بقلم : الخضير قدوري
إذا كان العرف هو أصل التشريع ،والمشكل أساس التقنين ،وكان التسيب هو أصل التدبير ،فقد أصبح انعدام التنسيق الإداري من أهم مفاسد الإدارة التي تهدد السلم الاجتماعي، وتجعل رجوع الأصل الى الأصل من المحبذ الطيب والأحلى في هذا الزمن الرديء ،الذي يبعد المشرع الحكيم من أمور التشريع الصائب ،والفقيه العليم من التقنين الهادف، والرجل المناسب من المكان المناسب ، ويفرغ الإدارة من الخبراء في فن التدبير، والمدراء في حسن التسيير، ثم أسندت الأمور لغير أهلها . وأضحى العمل بالتشريع الوضعي لا يولد سوى الشقاء للخاصة ويدمر حياة العامة ، وبات ترسيخ القوانين المجحفة والعمل بالمساطر العفوية لا يخلق سوى المشاكل للفرد والجماعة ،ولا يزرع التسيير الإداري الفاسد في كل الأوساط الاجتماعية سوى الفتن وعدم الاستقرار في ضل هذه السحب العابرة في سماء الوطن ، لم يسع ذا عقل فيه إلا أن يركن الى الزاوية في انتظار الساعة الموعودة
اذا كان المقننون المعاصرون قد صنعوا القوانين لحل المشاكل ورفع المعانات عن المواطنين ،من حيث لا يعلمون أنهم قد صنعوا المشاكل والمعانات لهؤلاء المواطنين، وكان المشرعون الجدد يبتكرون تشريعات تضمن الحقوق والحماية للمواطنين ،من حيث لا يعلمون أنهم من هذه التشريعات قد ابتكروا ما ينغص حياة وعيش هؤلاء المواطنين ،وبالتالي يهضم حقوق كل المستضعفين، واذا كانت الإدارة الحديثة قد جاءت من اجل تبسيط المساطر وتذليل الصعوبات أمام المواطنين ،وهي تدري او من حيث لا تدري انها تصنع العراقيل وتزرع السخط في قلوب الساخطين ،وتبث روح الانتقام لدى الغاضبين الذين يعبرون عن تذمرهم من أوضاعها ، بوقفات احتجاجية شبه يومية ، واعتصامات فردية وجماعية بابوابها ،وأحيانا بمسيرات ومظاهرات في الشوارع والساحات العمومية ،كلها مؤشرات تشير الى خلل ما في التشريع والتقنين ،وفساد إداري قد يستدعي التدخل السريع ليس من قبل القوات العمومية، وإنما من قبل الفعاليات السياسية والثقافية والإدارية المحنكة ،القادرة على إدارة الأزمات ،وترجمة القوانين وتكييف التشريعات، وفق ظروف المكان والزمان وأوضاع الإنسان ،اذا لم تكن هذه الأخيرة تنزيلا منزلا فهي قابلة للتعديل والتغيير في كل الأحيان ،وان كان التنزيل الإلهي قد قضى بقطع يد السارق ،فان القاضي عمرو قد ادرأ الحكم بشبهة الحاجة فعدل عن التنفيذ ، ما وجدت في تمسك القاضي بحرفية القانون سوى عجزه عن الاجتهاد ،ولا تشبث الإداري بعقدة المسطرة سوى فشله في فك عروتها ،مما يجعلهما في نطري دون مستوى المسؤولية المنيطة بهما ،وحالهما لا يختلف عن حال آلة مبرمجة او متحكم فيها . فاذا كان من واجب القاضي تلقي الحجج والأدلة قد يبقى من حقه الحكم بالقناعة المتوفرة ،فان كان يسمع بإذنيه او يرى بعينيه ما يبين له الحق من الباطل في رايي قد يبطل ذلك العمل بالنص والمادة ويلغي الأخذ بالدليل والحجة ، كما إن المسئول الإداري هو الأخر اذا تبين له عدم إمكانية مطابقة المسطرة للواقع ،وجب عليه تكييفها مع هذا الواقع دون تشبثه بزمامها وإيقاف العربة أمام حصانها ، .قد يكون من البلاهة بمكان ان يستدعي لزق ذبابة فوق حرف الحاء في اسم محمد تدخل القضاء لاستصدار حكم من اجل إزالة زق الذبابة ،او لحذف حرف الألف قبل الميم ،او إزالة حركة النصب من على لفض كلمة سليمة او معتلة في دفتر الحالة المدنية .وهل يتطلب ملء حفرة او استبدال مصباح استنفار كل المصالح لعقد اجتماعات تلو الاجتماعات على مدار اليوم والساعة والشهر والسنة فتتعطل مصالح المواطنين لانشغال المسئولين بمثل هذه التفاهات ” وصدق الشاعر حيث قال : مت يا بعير واخفقي يا شاة ، فقد انهمك في اللهو الرعاة “
أوليس من البلاهة في شيء استيراد النظم والقوانين والمدونات من دول ابعد ما تكون من دولتنا جغرافيا وأصعبها ملاءمة اجتماعيا وثقافيا ،كمدونة السير على سبيل المثال لا الحصر المستوردة من دولة راقية لا وجود فيها لجاهل بالقانون ولا مكان فيها لامي لا يفهم لغة الشارات ولا يحترم شرطة الضمير . دولة بفضل مدونتها المواكبة لتطور شعبها ورقيه قلما كانت تسجل فيها حادثة سير واحدة في الشهر او في السنة ، في حين لم يغير قانون هذه المدونة المنزلة في دولتنا المغربية والمترجمة الى لغتنا العربية والامازيغية والعامية من أحوال طرقنا او يقلل من نسبة الحوادث القاتلة بالجملة فزاد طيننا بلة ،حالها لا يختلف عن حال دخيل غريب لا ينسجم مع طبيعتنا العقلية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية وقد قاومناه بكل ما نملك من قوة فرحل لا نريده ان يعود الينا بمسوح جديدة ،إذن أين يكمن الخلل أفي الإنسان المغربي المتشبع بمغربيته ام في الطرق المغربية القاتلة ام في مدرسة تلقين قانون المدونة الجديدة وفق ارادة الادارة او الوزارة المكلفة ام في المدونة نفسها باعتبارها بضاعة استهلاكية او مجرد سيارة رباعية الدفع قادرة على التكيف مع كل المسالك الوعرة ،ام كان من الأجدر نقل دولة واستيراد شعب وحكومة بالكامل فتحزم أجهزة دولتنا حقائبها وتمضي وتركب حكومتنا مركب الفشل وترحل .سؤال نوجهه الى الوزارة المكلفة والى الإدارة الساهرة على ترجمة فصول المدونة ،والعاملة على ترسيخ بنودها وتثبيت أحكامها ودعمها بإضافات عفوية كزراعة الرادارات وتجييش رجال التحصيل في كل المنعرجات لالتقاط المخالفات، واستخلاص الغرامات ذلك ما لم يرد في مدونة الاصل او تحدد قيمتها ضمن بنودها كل ذلك لا يزيد سوى التضييق على المواطن وأما المشكل في نظري سيضل قائما ولم تزده المدونة إلا تفاقما وتعقيدا وتازما ،ما لم يعاد النظر بحكمة في صياغة قانون حقيقي ينبثق من ثقافتنا وأخلاقنا وتربيتنا وسلوكنا وعن رجال الفكر والعقل والخبرة والمعرفة فهل يكون تشريعنا بصفة عامة قد صان حقوق المجتمع، وهل كان لمشرعينا في هذا البلد إلمام بعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا الاجتماعية ويتصفون بما ذكر فوقه ، بالطبع لا .
انتقالا من مدونة السير ومرورا كريما بمدونة الشغل ومدونة التعليم وصولا الى مدونة الأسرة ، سنتوقف على سبيل المثال لا الحصر عند قانون الطلاق والتطليق فنتساءل ان كان التطليق للشقاق لدى المرأة او الزوجة بحجم الطلاق البائن والرجعي والأول والثاني والثالث والذي يعتبر القول فيه من أصعب الأقوال ولفضه دونه قطع السنة الرجال ، وبالأحرى التفعيل والتنفيذ ،كلمة الطلاق التي كان الزوج يلوكها ألف مرة قبل ان يلفظها ، ويقرا الحسابات لكل ما سينجم عنها من الأعباء المادية والمعنوية و التبعات الأسرية .أعباء وتبعات كانت تشكل الى حد ما وزرا يثقل ظهر الزوج ويجعله بالرغم عنه يفكر الف مرة فيتصبر على مضض من اجل لم شمل الأسرة والمحافظة على عرض وشرف العائلة ،فهل يكون التطليق بنفس الحجم والثقل والتبعات لدى الزوجة المعاصرة الراغبة في فك الارتباط وتفكيك الأسرة بكل سهولة مقابل حقوق العدة والنفقة والتكافل والمساعدة الاجتماعية والمغريات المادية التي تشجع المرأة على التطليق ويجعل وضعها المادي ليس أسوا من وضع الرجل الذي بات قلما يقبل على زواج ثاني لضيق سعته المادية التي تجعله لا يستطيع اليه سبيلا فيندفع قهرا الى ما يسمى الزواج العرفي والميسار والمتعة والى غير ذلك من أشكال الدعارة والفساد، هل تكون مدونة الأسرة بهذا القانون قد عملت على ترميم بيت الزوجية وأنقذت الأسرة من التفكك والأطفال من التشرد وعالجت مشكل عزوف الشباب على الزواج في مجتمع بلغت نسبة النساء فيه أكثر من 50 % ،وهل التفت مدونو مدونة الأسرة الى هذا الخلل مقابل منع التعدد وما ينجم عنه من هده المشاكل والمفاسد الاجتماعية
ترى هل يكون مضمون الخطاب الملكي الموجه الى المشرعين من تحت قبتهم بخصوص ما وصل إليه عن مجتمع يعاني من مفاسد مسطريه وتشريعية وقانونية ؟ ترى هل لقي هذا الخطاب الأذان المصغية والأفكار المستوعبة عند رجال ونساء الإدارة والقضاء والثقافة والسياسة والاجتماع القادرة على إصلاح هذه المفاسد ، بما يجعلها ملائمة وفق ظروف المكان والزمان والإنسان . ام ترى من المرجح إعطاء الفرصة للشارع ليقنن ويشرع بالعرف السائد ويدير ويدبر بالفكر القديم ؟ وحتى لا يقال عنه انه متمرد على القوانين ومتطرف ضد الشرائع