المختار أعويدي:
انطلقت البارحة مساء بمسرح محمد السادس بوجدة، المعلمة المسرحية الكبرى بالجهة الشرقية، فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان مسرح وجدة، تحت شعار: “المسرح للجميع.. آجي للمسرح..” وذلك بعد تحضيرات ومجهودات مضنية، لجمعية بسمة للإنتاج الفني استغرقت أياما.
وتميز حفل الإفتتاح بتكريم واحد من أهرامات العمل المسرحي بالجهة الشرقية، الفنان الأستاذ محمد بنجدي. وكان تكريما مميزا ومستحقا. ساهمت في تنشيطه شهادات ومداخلات مسجلة لرفاق وأصدقاء الفنان المكرم، وكذا مشاركة مجموعة من الفرق الموسيقية المحلية. ناهيك عن الحضور الوازن لبعض المثقفين، وأساسا من رجال المسرح. ومساهمة مجموعة من الشركاء والجهات. وقد شهد الحفل التكريمي تجاوبا وإشادة من طرف جميع الحاضرين.
ولعل المثير اللافت للإنتباه في هذا الحفل الإفتتاحي المميز أيضا، هو الحضور المكثف للجمهور من كل الأعمار والأجناس، غصت بهم القاعة الرئيسية للمسرح، وكذا بعض جنبات المنصات العليا منه. على غير ما جرت به العادة. وقد كان لشعار الدورة، دور فاعل في هذا الحضور الغفير. وإن هذا لمما يبهج النفس، ويثلج الصدر، ويدعو إلى التفاؤل. بالنظر إلى مساهمة ذلك، في تكريس ثقافة الذهاب إلى المسرح. والتعاطي مع الشأن الثقافي عموما.
من المعروف أنه لا يمكن الحديث عن مسرح في غياب ركن واحد من أركانه ومكوناته الأساسية، ممثلة في: النص، الممثل، الجمهور والخشبة. ولا يمكن أن يستقيم العرض المسرحي إذا اختل أي ركن من هذه الأركان.
وبالنسبة للعرض المسرحي الأول الذي دشنت به انطلاقة الدورة الرابعة للمهرجان، والذي كان عبارة عن “وان مان شو”، قدمه الفنان عبد الحفيظ البدري، تحت عنوان: “هذا ضاي ضاي”. فقد تميز بحضور كل شيء، الممثل والنص والخشبة وحتى الفرجة، وغاب الجمهور الوجدي. وللأسف لم يكن غيابه فيزيقيا، من خلال ترك الكراسي فارغة داخل القاعة. بالعكس فقد كانت القاعة للوهلة الأولى غاصة. ولكن كان الغياب إنضباطي لطقوس المسرح وأدبياته، التي تستوجب الهدوء والإنصات والإستمتاع بالعرض، والإنفعال والتفاعل معه، حزنا أو فرحا، أو حتى مرحا وضحكا وقهقهة. وهو ما كان غائبا كلية للأسف.
فقد عمل بعض الحاضرين من المتطفلين المنتشرين في القاعة، وخاصة في منصاتها العليا، على إفساد العرض وإبطال مفعوله وتأثيره. بزعيقهم ونعيقهم الذي ملأ القاعة، وأثار أعصاب وقلق الحاضرين، ودفع كثيرا منهم إلى مغادرة القاعة. ناهيك عن التشويش على الممثل، ومحاولة إفقاده أعصابه وتوازنه وتركيزه. وذلك من خلال تبخيس عمله، والدخول معه في “بوليميك” سخيف والتراشق بألفاظ تافهة. وبرغم محاولات الممثل ومن داخل النص المسرحي، من خلال الإرتجال، إعادتهم إلى رشدهم، وإلى صميم العرض، وإشراكهم في الإستمتاع به، والتنويه بالجمهور الوجدي، ولكن دون جدوى.
وهكذا ظل العرض في كثير من أطواره عبارة عن تراشق بين هؤلاء الطفيليين المشوشين، وبين الممثل الذي امتلك مع ذلك، رباطة جأش عالية، واستمر بنفس الجدية والحيوية، في الإلقاء إلى نهاية العرض. برغم علامات الإمتعاض والغضب التي كانت بارزة على محياه عند إنهائه للعرض.
لم يكفوا عن زعيقهم، سوى بعدما فرغت الكراسي من الحاضرين، وأصبحت القاعة شبه مقفرة من جمهورها، سوى من بضع عشرات موزعين في أرجائها، بعد الإنسحاب الكامل تقريبا. فقد شاؤوا وقرروا أن يفسدوا العرض، وينسفوا هذا العمل الفني، فنجحوا في ذلك عن جدارة. وقد تأكد للجميع أنهم لم يأتوا للمسرح من أجل المتعة والإستفادة، ولكن من أجل التشويش السلبي والنسف. فقد نجحوا فعلا في إفساد حبكة النص المسرحي وعقدته لدى الحاضرين، وخاصة من الذين تمسكوا بمقاعدهم إلى نهاية العرض.
إن تبادل المناوشات الكلامية في المسرح بين المتلقي والمرسل، أي بين الجمهور والممثل، هو أمر جار به العمل، ولا تخلو منه قاعات المسارح. ولكن ذلك يتم، عندما يصيب الخلل جانبا من العرض، سواء في النص أو الإلقاء. ويكون الجمهور من المستوى المعرفي والثقافي، ما يجعله قادرا على إدراك ذلك، وبالتالي تسجيل احتجاجه على الممثل بشكل لبق مقبول. وقد يخرج الأمر أحيانا على اللباقة. ولكن التشويش الذي عرفه مسرح محمد السادس، كان صادرا عن سبق إصرار وليس عن تقييم، عن عناصر لا تفقه شيئا في الثقافة المسرحية. جاؤوا إلى المسرح معتقدين واهمين، أنهم سيشبعون نهمهم إلى الضحك والقهقهة الفارغة الجوفاى. فلما لم يجدوا ذلك، أو بالأحرى وجدوه، ولكن بشكل آخر يتناغم وطبيعة النص، ومراميه وأهداف رسالته، والظواهر المجتمعية التي يعالجها. فأطلقوا العنان لزعيقهم ونعيقهم الذي أفسد الأمسية الفنية للعرض الأول بالكامل.
فالذين حضروا العرض أدركوا أن تشويشهم هذا، لا ينم عن امتلاكهم ذائقة فنية قادرة على تقييم العرض، ولكن ينم على أنهم اعتقدوا أن يجدوا في المسرح حلقة قرود، فلما لم يجدوها أجهزوا على الفرجة والمتعة والفائدة التي جاء الجمهور للحصول عليها.
ولعل من العوامل التي ساهمت إلى حد ما، في حصول الذي حصل، وكذا في الإنصراف المبكر للجمهور قبل نهاية العرض بكثير، هو عدم احترام الجهة المنظمة للمهرجان، للتوقيت الذي التزمت به في مختلف منشوراتها وملصقاتها ومعلقاتها، طوال مدة الإعلان والتحضير لهذه التظاهرة الثقافية المهمة. صحيح أن يوم الإفتتاح تزامن مع إضافة ساعة إلى التوقيت الرسمي للبلاد، ولكن هذا الأمر كان معلوما معروفا لدى الجميع ومعلنا عنه منذ مدة. وهو ما أخر الإنطلاق عن موعده المحدد بما يقارب الساعة والنصف. ناهيك عن عدم ضبط وتدبير العامل الزمني لمختلف المداخلات والفقرات المدرجة بالصرامة التي ينبغي. مما جعل العرض المسرحي، وهو بيت القصيد في الأمسية، يُعرض في وقت متأخر، كان فيه العياء والملل قد تسرب إلى نفوس الحاضرين. وهو ما حفز الكثيرين على الإنصراف، مباشرة بعد بداية حلقة التشويش والزعيق المشار إليها أعلاه. وطبعا فإن هذه الملاحظات لا تبخس أبدا من حجم المجهودات المبذولة من طرف الجمعية.
وحتى لا يتكرر ما حدث خلال العرض الأول، كل متمنياتنا أن يقوم المنظمون بالحرص على وضع حد، لمثل تلك السلوكات الطائشة، التي أفسدت على الحاضرين متعة وفائدة العرض الأول. فما لا شك فيه، أن نفس العناصر، قد تصر على محاولة نسف العروض اللاحقة، وهو ما لا نتمناه. والله الموفق.