بقلم : الخضير قدوري
بدأت المساحيق تزول والطلاءات تبوخ والأصباغ تنمحي ليعود الشحوب من جديد وتظهر ندب الشيخوخة على وجه مدينة تاوريرت ملوحة بالبؤس والقنوط والتعاسة كأية امرأة أرملة تركها معيلها الى إهمال وضياع تحيى على حساب المتعة في أسواق الدعارة وكوردة اصطناعية تشد إليها أنظار الذباب ولكنها لا تحتوي على أريج الورود الطبيعية لتجلب إليها حواس النحل
بعد كارثة اقتلاع أشجار التوت الجميل ذوات الظل الظليل والقيمة التاريخية النادرة التي كانت ظلالها تمتد على جنيات مدخلها الرئيسي الذي تلتف في أجوائه وتتعانق في سمائه لتضفي عليه جمالية طبيعية مبهرة لريشات المصورين وملهمة للشعراء والمبدعين وتستوقف عندها أصحاب الأذواق الرفيعة ليتمتعوا بمنظرها الخلاب وجمالها الجذاب وتشدهم الى هذا المتنفس النقي الذي ينفتح على صبيب وادزا والبساتين الخضراء التي تزود بيئة المدينة بنكهة ذات طعم رومانسي اصيل يلامس العواطف ويسر الخواطر ويزيد في نور الأبصار
حتى كان مدخل مدينتنا ذات يوم يغري عمدة بلدية تولوز الذي عاصرت طفولته نمو تلك الأشجار ومن شاءت الأقدار أن تجره بعد رحيل العمر ليقف في ظلها ويأكل من ثمرها ويذرف على أصولها دموع ذكريات السنين الخالية وبعد عودته الى مدينته بدا يبحث بجد في إمكانية توأمة المدينتين نتيجة لتشابه مدخليهما لكن مع الأسف الشديد قبل ذلك حالت جرافة الإصلاح الفاسد لذوي الأذواق الرديئة دون هذا المبتغى حين عمدت إلى اقتلاع أشجار التوت التي عمرت مئات السنين في ظرف لم يتعد دقائق معدودة فأصبحت بعد لحظة كأنها لم تكن
فقام المفسدون في الأرض باسم الإصلاح بتحطيم هذا الأمل وعلى أنقاضه أقاموا جدارا على جانبي الطريق الرئيسي عبر مدخل المدينة والذي لم تمض عليه سوى أشهر قليلة حينما بدا في التصدع لينهار في أي وقت ويتسبب في سقوط ضحايا من المارة والتلاميذ الذين تزدحم بهم جنيات هذا الطريق كمن يعلن رفضه وتحديه للأيد المخربة الفاسدة والمفسدة
ومن المدخل المنكوب نبتعد عن الجدار المتصدع قبل ان ينهار ثم نمر بشارع محمد الخامس حيث كانت تتوسطه أشجار قد عمرت عشرات السنين تسقى من مياه تجري في مجرى لها وقد امتدت إليها هي الأخرى يد الفساد فاقتلعتها من جذورها لتنبت في مكانها عروش نخل طالما رفضتها التربة الطيبة وأبت إلا أن تتحدى إرادة المفسدين ومخربي معالم المدينة الثقافية وأثارها التاريخية في غياب فعالياتها وأبنائها ومباركة أيدي لقطائها ومساهمتهم في تخريبها حتى باتت بشرة مدينتنا تعلوها ندب وخدش شوهت جمالها وأتلفت محاسنها إلى أن أصبح حالنا فيها شبيها بحال فراخ تحت أجنحة مهيضة لام مريضة وحتى كانت أتعس حياة بين أحضانها حياتنا واحلي موت في العراء موتنا
تاوريرت الأرض المنكوبة و المحبوبة ايضا من لذن ابنائها لكن صمتهم جريمة على ما يحدث اتمنى ان تصحوا الضمائر وتتغير الوقائع و تعود مدينتنا كما الفناها قبل محاصرتها من قبل اصحاب الشكارة