بقلم : الخضير قدوري
حينما قلت ان البيت المغربي مليء بتسرب الغازات ،وهو قابل للانفجار في أية لحظة .ربما يبقى هدا الكلام عند المتربعين على المتكئات في الغرف المغلقة من الغير المبالين بما ينضج في قدر الطبقة المسحوقة أمرا دون أهمية ،ويحسبونهم قادرين على رد جماح العاديات باللجم واناخة الجمال بالسياط ، ونحسبها اذا انطلقت كسرت القيود وألقت بالأحمال وما فيها وتخلت عن السروج ، ويجدونهم متحكمين في الأوضاع بواسطة أزرار تبدو لهم متينة وتبدو لنا أوهى من خيوط العنكبوت ،وليس فيهم ولا منهم من يتذكر التاريخ ويتأمل في أسباب اندلاع ثورات شعبية قديما وحديثا أدت الى سقوط أنظمة وانهيار حضارات، ما كانت إلا من ظلم وجور او من اجل الحياة . بدليل قوله تعالى “اذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ” فمن يكون هؤلاء المترفون الفاسقون او المفسدون غير الذين يتربعون على الكراسي في مراكز القرار، وهم لا يعلمون ان أصل الحرائق شرارة قد تتطاير من اي حريق مجاور ،او تماس كهربائي عابر ، او عن ومض برق خاطف ،او من عادم سيارة او بقايا سيجارة. كلها أسباب قد ينجم عنها حرائق تستدعي استنفار كل الطاقات من اجل إخمادها بعد ان تكون قد أتت على أخضرها ويابسها ، ولا يعلمون ان أصل الثورة كلمة قد يموت صاحبها فتزداد تصعيدا وتوسعا ككرة ثلجية تتدحرج في كل المنحدرات ، قلما تفلح في إيقافها قوى الأمن او تفيدها خطابات المرشدين والوعاظ ، كما هو أصل الحرب طلقة نارية من اي الإطراف المتنازعة فتزهق ألاف الأرواح .في كل هذه الأحوال يبقى الحذر وعدم التسرع في اتخاذ القرارات من شيم الفرسان ، وضبط النفس مع الحكمة والتبصر من اوجب الواجبات قبل شجاعة الشجعان
ما الضجة التي كادت تشعل ثورة العدس الناجمة عن ارتفاع في سعر هذه المادة ،رغم كونها ليس بالضرورة إعطاءها هذه الأهمية لترقى الى مستوى ثورة الخبز سنة 65 ،ولا الى مستوى الزيادات المتتالية في سعر المحروقات سنة 16 بعد ألفين ، رغم استقرار أسعار هذه الأخيرة في الأسواق العالمية دون 50 دولار للبرميل .في حين مازالت تتدرج صعودا بالمغرب الى مالا نهاية في ضل ما يسمى نظام المقايسة الذي يخضع سعر هذه المادة في بلدنا وفق سعرها في الأسواق العالمية إلا أن مفتي الديار ربما يكون قد أخطا الصواب ظنا ان سعر البرميل سيضل في ارتفاع مستمر لكن مع حدوث العكس بانخفاضه الى أكثر من النصف تبين ان نظام المقايسة الذي خلق لمسايرة العد التصاعدي أصبح لا يقبل بمسايرة العد التنازلي ولما أصبح الأمر غير مجد اصدر المفتي مرة أخرى فتوى تبيح تحرير سعر هذه المادة
ووضع زمام أمرها بيد شركات المطففين الذين اذا اكتالوا يستوفون واذا كالوا او وزنوا يخسرون ،وهي تتصرف في بيع هذه المادة الأساسية وفق إرادتها دون رقابة ،وربما بتواطؤ مع حكومة تغض الطرف وتتذرع بما يسمى قانون تحرير السعر .ليصبح ثمن اللتر من الكازوال قاب قوسين او ادني من 10 دراهم في طريقه صعودا الى 15 درهما مادام سعر البرميل في الأسواق العالمية مستقرا في حدود مادون المائة دولار ،بذلك يصبح سعر هذه المادة الأساسية الأغلى في المغرب من بين دول المحيط عامة ، وقد ينعكس هذا السعر سلبا على القدرة الشرائية للمواطن المغربي .ومادامت هذه الشركات المحتكرة للقطاع تتلاعب بأسعاره وتستحمر الشعب حين تخفضها متى تشاء بنسبة سنتات معدودات لفترة زمنية اقل ،طالما ترفعها كيف تشاء بعشرات السنتات لمدة أطول. وفي تزايد مستمر ما دام المستهلكون قادرين على دفع الثمن ،فاذا كان الشعب المغربي يتألم في صمت من ثقل هذا الحمل، يجب على المحملين ان يعلموا انه لن ينهض بثقل حمله وان أرغم على النهوض سيلقي به أرضا
وإذا كانت الزهرة الأولى في الربيع العربي قد أينعت في الحقل التونسي وكانت صفعة الشرطية على خد بائع متجول يريد كسب قوته من عرق الجبين في مدينة سيدي بوزيد التونسية بمثابة القطرة التي أفاضت ألكاس وأشعلت الثورة قد لا يختلف أمر حالها عن حال هذا الشرطي الذي يأمر بطحن بائع سمك يحارب شظف العيش بمدينة الحسيمة المغربية وأخاف ان تكون ردة فعل العامة بمثابة هبة ريح لواقح على ربوع حقولنا
قد لا أرى من الحنكة السياسية الزيادة في أسعار العدس، ولا من قبله البصل والغاز، ومن قبله الوقود والماء والكهرباء ،وإنما الحنكة في كيفية مواجهة كل احتمالات ردود أفعال ذوي قلة اليد وفراغ الجيب اذا أرادوا الحياة يوما فيرغمون على الاستجابة للقدر كلما تجاوز التضييق والاضطهاد حدود الصبر ،يومئذ قد لا تنفع الخطابات ولا تجدي الحيل او تشفع التوسلات. ولا أرى من عبقرية المشرعين في إنتاج قوانين لا تتماشى مع الوضع الاجتماعي المتدهور، ولا من شجاعة الحكومة إجبار الشعب على الطاعة بما يفوق حدود الاستطاعة . وإنما يجب ان تبقى حكمة الحكام في العمل على إرساء قواعد الإحسان و العدل والسهر على توفير الرخاء والرفه والأمن والاستقرار ،ورفع مستوى القدرة الشرائية للمواطنين لضمان العيش الكريم ،وأما التحايل على جيوب الضعفاء المغلوب على أمرهم بالزيادات في المواد الاستهلاكية ،والاقتطاع من أجور المساهمين في التغطية الاجتماعية ، وتمديد سن التقاعد وتغرير المعطلين بطول الأمل ،كل ذلك يبقى من التراكمات الاجتماعية التي قد تزيد في بعث الغازات السامة وكهربة الأجواء المضطربة ، قلما تحفظ الأمن والسلم او تضمن الاستقرار ،بقدر ما تجعل هذا البلد كعبوة قابلة للانفجار، كلما أومض البرق من اظم ،او هبت ريح من تلقاء كاظمة بشرارة من موقد الجيران ،فالحذر واجب من تقلبات الفصول الأربعة ،ومن تموجات الرياح الشرقية والجنوبية في ضل هذا المناخ السياسي الملوث ، علما انه من الطبيعي في شرعنا وشريعتنا وعادتنا وتقليدنا ان لا نستبشر خيرا من هبوب هذه الرياح وهي لا تحمل إلينا بردا ولا سلاما ولا غيثا نافعا سوى غبارا يخنق الأنفاس ويعمي الأبصار ،وحرارة تذوي العشب وتحرق الأشجار