تاوريرت بر يس :
أكد يوسف العمراني مكلف بمهمة بالديوان الملكي، الجمعة 07 يوليوز بالدار البيضاء، أن رؤية الملك محمد السادس ، لقَضايا التنمية المُشترَكة ، التي تتميز بكونها براغماتية مندمجة وطموحة ، تجسد الالتزام القوي لجلالته من أجل انبعاث ونهضة وتطور القارة الإفريقية .
وقال العمراني في تدخل خلال الجلسة الافتتاحية للنسخة الثانية لمنتدى ( موروكو توداي فوروم ) التي تنظمها مجموعة لوماتان، تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس ، إن هذا المنتدى يتيح ” لنا إطلاع المشاركين على الدلالات والأبعاد العميقة لرؤية جلالة الملك تجاه افريقيا من حيث أُسسِها ومَنْطِقِها وكذلك شرعيتها التي تتأسس على مُقاربة مغربية متفردة ومتجذرة في حاضِرِنَا وتاريخِنا، مُقَارَبة مبْنِية على طموحات مشروعة ” ، موضحا أن المغرب شَرَعَ في تحقيق هذه المقاربة على الأمد الطويل ، عبر محطات تاريخية متميزة ومبادرات ملكية متدرجة .وأضاف أنه منذ تولي الملك محمد السادس الحكم ، دأب جلالته على مواكبة التطورات والتحولات التي عرفتها القارة الإفريقية بِروح من التضامن الفعال، هَاجِسه الأكبر هو مواجَهة التحديات المستقبلية لإفريقيا وتَلْبِية الحاجيات المتنوعة لشعوبها .
ولفت إلى أن المغرب ، بفضل الرؤية الملكية المستنيرة ، زَاوَجَ بين وفائه للتراث التاريخي المشترك مع إفريقيا، وإعادة تأسيس علاقاته مع قارته الأم ، مُسْتَشْرِفاً بناء مستقبل مشتَرَك يَروم التقدم لشعوب القارة، بفضل شراكات نوعية متعددة الأبعاد ، تماشيا مع الواقع الأفريقي على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبشرية.
وهذا هو عُمق ومعنى وفلسفة السياسة الأفريقية للمملكة.
وفي معرض تطرقه لهذه السياسة ، قال إنه بالنسبة لجلالة الملك ، لا يمكن أن تكون أفريقيا قوية وموحدة، دون وجود سياسة أفريقية متحررة من العقد ومرَكَّبَات النقص، ومبنية على تعزيز وتثمين قِيَم التضامن، والتجديد والابتكار وحق الجميع في الاستفادة من مُقدَّرات النمو المستدام دون تهميش أو إقصاء .
من هذا المنطلق، يضيف العمراني ، شكلت منظومة التعاون مع الدول الإفريقية على الدوام قطْب الرَّحَى للسياسة الخارجية للمملكة ، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بتعاون جنوب / جنوب مبني على تجذّر ورسوخ العلاقات التاريخية للمغرب مع إفريقيا ، مقرونا بالإصغاء لطموحات ” إخواننا الأفارقة مع الالتزام المستمر من أجل تعميق الحوار السياسي والتنمية الاقتصادية، في إطار منظور متطور ومتجدد “.
واستطرد قائلا ” إننا نعمل من أجل أن تجعل إفريقيا مستقبلها بين أيديها، وتستشرف المستقبل بثبات وثقة وتفاؤل، ودون خوف، وبدون تردد ودون استعلاء “، لافتا إلى أن إفريقيا ليست بحاجة للاستجداء أو المساعدات المشروطة ، ولكن لمشاريع بنيوية ذات قيمة مضافة عالية وأثر اجتماعي فعال، يُحَفِّز التنمية المتوازنة والمتعددة الأبعاد، لفائدة جميع سكانها .وحسب العمراني ، فإن المسيرة الجماعية نحو التقدم في إفريقيا، تقتضي استكمال دعامات أساسية يجب أن نعتمد في تحضيرها على أنفسنا ، وهي الاعتماد على الشباب الإفريقي ، وإيجاد نماذج جديدة للتنمية والنمو، وتثمين الموارد الطبيعية ، والحكامة الجيدة ، وتعاون جنوب- جنوب فعال ومتجدِد في تناغم تام مع واقع وتسريع الاندماج الجهوي . وأوضح أن إفريقيا تزخر بِطَاَقات بشرية شابة هائلة ، وشباب طموح قادر على العطاء ، لو توفرت له الظروف الملائمة وتَمَكن من تحمل المسؤوليات، لكي يساهم بشكل كامل في تطور وتحول القارة ، مشيرا إلى أن الشباب الأفريقي يعد عنصرا مهَيكِلا لمستقبل أفريقيا واستقرارها .
واعتبر أن الشباب الإفريقي، يعد مَصْدَراً للإبداع والابتكار والتحول الإيجابي، ” فبمجرد أن نضعه في بيئة سليمة سيتمكن من المشاركة الكاملة في ديناميات التنمية الاقتصادية ، لهذا وجب تركيز الجهود على تطوير التعليم وريادة الأعمال وتمويل المشاريع المدرَة للدخل “.
وبخصوص إيجاد نماذج جديدة للتنمية والنمو، قال إن إفريقيا مدعوة للتموقعِ كَقُطْب جديد للنمو في العالم ، مشيرا إلى أن من أكبر التحديات التي تواجه هذا الطموح ، هو إيجاد الظروف الملائمة لصياغة نماذج جديدة للنمو والتنمية، تكون شاملة ومستدامة، ومفيدة للشباب الذين يتوافدون سنة بعد سنة بأعداد كبيرة على سوق العمل .
وحسب العمراني ، فقد حان الوقت لنهج مقاربة جديدة للتنمية في أفريقيا، معتبرا أن النماذج القائمة على المساعدات الخارجية والديون السيادية أو تصدير السلع، أصبحت متجَاَوَزة ولم تعد مناسبة لإفريقيا في طور البناء.
وقال إن الوسيلة الوحيدة القادرة على ضمان الرخاء الاقتصادي والاجتماعي للقارة، تقوم على الاستثمارات الطويلة الأجل، يلعب فيها القطاع الخاص دورا رئيسيا .أما عن تثمين الموارد الطبيعية ، فأكد أن إفريقيا تزخر بالثروات الطبيعية الضخمة القادرة على دعم النمو والتنمية ، التي تعتبر شرطا رئيسيا لتحقيق التنمية المستدامة للجميع، مسجلا أن تثمين هذه الموارد حاليا جد هزيل ويقتصر على عائدات تصديرها كما هي على حالتها.
ومقارنة مع مناطق أخرى في العالم، يضيف العمراني، تبقى إفريقيا من أقل القارات تصنيعاً.. وهذه الوضعية تؤثّر سلباً على التنمية الاقتصادية وعلى مؤهلات النمو ، من هنا أيضا تظهر أهمية تنويع القُدُرات التكنولوجية وتقوية البنْيَاتِ الصناعية. وعن جانب الحكامة الجيدة ، أكد أن إفريقيا استكملت الشروط من أجل التصرف وفق حكامة توافق المتطلبات، بأدوات مناسبة لواقع القارة، تحترم الخصوصيات والتوازنات الاجتماعية ، وقال في هذا السياق ” إننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى، لِحكامَة شاملة لا تُقْصِي أحدا، قادرة على انبثاق قارة جديدة، مندمجة، مجدِّدَة وكاملة الانخراط في الاقتصاد العالمي.” وفي معرض تطرقه للتعاون جنوب / جنوب ، أبرز ، أنه من وجهة نظر المغرب، فقد آن الأوان لإبرام ميثاق جديد للتعاون جنوب / جنوب، واعد ومبتكِر، تُغَذِّيه تجارب ملموسة لبناء قارة مندمجة، متجددة ومستقلة.
فعلى المستوى الاقتصادي، أوضح أن المخططات التي اتبعتها المقاولات المغربية التي تعمل في عدة قطاعات حيوية وواعدة، أبانت على قدرات وكفاءات مكّنتها من ولوج الأسواق الإفريقية ، حيث أصبحت هذه المقاولات رافعات للتنمية في خدمة القارة. وفوق هذا وذاك ، اتخذ جلالة الملك عدة مبادرات وأشرف جلالته على مشاريع مشتركة تعود بالنفع على الدول المستفيدة وتساهم في صعود إفريقيا، في ظل احترام خصوصيات كل بلد. وذكر في هذا الصدد بمشروع أنبوب الغاز نيجيريا/ المغرب الذي يعتبر مثالا للشراكة جنوب- جنوب وآلية حقيقية للاندماج ووسيطا مهما من أجل تقدم سوسيو- اقتصادي لدول غرب إفريقيا، دون نسيان المشاريع الأخرى التي تروم الأمن الغذائي والتنمية القروية بفضل منشآت إنتاج الأسمدة والمخصبات في إثيوبيا ونيجيريا.
وبعد أن ابرز أن التزام المغرب تجاه إفريقيا له خصوصيات لا يضاهيها التزام أي بلد آخر، قال إن الأمر يتعلق بالتزام واقعي ومتنوع مبني على مبادرات متعددة الأبعاد ومتكاملة في الأهداف، تشمل المجالات الأمنية والروحية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية وأخيرا التضامنية. وفي الشق المتعلق بتسريع الاندماج الجهوي ، أكد أنه يتعين على إفريقيا مواجهة تحديات التنمية المتعددة الأبعاد والاستجابة للتطلعات السوسيو-اقتصادية المشروعة لساكنتها. و” من أجل بلوغ هذا الهدف، لا بد من تسريع وثيرة الاندماج لكي تضع القارة نفسها في منظومة سلاسل القيمة العالمية “.واعتبر أن الاندماج الجهوي ليس ترفا، بل هو من أوجب الواجبات ، لأن مبادرات الربط الكهربائي مثلا بين الدول، والمشاريع المشتركة في ميادين الري والماء ومحاربة الاحتباس الحراري، كل هذا يساهم في إيجاد مناخ آمن سيساعد على تنمية إفريقيا. ولفت إلى أن المغرب الواعي بالرهانات التي ستشكل إفريقيا الغد، أخذ على عاتقه الاضطلاع بدوره كاملا من أجل بناء إفريقيا متضامنة قوية وموحدة، وهذا هو مغزى عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، ” وفي السياق نفسه ، يشكل طلب الانخراط في مجموعة دول إفريقيا الغربية (سيدياو) تأكيدا لانسجام مواقف المغرب فيما يتعلق بالاندماج السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي وتَعلُّق المغرب بقارته وهو ما يصبّ في تقوية التعاون جنوب-جنوب “.
وخلص إلى أن المغرب يطمح أن تستفيد إفريقيا من العولمة أكثر من أن تتحمل مساوئها، ” أن تكون عولمةً ذات وجهٍ إنساني، عادلةٍ ومنصفة، تُحقق التنمية الشاملة والمستدامة والمتضامنة. عولمةً مبنيةً على نمو اقتصادي لا يستثني أحدا ويخفف من الفوارق ويقوي التماسك الاجتماعي “.
تلكم هي رؤية جلالة الملك لمستقبل إفريقيا ، إنها رؤية واضحة بإرادة مشتركة ووسائل متوفرة ، كما جاء في تدخل السيد العمراني ، مبرزا أن المغرب يعتبر أن بناء إفريقيا على صرح التعاون جنوب- جنوب ليس مجرد تطلعات.. إنه مشروع انطلق، وهو في طريق الإنجاز