بقلم : المختار عويدي
السيد رئيس الحكومة المحترم
هل تعلم حجم المعاناة والإذلال والإستغلال، الذي يتعرض له مواطنوك الراغبين في الحصول على تأشيرة شينغن قصيرة أو طويلة الأمد، بهدف السياحة أو الدراسة أو العلاج أو زيارة الأهل، من طرف قنصليات الدول المعنية، وخاصة منها الفرنسية على وجه التحديد؟؟ ! أو لربما ” هادشي ما فراسكش”!
هل تعلم أنه كي يحصل مواطنوك على التأشيرة المذكورة، تلزمهم مسطرة طويلة الأمد، تستوجب منهم موعدا ووقتا وانتظارا وجهدا وركام وثائق ومصاريف مرتفعة، هذا إذا حالفهم الحظ وحصلوا على موعد لإيداع طلب التأشيرة.. مسطرة تبدأ بتعبئة استبيانات هي أشبه بتحقيقات منها بطلب معلومات، وتنتهي في الغالب الأعم، برفض ملفات طلباتهم، بعد نهب/مصادرة مصاريفها المرتفعة؟!
هل تعلم السيد الرئيس أن هذه المسطرة تفرض على مواطنيك المرور بعدة مؤسسات وسيطة (TLS contact -WAFA Cash ناهيك المؤسسة الأمنية G4S) قبل وصول ملفات طلباتهم إلى القنصلية الفرنسية كي “تدرسها”، وهي مؤسسات يتم تمويل نشاطها وخدماتها المقدمة لصالح القنصلية المعنية، بالكامل من طرف طالبي التأشيرة من مواطنيك “الميسورين” أصلا. بل يتم تمويلهم حتى لمصاريف دراسة القنصلية للطلبات، والتي تقتصر في الحقيقة على القبول أو الرفض؟؟ !! ناهيك عن إجراءات إدارية إضافية طويلة ومعقدة، ومصاريف أخرى مرتفعة لصالح مؤسسة Campus FRANCE، تهم الطلبة الراغبين في استكمال دراساتهم بالجامعات والمدارس الفرنسية على وجه الخصوص.! ما يعني استغلالا واستنزافا لإمكانياتهم المالية المحدودة أصلا.
هل تعلم السيد الرئيس، أن الوثائق التي يُطالَب مواطنوك بالإدلاء بها للحصول على التأشيرة “المقدسة” هي من الكثرة والتنوع، بحيث أنها تنتهك خصوصياتهم الشخصية المدنية والمالية والإدارية والإجتماعية والأسرية.. ببشاعة واستفزاز. بمبرر الإحتياطات الأمنية المفرطة جدا، وكأني بهؤلاء المواطنين الراغبين في السفر إلى فضاء شينغن عامة والديار الفرنسية خاصة هم “إرهابيون” إلا من أثبت العكس!. بينما لا يستوجب الأمر من المواطنين الفرنسيين، على سبيل المثال لا الحصر، الراغبين في دخول أراضي وطننا، سوى الإدلاء بجواز سفرهم الأحمر “المقدس”، من دون إجراءات إدارية أو مالية، ولا موعد أو إهانة أو إذلال. بل قد يجدون أحيانا عند نزولهم في المطارات الوطنية فرقا فولكلورية، تزمر وتطبل فرحاً بمقدمهم، وتعبيرا عن حسن استقبالهم !! بدعوى أنهم سياحا يساهم مقدمهم في تنمية القطاع. والحال أنه تأكد غير ما مرة، أن منهم أيضا تجار مخدرات، وبيدوفيليين، وعناصر تنتمي إلى مافيات وحتى إرهابيين..
سيدي الرئيس،
لماذا يكتسي جواز السفر الفرنسي والأوربي عموما كل هذه الأهمية والقيمة، لا بل و”القداسة” عند عبور حدودنا الوطنية. بينما يكاد جواز سفرنا الوطني، لا يصلح سوى لإبراز الهوية وطبع التأشيرات، إن مُنحت، على صفحاته؟ ! ولا أهمية له في عبور حدود البلدان المذكورة، وكثير من البلدان الأخرى غيرها، إذا لم يكن مرفوقا بملف ثقيل من الوثائق والمصاريف التي سبق إيداعها لدى قنصليات الدول المقصودة؟!
ما قيمة جواز السفر الذي تسلموه لمواطنيكم، إذا كان لا يتيح لهم، نفس الحقوق التي تمنحونها أنتم لمواطني فرنسا وعموم أوربا عند ولوجهم تراب وطننا؟ !
هل ترضيك هذه الإزدواجية المتناقضة الصارخة الفاضحة، التي يُعامل بها مواطنوكم الراغبين في السفر إلى الفضاء الأوربي، مقارنة بمواطني بلدان شينغن عامة ومواطني فرنسا تحديدا، من الراغبين في القدوم إلى وطننا؟؟!
أترضون لمواطنيكم أن يعاملوا بهذا الشكل الدوني المهين والمنتهك للكرامة، قبل حصولهم على تأشيرة ولوج الأراضي الفرنسية، بينما يتمتع مواطنوهم بحق ولوج تراب وطننا متى ما شاؤوا، من دون إجراءات ولا تعقيدات أو مساطر أو مصاريف ولا يحزنون؟ ! ألا تخجلكم هذه المعادلة الشاذة، التي تحط من قيمة وطنكم ومواطنيكم؟ !
ألا يفهم من هذه الإزواجية الفاضحة أن مواطنيهم هم مواطنون من الدرجة الأولي، بينما مواطنوكم هم رعاع من الدرجة الثالثة؟ أترضون هذا التمييز الصارخ في حق مواطنيكم؟
لماذا لا يتم التعامل مع مواطني البلدان التي لا تحترم مواطنيكم بالمثل، أسوة بكثير من الدول التي تحترم كرامة ومصالح مواطنيها؟ !! لماذا لا تفرض نفس الإجراءات والتعقيدات والمصاريف التي يتكبدها مواطنوكم، على مواطني الدول المعنية؟
السيد رئيس الحكومة
لماذا تتفرجون على مواطنيكم وهم يتعرضون لكل هذه المساطر والإهانات والإبتزاز المالي، من أجل الحصول على تأشيرة تافهة. وتدعونهم يواجهون مصيرهم وقدرهم لوحدهم، مع هذه القنصليات ومختلف مؤسساتها الوسيطة، التي لا تتورع في كثير من الأحيان عن نهج أسلوب الإستعلاء في التعاطي معهم. حتى أن مركزا وسيطا تافها، كمركز الإتصال TLS contact المكلف باستلام ملفات طلب التأشيرة، وتحويلها إلى القنصلية الفرنسية، على سبيل المثال، والمدجج بالعناصر الأمنية للشركة الأمنية G4S، يفرض على مواطنينا إجراءات أمنية مبالغ فيها ومهينة أحيانا، فلا يتردد في نهرهم وزجرهم، ناهيك عن إخضاعهم لجهاز السكانير وجهاز كشف المعادن عند ولوجهم إلى المركز المذكور، المزروع أصلا بشبكة كثيفة من كاميرات المراقبة، وكأن الأمر يتعلق بموقع عسكري أو أمني، وليس إدارة وسيطة تافهة محدودة المهام. برغم/حتى أن جميع مستخدميه من المغاربة، من فرط هذه الإجراءات، قد أصبحوا “فرنسيين أكثر من الفرنسيين” في تعاملهم مع مواطنيهم، الذي يشبه تعامل الروبو في الجفاف والتحفظ، والبحث عن أتفه الأسباب للمسارعة إلى رفض استلام الملفات.!
أليست الحكمة من وجود الحكومات سيدي الرئيس، هي خدمة مواطنيها، وتيسير ظروفهم الحياتية المختلفة، والعمل على ترقيتها وترفيهها، وحماية مصالحهم وكرامتهم متى ما استوجب الأمر ذلك؟
متى تمتلكون الجرأة لإنهاء عقدة النقص التي لدينا تجاه فرنسا، التي يكفي أنها أذلتنا وداست على كرامة شعبنا، لما يفوق نصف قرن من الزمان؟؟
هل سنظل هكذا، عديمي الكرامة تجاه فرنسا إلى ما لا نهاية، ويظل مواطنونا يؤدون ثمن ذلك؟؟ ومع ذلك نظل نهرول إليها في كل شاذة وفاذة تهم مستقبل وطننا، من قبيل ما حدث مؤخرا في مسألة القانون الإطار للتعليم، الذي كرس هذا الإرتماء المطلق في أحضان فرنسا، عندما قرر فرْنسة تدريس المواد العلمية. وتظل هي (أي فرنسا) تمارس الإستعلاء على وطننا ومواطنينا بكل عجرفة، كما
متى ننهي احتلال فرنسا الإقتصادي والثقافي والإداري والمالي.. لوطننا، حتى بعد مرور أكثر من ستة عقود على استقلالنا الوهمي، ونستعيد كرامة وطننا المفقودة تجاهها لوطننا؟ !!
ألا يكفي أكثر من قرن من الزمان، من الإحتلال الفرنسي المباشر وغير المباشر الذي تجشمه وطننا ومواطنونا؟ !!