بقلم : سليمان بلقاسمي
لا شك أنك تعلم، سيدي المسؤول وطاقمك، ممن أسندت إليهم مسؤولية اختيار الامتحان الجهوي في مادة اللغة العربية، السنة الثالثة إعدادي، أن العلاقات التربوية التي تؤسس للتصرف البناء، والتفكير الإيجابي، والاحترام المتبادل، وصون الكرامة، أصبحت ضرورة تربوية ومجتمعية ملحة. لكن اختياركم، وللأسف الشديد، نقيض هذه الضرورة الملحة، بل أعتبره شخصيا، مساهمة في تسميم أجواء المناخ التربوي، وتكريسا للصورة النمطية لرجل التعليم عموما، وأستاذ التعليم الابتدائي خصوصا، الذي يعاني أصلا من أنماط من التحقير والتهميش والإقصاء والتنكر…
إن التفكير، بل الترسيخ والتكريس- للأسف، من داخل جسم الأسرة التربوية – لنفس المفاهيم والأفكار واللغة السائدة خارج أسوار المدرسة، والتورط في تمرير رسائل مسيئة لوظيفة التربية والتعليم، وللرسالة السامية لنساء ورجال التعليم، خاصة بالمرحلة الابتدائية، باعتبار هذه الوظيفة الملجأ لكل ” بليد و كسول” اضطر إليها مكرها بعد تذيله لقائمة الناجحين. (هذا التفكير) يضرب في العمق كل الخطابات والشعارات الرسمية، والإرادة التي ما فتئ يعبر عنها ملك البلاد، بضرورة التعجيل بإصلاح المنظومة، والرقي بها، وصون كرامة كل الأطراف الفاعلة فيها، ويدل على أن أشياء كثيرة تنقصنا، ومجهودات كبيرة تنتظرنا، من أجل الانطلاق والانخراط في تغيير الواقع و العقليات والعلاقات.
إن التعلم الذاتي الذي يستهدف تحقيق الجودة والإبداع و التوازن والاستقلالية مع الكرامة، لا يمكن تنميته وتشجيعه في مثل هذه الأجواء. ثم إننا ومن باب ممارسة بعض النقد الذاتي، نقول: إن محاولة التستر على”القمامة” التي أفرزتها المنظومة المختلة منذ عقود طويلة، أصبحت أمرا غير مقبول و غير أخلاقي، بل يجب الاعتراف بالمسؤولية المشتركة في إنتاج هذا الواقع المر، والتفكير الجماعي البناء لمواجهته والتصدي له، أما اعتبار “المعلم” المشجب الذي تعلق عليه كل النكسات، وتكريس الصورة القدحية له، فهذا أمر لن يفيد في الحل، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والتوتر.
وفي الختام، وبعد استهجان ما وقع، لا بأس من التذكير من أن استهداف “المعلم” وكذا مهنة التعليم، تكريس للعقلية المتخلفة ضد الطفل والطفولة كمرحلة حيوية وأساسية في بناء الإنسان. وإلى أن يعي مسؤولونا خطورة ما أقدموا ويبادروا لتصحيحه والاعتذار عنه، باعتبار أن كرامة الطفل، الذي هو محور الأمر كله، من كرامة الأستاذ، لكم مني ألف تحية تربوية، والسلام.