حسن ايناو :
تواجه المجتمعات العربية الكثير من المشاكل و الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية والبيئة التي عجزت الحكومات العربية عن تطويقها وإيجاد الحلول الناجعة لها ،مما جعل الأمم المتحدة تصنف بلداننا بالعالم الثالث أو الدول النامية ،لكونها لم تحقق أرقاما مهمة في مؤشرات النمو والتنمية البشرية المطلوبة والتي حددتها في ثلاثة معايير،متكاملة ومترابطة….
١-الدخل الفردي السنوي
٢-الرعاية الصحية
٣-التعليم المتطور والمنتج
وهناك من تضيف معايير إنسانية كاحترام حقوق الإنسان،وإرساء دولة الحق والقانون،وتكريس ثقافة المواطنة الصالحة،بيد أن الحكومات العربية لن تستطيع بمفردها أبدا أن تحل جميع الإشكاليات المطروحة والتي تحول دون نهضتها وازدهارها،مما يحتم عليها إشراك المجتمع المدني بجميع مكوناته الجمعوية والحركية والفكرية والثقافية والنقابية ومراكزه العلمية…..وكان لابد من كل هذا النسيج التربوي أن يساهم في بناء مجتمع بشري عاقل وواعي بأمور وطنه،وخدمته ليلحق بركب الدول المتقدمة…ولن تنجح مساهمة المجتمع ا لمدني إلا إذا طبقت الديمقراطية،وآمن الإنسان العربي بالتسامح ،ونبذ العنف،وإقصاء الآخر،وكراهية الغير…واعتمد التعايش سبيلا للتنمية،ثم اختار الإنتاج طريقا للدخول في العولمة،وتحصيل الحداثة،واتخذ حب المعرفة والطموح الى معرفة كيف نهضت الأمم المتقدمة دون تحجر ودون إنفعال،ودون إستسلام…إن الله جل جلاله ميزنا بالعقل الذي يخولنا للدخول في المنافسة المعرفية السليمة والواضحة بدل الإنغلاق وبدل الإنجرار وراء أفكار هدامة…هذه المعرفة السليمة العلمية والتقنية هي السبيل إلى التطور بدل التقوقع والإنطوائية ،إن سلوك المرء طريق العزلة قد يكلف صاحبه وكل محيطه ثمنا باهضا يتمثل في سنوات قد تفوتنا من التنمية،وهنا أطرح ثلاث أسئلة
١-ما هو المجتمع المدني؟
٢-ما هي التنمية البشرية أهدافها؟
٣-إلى أي مدى يعد المجتمع المدني قاطرة للتنمية ووسيلة من وسائل التقدم والإزدهار والنماء المادي والمعنوي؟
إن مفهوم المجتمع المدني لا يعني شيئا إن لم يكن الركيزة الأساسية لتحقيق التقدم والإزدهار و تفعيل المقصود بالتنمية البشرية،ويسمى هذا المجتمع بهذه التسمية لأنه يتخذ طابعا إجتماعيا مدنيا سليما مستقلا عن المؤسسات الرسمية والعسكرية على الرغم من أنه يتكامل معها تنسيقا واستشارة واقتراحا.هذا ويجسد المجتمع المدني مظهرا من مظاهر الديمقراطية الحديثة التي ترتكز على الحرية والمساوات والعدالة والكرامة الإنسانية والإيمان بحقوق الإنسان …ولا يمكن للمجتمع المدني أن يشتغل إلا في مجتمع ديمقراطي يحترم القانون ويعمل على تثبيته وتكريس روح المواطنة فيه،مجتمع يحس فيه المرء أنه محمي بقوة القانون وأن هذا القانون يحفظ له حقوقه ويطالبه بواجباته…كما أن المجتمع المدني نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة ،وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى،وهي علاقات تقوم على النهوض بالوطن وخدمته وأن يكون القاسم المشترك لكل العلاقات هو الرقي بالبلد فكريا وتنمويا والوقوف ضد كل المغالطات التي تؤدي الى ما لا يحمد عقباه،وحين أقول خدمة الوطن أعني خدمة الشعب ،وإعانته على فهم الواقع وتوعيته ،واقتسام هذا العبئء الكبير مع الدولة في ما يخص الفئات المجتمعية المهددة بالإنحراف.
ولا يمكن لهته الجمعيات أن تشتغل خارج نطاق الدستور والقانون،وكل القوانين المنظمة لمؤسسات الدولة،لكي لا يستغلها ضعاف النفوس لتمرير أطروحاتهم وإيديلوجياتهم الهدامة،وارتكاب الأفعال المشينة التي تضر بالمصلحة العليا للدولة و بمصلحة الشعب..إن المجتمع المدني الذي لا يؤمن بالديمقراطية ،لا يمكنه أن يرقى بالمواطن الى الأفضل،فالمحاسبة شرط أساسي لتبيان نزاهة مجتمع مدني من عدمها،وعلى كل الجمعيات أن تخضع للمحاسبة وإلا ستنحو نفس المنحى الخاطئ الذي إتبعته حكوماتنا العربية قبلها حتى أصبحت بلداننا تصنف بالعالم الثالث؟؟؟؟
إن المجتمع المدني السليم هو الوحيد القادر على النهوض ببلده الى الأفضل،لأنه نسيج متكامل من فعاليات مهنية،جمعيات ثقافية وفكرية وتوعوية وقطاعات خاصة وغرف صناعة وتجارية،ومنظمات غير حكومية من مراكز حقوق الإنسان ،وقد تكون تحت رعاية الدولة مثل الإعلام،وهناك من يشرك حتى الأحزاب السياسية ،ومن ينفي صفة المدنية عنها؟؟؟؟ وأنا أرى أن كلا الرأيين صحيحين،لأننا نحن المجتمع المدني ننتخب من يدافع عنا ويسعى الى خدمتا وخدمة وطننا ،وهنا نعتبر المنتخبون السياسيون شركاؤنا في البناء والتنمية ،وهو الهدف الأساسي للمجتمع المدني.
إن المجتمعات المعاصرة تتكون من ثلاث مستويات.
١-السلطة السياسة الحاكمة التي لها كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعة المخولة لها من طرف الدستور والقانون.
٢-المجتمع السياسي الذي يضم النخبة السياسية المؤطرة داخل الأحزاب.
٣-المجتمع المدني.
وكل مستوى من هذه المستويات يقيم علاقات تقارب من أجل المصلحة العامة،وقد تكون علاقة تنافي إن كانت للمجتمع المدني الاستطاعة لفرض إلتزاماته أمام وطنه،واحترام قيم المجتمع المدني الحقة ، وليس السعي وراء الكسب الحرام وإذلال النفس…
أما الرأي الآخر الذي يقول على أن الأحزاب السياسة ليست بمجتمع مدني فهذا الطرح صحيح خصوصا في مجتمعاتنا العربية،لأن الوصول إلى السلطة بالوسائل الديماغوجية،والوسائل الغير شرعية وعدم الشفافية يمحو صفة الديمقراطية والتي هي الركن الأساسي لبناء مجتمع مدني سليم.
إن مفهوم التنمة البشرية ،يعني التقدم،الرقي،التخطيط،الوفرة،ومفهوم التنمية ينطبق على الإقتصاد،الثقافة،الصحة،التعليم،الفقه،والتنمية تعني أيضا التحديث ،التغيير،العصرنة،وتحقيق مؤشرات النمو الإقتصادي،والتقدم التكنلوجي للحاق بالدول المتقدمة.
إن المجتمع المدني يمكن أن يكون شريكا للدولة لحماية الوطن وبنائه وحين أقول الدولة لا أعني الأحزاب،لأن الدولة وطن الأحزاب فصيل من نسيج هذا الوطن،ولهذا كل جمعية تحتمي تحت مظلة حزب ما قد تسحب منها صفة مجتمع مدني،وهنا مكمن الضعف لدينا نحن العرب.قد تجد حركات حقوقية تدافع عن المواطنة وعن الوطن في الدول المتقدمة،عكس دولنا فهي تنهل من أفكار وأطروحات أحزاب تستغلها للإنتخابات ليس إلا،وتصبح هته الفعاليات المجتمعية رهينة سياسات خاطئة ومكبلة بتراهات بعيدة كل البعد من الغرض الذي أنشأت من أجله…
إننا في حاجة ماسة الى فهم ما معنى المجتمع المدني،وهذا يتطلب الكثير من الإيضاح والوضوح،وسأكون إنشاء الله رهن إشارتكم حين سأتناول هذا الموضوع بالتفصيل ،لأذكر نفسي وأذكركم كذلك أن هذا الموضوع موضوعا هاما ،لأنه موضوع الساعة وموضوع جدال كبير،قد نتجاوز صعاب العولمة إن فهمهناه ،وقد نرقى ببلدنا هذا الى الأفضل …إنني أعلم جيدا أنني سألقى صعوبة وأنتقادات شرسة من الذين يبتزون ويحاولون ارتكاب نفس أخطاء السياسيين دون محاسبة ودون نتيجة على الأقل تحفظ بلدنا من الفتن …لكن أعلم أن كثيرا منكم لا يرضون الذل والهوان والشتات لهذا البلد وبالله وبهم أستعين ليعلم كل من أن المجتمع المدني هو مقياس تقدم الأمم وليس مجاملات كل من أراد أن يسرق أو يبتز ونبقى دائما في ذيل القائمة ،قائمة الدول المتخلفة وشكرا…