ورد في قرار لمحكمة النقض على أن:
“المطالب بالحق المدني طرف في الدعوى المدنية التابعة وبذلك فلا حاجة لإخراجه من القاعة المعدة للشهود ولا اعتباره شاهدا وإلزامه بأداء يمين الشهادة.”
وفي قرار آخر جاء فيه:
” لا يمنع القانون الاستماع إلى الضحية بصفته شاهدا شريطة أداءه اليمين القانونية،وللمحكمة أن تأخذ بشهادته متى اطمأنت لفحواها أو تطرحها لتعليل سائغ،والشاهد الذي تستمع إليه المحكمة بهذه الصفة لا يجوز له بعد ذلك أن ينتصب أمامها للمطالب بالحق المدني،علما أن الأولوية تبقى لصفته كشاهد لا تخوله الانتصاب كطرف مدني.” لأنه: ” ليس للمحكمة أن تعتمد شهادة الضحية بعد أدائها اليمين القانونية في حين تم قبول تنصيبها كمطالبة بالحق المدني،ولا بد من تعزيزه تصريحات الضحية بقرائن قوية و منضبطة”
2) حالة تصريحات الضحية المنتصبة طرفا مدنيا:
أما فيما يتعلق بتصريحات الضحية المنتصبة كمطالبة بالحق المدني فنجد أن المطالب بالحق المدني لم يرد ضمن الحالات التي استثناها المشرع من أداء اليمين القانونية قبل أداء الشهادة ذلك أن المادتين 123 و 332 من قانون المسطرة الجنائية قد حددتها في أصول المتهم وفروعه وزوجه،وفي اجتهاد لمحكمة النقض قضى على أن:
“قانون المسطرة الجنائية قد حدد الأشخاص الذين يقع إعفاؤهم من اليمين،و لم يجعل من ضمنهم الشاهد المطالب بالحق المدني،والمحكمة بسماعها الشاهدة الضحية،وإعفاؤها من أداءها لليمين القانونية لكونها مطالبة بالحق المدني،تكون قد أخلت بما يتطلبه الفصل 332 وعرضت قرارها للنقض والإبطال .”
و في قرار آخر لمحكمة النقض جاء فيه:
“ليس للمحكمة أن تعتمد شهادة الضحية بعد أدائها لليمين القانونية في حين تم قبول تنصيبها كمطالبة بالحق المدني،ولا بد من تعزيز تصريحاتها بقرائن قوية ومنضبطة .” .
كما أن القضاء المغربي يسير في اتجاه حماية المرأة المتزوجة من الاغتصاب الزوجي وفي هذا السياق قضى القضاء المغربي في أول سابقة من نوعها بكون الاغتصاب الزوجي هو إقدام الزوج على معاشرة زوجته بدون رضاها وباستخدام الإكراه ولا يقصد بالإكراه هنا الإكراه المادي فقط والمتمثل في استخدام القوة الجسدية من أجل إجبار الزوجة على المعاشرة الجنسية بل أيضا الإكراه المعنوي المتمثل في الابتزاز والتهديد وكذا ممارسة الجنس بطرق وأساليب من شأنها تهين المرأة وتحط من كرامتها.واعتبر أن المشرع المغربي في تعريفه للاغتصاب بأنه مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها دون أن يحدد المقصود بالمرأة،وعبارة امرأة تطلق على أي امرأة و المشرع لم يستثن المرأة المتزوجة وعليه يفهم من ذلك أن المرأة المتزوجة بدورها يسري عليها هذا النص.
كما أنه في إطار تعزيز الحماية الجنائية للقاصر ضحية العنف الجنسي أصدرت محكمة النقض قرارا وصف بالمبدئي والذي اعتبر عنصر الرضا عنصرا منعدما عند وجود ضحية قاصر حيث جاء في تعليلاته :
“بأن الفتاة قاصرة ولا إرادة لها،وأن الاستدراج شكل عنفا معنويا جعلها تحت رحمة المتهم ودفعها إلى مسايرة أسئلته وحركاته على جسمها دون أدنى مقاومة” .
وهكذا أسس هذا القرار المبدئي لمحكمة النقض لموقف قضائي جديد وغير مسبوق بخصوص قضايا الاعتداء الجنسي التي تطال الأطفال وتنتهك براءتهم،حيث اعتبر العنف عنصرا مفترضا في هذا النوع من القضايا وأخذ بالعنف المعنوي ولم يشترط العنف المادي.كما قلب عبء الاثبات معتمدا على القرائن،وعلى تفصيل الاعتراف إذ اعتمد هذا القرار على اعتراف المتهم باصطحابه المتكرر للطفلة إلى منزله،واعترافه بكونه كان يقوم بتقبيلها أحيانا،كقرينة على وجود واقعة استدراج الطفلة باستعمال التدليس وهتك عرضها بالعنف.
ومن أجل تعزيز عدم إفلات مرتكبي العنف ضد النساء والفتيات من العقاب ودعم محور المتابعة أو الملاحقة في حق الجناة يتعين على الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة أن تأخذ بعين الاعتبار بعض الملاحظات الصادرة عن بعض المنظمات الدولية في هذا المجال لتحسين فعالية التحقيق والمتابعة في جرائم العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي على المستويات الثلاث:1) التحقيقات الأولية 2) المتابعة الجنائية 3) المحاكمة وذلك لعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها .
الــفــقـــرة الــثــالــثــــة
محور الحماية
تعتبر آلية حماية النساء والفتيات ضحايا العنف آلية مهمة وأساسية للتصدي للعنف المبني على النوع الاجتماعي ويصف دليل الأمم المتحدة تدابير الحماية بأنها:”من بين سبل الانتصاف القانونية الأكثر فاعلية المتاحة للشاكيات/الناجيات من العنف ضد المرأة .” كما أشارت المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة بأنه:”أمر الحماية الذي يحظر على مرتكب الفعل الاتصال بالضحية ويحمي منزلها وأسرتها من مرتكب العنف إنما هو سلاح هام ضمن مجموعة من الأسلحة المستخدمة لمكافحة العنف المنزلي” وتدعو الإستراتيجيات النموذجية و التدابير العملية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأطراف إلى :”وضع إجراءات فعالة يسهل الاستعانة بها لإصدار أوامر تقييد أو منع لحماية النساء وغيرهن من ضحايا العنف ولضمان عدم تحميل الضحايا مسؤولية أية مخالفة لهذا الأمر ” .
وفي هذه السياق تلعب النيابة العامة دورا مهما في توفير الحماية للضحايا من النساء و الفتيات المعنفات منها ما يدخل في إطار قانون رقم:37-10 المتعلق بحماية الضحايا والشهود والمبلغين إذا تعلق الأمر بضحية من ضحايا الاتجار بالبشر أو في إطار مقتضيات قانون رقم:103/13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء خاصة التدابير النصوص عليها في المادة الخامسة منه والتي تممت الفصل 88-3 من القانون الجنائي والتي نصت على أنه : ” يجوز للنيابة العامة أو لقاضي التحقيق،أو للمحكمة عند الاقتضاء أو بطلب من الضحية في حالة المتابعة من أجل الجرائم المشار إليها في الفصل 1- 88 أعلاه،الأمر بمنع الشخص المتابع من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها،أو التواصل معها بأي وسيلة،ويبقى هذا الأمر ساريا إلى حين بت المحكمة في القضية.”
ومنها ما يدخل في إطار تدابير الحماية المنصوص عليها في المادتين 510 و 511 من قانون المسطرة الجنائية إذا تعلق الأمر بفتاة قاصر ضحية جناية أو جنحة.وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى بعض الإحصائيات الرسمية التي توضح مؤشرات تدابير حماية ضحايا العنف ضد النساء المتخذة من طرف النيابات العامة سنة 2018 والتي جاءت كما يلي:
نوع التدبير الحمائي |
الاستماع بالخلية |
التوجيه | التوجيه للإيواء |
المساعدة القانونية |
منع المشتبه فيه من الاتصال بالضحية |
مساعدات أخرى |
عدد المستفيدين |
18 | 08 | 03 | 85 | 05 | 17 |
المجموع | 136 |
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في القضاء المغربي منذ دخول قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بالمغرب حيز التنفيذ،أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة حكما أمر بتطبيق تدبير المنع بالاتصال بالضحية القاصر التي تعرضت للتحرش الجنسي كإحدى أهم تدابير الحماية الجديدة التي أقرها القانون الجديد معللة حكمها بما يلي:
“نظرا للآثار السيئة للفعل الذي أدانت من أجله المتهم على الضحية القاصرة،سيما أن هامش الفرق في العمر بينهما هو 28 سنة،فإنها قررت منعه من الاتصال بها أو التواصل معها بشكل نهائي” .
وفي مجال إعمال تدابير الحماية من قبل القضاء المغربي في مجال العنف الزوجي نجد بعض الاجتهادات القضائية والتي رغم قلتها وحداثة قانون رقم:103-13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء فإنها تعتبر اجتهادات إيجابية ونوعية،وفي هذا الصدد نورد حكما صادرا عن المحكمة الابتدائية بوجدة قضى بإيداع متهم في قضية عنف زوجي بمؤسسة للعلاج النفس حيث جاء في إحدى حيثياته :
“وحيث إنه بمقتضى الفصل 1-88 في البند الثالث منه كما وقع تتميمه بالقانون رقم 103.13،فإن المحكمة في حالة الحكم بالإدانة من أجل جرائم العنف ضد المرأة يمكن لها الحكم بخضوع المحكوم عليه،لعلاج نفسي ملائم لمدة لا تتجاوز خمس سنوات ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة المحكوم بها عليه أو من تاريخ صدور المقرر القضائي،إذا كانت العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها موقوفة التنفيذ أو غرامة أو عقوبة بديلة؛وحيث إن المحكمة ارتأت الحكم بخضوع المتهم لعلاج نفسي على يد طبيب متخصص وذلك لمدة ستة (6) أشهر”
وفي قرار آخر صادرا عن محكمة الاستئناف بتازة بتاريخ:10/10/2019 يتعلق بإحدى قضايا العنف الزوجي،لا يقل أهمية عن سابقه جمع بين تدبيرين للحماية،الأول يتعلق بمنع الاتصال بالضحية والاقتراب منها،والثاني قررت من خلاله إخضاع المحكوم عليه للعلاج النفسي جاء في تعليلاته:
” وحيث تبين أن الضحية تنازلت للمتهم بتاريخ 4 فبراير 2019 للحفاظ على بيت الزوجية ثم عادت وتراجعت عن تنازلها بتاريخ 11/2/2019 نظرا لمعاودته تعنيفها وتهديدها لها وعائلتها بالقتل والتصفية الجسدية؛وحيث تداولت المحكمة وقررت منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية او الاقتراب من مكان تواجدها أو التواصل معها لأي وسيلة لمدة سنة من تاريخ تبليغه هذا القرار…
وحيث تداولت المحكمة وقررت خضوع المحكوم عليه خلال مدة سنة لعلاج نفسي ملائم على تدبير الغضب وحسن التواصل ونبذ العنف،وينفذ هذا التدبير فور توصله بهذا القرار بالرغم من استعمال أي طريق من طرق الطعن؛وحيث إنه على الطبيب المعالج اعداد تقرير عن تطور حالة المحكوم عليه بالخضوع للعلاج كل ثلاثة أشهر على الأقل ويوجهه إلى قاضي تطبيق العقوبات،للتأكد من تحسن سلوكه وتفادي عودته إلى نفس الأفعال التي أدين من أجلها،وإذا استقر رأي الطبيب المعالج على إنهاء هذا التدبير قبل الوقت المحدد له فإنه يخطر قاضي تطبيق العقوبات بواسطة تقرير مفصل يبرر ذلك.ويجب إشعار الضحية بتقرير الطبيب المعالج بقرار القاضي المكلف بتطبيق العقوبات الكل على نفقة المتهم.”
كل هذه الاجتهادات القضائية تؤكد مساهمة القضاء المغربي في تعزيز حماية النساء و الفتيات المعنفات.
ومن أجل مواكبة وتعزيز دور النيابة العامة وقضاء الحكم في مجال اتخاذ تدابير لحماية المرأة المعنفة لا بد أن تتجه الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة إلى اتخاذ التدابير التالية:
– تفعيل وتطوير التشريعات والقوانين الوطنية المناهضة للعنف ضد المرأة على ضوء المقتضيات الدستورية وإصدار تشريع متكامل يتناول كل صور العنف الموجهة ضد النساء والفتيات لضمان القضاء عليها بشكل يتلاءم مع الملاحظات الصادرة عن بعض المنظمات الدولية المعنية .
– تعزيز تنفيذ القوانين من خلال تطوير آليات التنسيق بين كافة المتدخلين الحكوميين وغير الحكوميين وإرساء نظام الإحالة الوطنية لحماية الضحايا من النساء والفتيات المعنفات.
– التوعية بالقوانين السارية وتبسيط الإجراءات وتيسير ولوج المرأة المعنفة للخدمات القانون بالسرعة المطلوبة.
– خلق بيئة مناسبة للنساء المعنفات للتبليغ عن حوادث العنف من خلال الاستعانة بآلية التشبيك المتوفرة لدى الخلية الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف واللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه.
– دعم برامج الحماية والمساعدة لفائدة الضحايا.
وينبغي في هذا السياق أن تتجه التدخلات إلى ما يلي :
– توفير خدمات الدعم الصحي والنفسي والمشورة للنساء المعنفات.
– تطوير برامج العلاج والتأهيل لمرتكبي العنف ضد النساء.
– توفير مراكز إيواء النساء والفتيات المعنفات.
– إنشاء وتوزيع نطاق خدمات الرعاية الصحية والمساعدة القانونية ومراكز النصح والإرشاد والمشورة الطبية والنفسية والخطوط الساخنة .
– توفير الدعم الاقتصادي للمرأة المعنفة.
– إحداث صندوق خاص لتعويض ضحايا جرائم الاتجار بالبشر على غرار بعض الأنظمة المقارنة انسجاما مع بروتوكول منع وقمع الاتجار بالبشر وبخاصة النساء والأطفال لسنة 2000 الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة المنظمة عبر الوطنية اللتين صادقت عليهما المملكة المغربية.
خـــــــــــــاتـــــمــــــة
تلكم هي بعض الملاحظات التي تم بسطها والمنبثقة أساسا من تكويننا الأكاديمي ومن تجربتنا العملية التي تمت مراكمتها عملا وممارسة خلال عقدين من الزمن على مستوى خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف ومن خلال مشاركتنا في العديد من الدورات التكوينية والندوات الوطنية والدولية المتعلقة بالعنف المبني على النوع والقانون الدولي لحقوق الإنسان والاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين وقانون اللجوء والجريمة المنظمة و التعاون القضائي الدولي.
هذه الملاحظات طبعا لا تنقص من قيمة مشروع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء 2020-2030 وفق الصيغة التي عرضت علينا وهدفنا من هذه الدراسة هو تجويد هذا المشروع/الورش المجتمعي الهام وإخراجه في حلة أكثر تجسيدا لمنظومة حماية النساء والفتيات من العنف المبني على النوع الاجتماعي في أفق تحقيق شعار :
” نساء مغربيات آمنات يعشن في بيئة آمنة وعادلة مع أسرة موحدة وخالية من جميع أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي،متمكنات اقتصاديا،يمارسن حقوقهن الإنسانية التي تكفلها القوانين الداعمة ” .
لائحة المراجع المعتمدة في إعداد هذا البحث:
1) مراجع عامة :
– يوسف ميخائي أسعد:البشرية والمستقبل الغامض،نهضة مصر للطباعة و النشر،القاهرة،سنة 1993.
– إسماعيل بلكبير:منظومة مناهضة العنف ضد النساء في المغرب:المحددات والتحديات،مقال منشور بمجلة جيل حقوق الإنسان ،منشورات مركز جيل البحث العلمي – طرابلس لبنان،العدد 28 ،مارس 2018.
2) مراجع خاصة :
– الدكتور محمد عبد النباوي:السياسة الجنائية بالمغرب،مقال منشور بمجلة محاكمة،العدد 14،السنة 12 ،فبراير-أبريل 2018 ،الصفحة :11 وما يليها.
– ورقة حول زواج القاصر،وزارة العدل والحريات بالمغرب:الموقع الإلكتروني للوزارة :www.justice.gov.ma.
– المختار العيادي:الحجر الصحي للمصابين بأمراض معدية في سياق مكافحة جائحة كورونا :الإطار القانوني –الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الجائحة-علاقة التدابير المتخذة بمنظومة حقوق الإنسان:مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال،العدد 51 عدد خاص بكورونا 2020.
– المختار العيادي:خلايا التكفل بالنساء و الأطفال ضحايا العنف كمظهر من مظاهر الحماية الجنائية للأسرة ،مقال منشور بعدد من المجلات الإلكترونية منها: https://www.bladionline.com.
– الإطار الإستراتيجي لمناهضة العنف ضد النساء،وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية والأسرة،مطبعة :AZ Editions أكدال-الرباط.
– الخطة الحكومية للمساواة ” إكرام 2 ” 2017-2021 ،منشورات وزارة الأسرة و التضامن و التنمية الاجتماعية و الأسرة .
– تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2017 ،التقرير الأول -2017.
– تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2018 ،التقرير الثاني،الصفحة 212 وما بعدها.
– مجلة المرافعة عدد:14 و 15 .
– مجلة رابطة القضاة،العدد المزدوج 20-21 ،
– المجلة المغربية لنادي قضاة الدار البيضاء ، العدد1، دجنبر 2012،
– مجلة المحاكم المغربية،عدد:23.
– مجلة نادي قضاة الدار البيضاء،العدد الأول،السنة 2012.
– مجلة مغرب القانون الإلكترونية على الرابط الإلكتروني للمجلة المذكورة التالي: https://www.maroclaw.com/wp-content/uploads/2018/12/head-logo.png.
– المفكرة القانونية على الرابط الإلكتروني التالي: https://legal-agenda.com .
3) تقارير صادرة عن منظمات دولية و وطنية:
– تقرير أهداف التنمية المستدامة المنبثق عن هيئة الأمم المتحدة لسنة الصادر سنة 2017 بنيويورك والمعروفة رسميا باسم تحويل عالمنا (جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة).
– تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) حول وضع المرأة العربية لعام 2017 ،منشورات هيئة الأمم المتحدة –بيروت 2017.
– استراتيجيات نموذجية وتدابير عملية للقضاء على العنف ضد المرأة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم:86/52 المؤرخ في 12 دجنبر 1997.
– دليل التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة،منشورات هيئة الأمم المتحدة ،نيويورك 2010 على الرابط الإلكتروني: daw/womenwatch/org.un.w.
– المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة،إدماج حقوق الإنسان للمرأة و المنظور الذي يراعي نوع الجنس،وثيقة الأمم المتحدة رقم:E/CN.4/2003/75 الصادرة بتاريخ:06/01/2003.
– تقرير اللجنة الدولية للحقوقيين بجنيف icj في تقريرها:المغرب:ضمان فعالية التحقيق المتابعة الجنائية في جرائم العنف الجنسي والجندري،دجنبر 2017 .
– رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي:ما العمل أمام استمرار تزويج الطفلات بالمغرب،الإحالة الذاتية رقم:41/2019.
– التقرير السنوي عن حالة حقوق الانسان بالمغرب لسنة 2019 الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مارس 2020.
4) ممارسات واستراتيجيات فضلى دولية وعربية لمكافحة العنف ضد النساء :
– الإســـتـراتيجيات النموذجية والتدابير العملية للقضاء على العنف ضد النساء و الفتيات في مجال منع الجريمة و العدالة الجنائية 2010 المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 52/86 المؤرخ في 12 /12/ 1997.
– الإســـتـــراتيجية الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي 2014-2020.
– الإســتــراتيجية الــعــربية لمناهضة العنف ضد المرأة-حق المرأة في حياة خالية من العنف 2011-2020 :إعداد هيفاء أبو غزالة،منشورات منظمة المرأة العربية،القاهرة-مصر،الطبعة الأولى 2011.
– الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 :الرؤية ومحاور العمل،المجلس القومي للمرأة ،مدينة نصر،الطبعة الأولى،مارس 2017 .
– الإســتـــراتيجية المصرية لمكافحة العنف ضد المرأة 2015-2020،المجلس القومي للمرأة،الطبعة الأولى 2015 .
– الاســـتـــراتيجية القومية للحد من الزواج المبكر بمصر 2015-2020،منشورات المجلس القومي للسكان ،يونيو 2014.
– الخطة الإستراتيجية لحماية الأسرة والوقاية من العنف الأسري 2005-2009 بالأردن وإستراتيجية الاتــصــــال الخاصة بالعنف المبني على النـــوع الاجتماعي بالأردن 2014-2017.
– الإســـتـــراتيجية الوطـــنيـــة لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي النساء 2018-2030 بالعراق،منشورات دائرة تمدين المرأة العراقية و صندوق الأمم المتحدة للسكان-العراق.
– انظر الإســـتـراتيجية الوطنية لمقاومة جميع أشكال العنف ضد المرأة عبر مختلف مراحل الحياة بتونس الصادرة عن وزارة شؤون المرأة و الأسرة .
5) اتفاقيات دولية:
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.
– العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.
– الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1970.
– العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1979.
– اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1993.
– اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من العقوبات أو ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1993.
– اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.
– الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1993.
– اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري المتعلق بها لسنة 2009.
– الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2013
– اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمدة الموقعة بباليرمو بتاريخ:12/12/2000 والمصادق عليها من طرف المملكة المغربية بتاريخ:20/09/2002 والمنشورة بالجريدة الرسمية للمملكة رقم:5186 الصادرة بتاريخ:12/02/2004 الصفحة:
– بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال،المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15/11/2000 المصادق عليه من طرف الملكة المغربية بتاريخ:02/10/2001 .
6) قوانين وطنية:
– دستور المملكة المغربية لسنة 2011 المنشور بالجريدة الرسمية عدد:5964 مكرر الصادرة بتاريخ:30 يوليو 2011 الصفحة :3600.
– مجموعة القانون الجنائي الصادر بمقتضى ظهير 26/11/1962 و الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر بتاريخ 12 محرم 1383 (5 يونيو 1963)، الصفحة : 1253.
– القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية المنشور بالجريدة الرسمية عدد: 5078 بتاريخ 30 يناير 2003 ، الصفحة : 315 .
– قانون رقم:37-10 المتعلق بحماية الضحايا والشهود والمبلغين منشور الجريدة الرسمية عدد 5988 بتاريخ 22 ذو القعدة 1432 (20 أكتوبر 2011)،الصفحة :5123.
– قانون رقم 27-14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر المنشور بالجريدة الرسمية عدد:6501 الصادرة بتاريخ:19/09/2016،الصفحة :6644.
– قانون رقم :103/13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 12 مارس 2018 ، الصفحة : 1449.
–
تم بحمد الله ،وحرر بطنجة في:10/12/2020.