بقلم الخضير قدوري
إذا كانت مدينة تاوريرت كما وصفها بعض الساسة “بمزبلة أوروبا ” وسمى أبناءها المهاجرين “بزبالتها” ومن يسكنون فيها ” ذبابا ” يعيشون على الفضلات والقاذورات الأوروبية قد يكون هؤلاء إلى حد ما على حق فيما صاروا إليه فمدينة تاوريرت بالفعل منذ أكثر من ستين سنة عمر جيل كامل كان يعيش فيها على ما يسمونه فضلات وقاذورات من خردة الملابس أو “الشيفون” المستورد من أوروبا على طريق مدينة مليلية المحتلة الذي ستر عورات ملايين الأفراد وبفضله اعتاشت ألاف الأسر وإلا كانوا قد انقرضوا مع انقراض القملة والضفادع والجراد ، يومئذ كانت مدينة تاوريرت قبلة لمن يريد أن يحسن أوضاعه المعيشية والاجتماعية بواسطة “الزبل” المحترم ، مع المتعاملين فيه المحترمين ، كرجال ونساء يتوفرون على قسط وافر من عزة النفس . وكانت مدينة تاوريرت ومازالت تعتبر خلو الرجل أو الأصل التجاري الغالي الثمن لمن يرغب في تنمية ثروته .
أما اليوم فان كانت مدينة تاوريرت قد تحولت إلى مزبلة كما يصفونها بعد أن قضوا منها وطرهم وأبناؤها المهاجرون بالزبالة كما يسمونهم وكل أفراد الجالية بصفة عامة عفوا فما كان أصل ثرواتهم إلا من زبلها، ولا كان أثرياؤها غير زبالة تعاملوا “بزبلها” عقودا طويلة ، وما كان الوافدون عليها بالآلاف ، والقاطنون فيها من كل أنحاء المغرب سوى ذبابا يعيشون فيها بكرامتهم وعزتهم ، أفضل بكثير من عيش بعض النحل الضعيف على قمامات فاسدة ، اجل كرجال فلقوا البحر، وضربوا في الأرض طلبا للعيش الكريم حيث وجدوه ، ولم تكن هذه المدينة المضيافة تبخل على احد بزبلها الذي مازال يسهر زبالتها على استيراده من أوروبا، فاذا كان قدر قطيع لم يجد مرتعا خصبا ولا موردا عذبا بالطبع سيدفع به الجوع ليرتع من الزبالة والعطش ليرتوي من المستنقعات ولكن فهل يكون الرعاة قد وفروا لقطعانهم الأعلاف الجيدة و أوجدوا لها المراعي الخصبة لثنيها عن مطارح الأزبال المنتنة وحافظوا لها على الموارد العذبة لردها عن المستنقعات الأسنة بالطبع لا ليبقى الذنب ذنب الرعاة وليس القطيع الذي يمتصون من ضرعه السموم.
فهل كنا جميعا كمغاربة بدون استثناء نستغني عن الزبل الأوروبي منذ فجر استقلالنا إلى يومنا هذا وهل تعلمنا كأفراد وكجماعات كمواطنين وحكومات مهنة غير مهنة استيراد الزبالة التجارية والاقتصادية والثقافية والسياسية والتعليمية والتربوية و و و وأي منتوج جيد يحمل البراءة المغربية وأي مشروع اقتصادي مربح يحمل الهوية الوطنية وأي نظام تربوي موفق ينسب للفكر المغربي ثم أي عمل ثقافي أو علمي سليم من صنع مواطن متحرر ثم أي تدبير سياسي فعال من عصارة فكر زعيم حزبي إلا ما استوردوه أو سرقوه من مزابل الأرشيف الأوروبي
الم تكن مدونة السير مستوردة من مزبلة غربية الم تكن جل القوانين التي تحكمنا قد عمرت أكثر من عمرنا من خردة وروبية مازلنا مجبرين على استهلاكها أحببنا أم كرهنا الم تكن مدونة الأسرة هي الأخرى طبخة مقاديرها من المزبلة الأوروبية بنكهة مغربية.
فإذا كانت تاوريرت مزبلة الغرب وسكانها يعيشون من” زبل” الغرب وأبناؤها المهاجرون زبالة الغرب لم لا يكون المغرب ونحن المغاربة ككل مازلنا نعيش من زبل الغرب السياسي والثقافي والاقتصادي وحتى الاجتماعي ذلك قدرنا فأرونا ماذا صنع المتعالون والمترفعون عنا والمسئولون عن تغيير نمط عيشنا من يجب عليهم نقلنا من حياة الشظف التي نحياها إلى حياة الترف التي نصبو إليها فهل انتم بالفعل فاعلين فأخرجونا من مزبلتنا وكنتم حقا مسئولين وطنيين فاوجدوا لنا حياة كريمة تنقذنا من “زبلنا” أم كنتم سوى مهرجين على التنظير قادرين ومن اجل شقائنا متعاونين عفوا كان من الأجدر بكم المغادرة وترك المكان بكرامة قبل أن يلقى بكم في مزبلة التاريخ الحقيقية .
وتحسبون المستهلك المغربي غبيا حينما يشتري حذاءا مستعملا بثمن الجديد من الصنع المحلي وأحيانا بثمن أغلى منه وهو يعلم انه لا يعمر سوى دقائق معدودة إن لم يكن يتوفر على حذاء احتياطي كما يقال باللغة المستوردة ” السكور” سيبقى في مكانه ولكنه كان أغبى يوم وضع ثقته فيمن لم يكن أهلا لها وأما أفراد الجالية بالفعل قد تحولوا إلى زبالة لما نبا بهم الدهر وغدر بهم الزمان وبخاصة أولئك الذين كانوا لا يعلمون أن دوام الحال من المحال فلم يقر لهم القرار هنا أوهناك ولم يعودوا كتلك البقرة الحلوب بالقدر الكافي بعد أن غرن ضرعها وذوى عودها وتقوس عمودها ويبس لحمها وتخثر دمها وخمدت طاقاتها فسمونا زبالة ولكن ببراءة مغربية