بقلم : ميلود وهابي
التعليم، كلمة أخذتها دول على محمل الجدّ، فوصلت بها إلى رقيٍّ في نهاية الكدّ، آمنت بها كأساس للتنمية ولم تشاركها شيئا في الندّ، ولم تقل بأنها غير منتجة أبداً. لكن واحسرتاه! أن يصبح التعليم في بلادنا عبئا يجب التخلص منه من طرف أناس للأسف لولاه ما وصلوا الى ما وصلوا اليه.
هل فعلا التعليم غير منتج؟ أم أوهمونا أنه غير منتج؟ إذا كان فعلا غير منتج، لماذا اذن الدول الأخرى تنفق عليه أكثر من القطاعات الأخرى؟ لماذا يتم تهميش التعليم في بلادنا؟ هل هي سياسة مقصودة أم ناتجة عن سوء التدبير؟
إن من يقول ويشيع بأن التعليم غير منتج من مسؤولينا، وجب عليه أولا أن يتذكر من أهداه المعرفة وصقلها ليصبح إطارا، ووصل بها إلى المقام الذي من خلاله يتهكم على التعليم، ثم ليوسع النظر كرَّتين لعله يومئ الكم الهائل من الأطباء والأساتذة والمهندسين في كل المجالات والتقنيين بكل الإختصاصات والمحامين والقضاة والصحافيين…، ألم يكفيك أن كل هؤلاء هم نتاج لتعليم أردت أن تجتره بسياساتك البئيسة؟
حسنا! ربما تقول بأن التعليم ننفق عليه من المال أكثر مما يعطينى هو! سأقول بأن كل الأطر التي ينتجها التعليم هي من تقود قاطرة الإقتصاد بالبلاد، ووجودهم بالضرورة يؤدي إلى التطور الإيجابي للإقتصاد وباقي المجالات، ربما قِصَرُ نظرك هو الذي جعلك تتهم التعليم بأنه غير منتج، لكن في العمق يظهر جليّا أنه لولا التعليم لأصبحنا في عالمٍ عاشر بدل العالم الثالث، الذي أردتنا أن نستقر فيه ليحلو لك الإنقضاض على فريستك دون أن يحاسبك من قد ينتجه التعليم!
لكن المثير للإعجاب، أن الدول المتقدمة تصرف على التعليم أموال كبيرة رغم أنها متقدمة ولاحاجة لها بهذا القطاع غير “المنتج” كما تدعون، كاليابان التي تعتبر من بين أكبر الدول التي تكتسح سوق التكنولوجا، وكوريا الجنوبية التي وصلت فيها نسبة التعليم 96.6% وأنفقت على التعليم السنة الماضية 11.3 مليار دولار، سنغفورة، هون كونك، فنلندا، الولايات المتحدة، كندا، هلندا…، ودول أخرى لايتسع المجال لذكرها، دول ارتقت في عالم الصناعة والتكنلوجيا ولم تقل يوماً بأن التعليم غير منتج، بل أنفقت على التعليم ليوصلها إلى التطور والتنمية، وقد تحقق لها ذلك بالفعل.
هل هذه الدول تصنف ضمن العالم الثالث يا ترى؟ هل اهتمامها بالتعليم يعد جهلا “بعدم انتاجيته” أم ماذا؟
إن الإهتمام الكبير الذي توليه تلك الدول التي تجاوزت بلادنا في ركب التقدم، إنما راجع إلى درايتها بمدى العلاقة الوطيدة التي تجمع التعليم بالتقدم والرقي، وآمنت إيمانا قويا بأنه لايمكن أن تفصل التعليم عن التقدم، فالعامل البشري هو أساس التقدم، وبالتعليم يمكن صناعة جيل مثقف وذو معرفة كبيرة تجعل التطور والتقدم أمراً بديهيا في مستقبلها.
لكن لماذا نتهم مسؤولينا بأنهم أهملوا التعليم؟ وأين تتجلى مظاهر هذا الإهمال؟
لنرجع قليلا وننزل إلى مدارسنا في هذه البلاد العزيزة، لنرثي دمارها. كل من يدخل أي مؤسسة تعليمية لا بد وأن تشمئز نفسه في البداية من افتقار المؤسسة للبنية التحتية، كل الأسوار والمسالك في المؤسسة محفرة مما يتخيل للمتعلم كانه داخل السجن، في بعض الأحيان تجد المؤسسة لم ترمم منذ زمن بعيد، والأدوات المدرسية قديمة لاتجدّد إلا بشق النفس في صراع مع الهيئات المسؤولة، مقاعد مكسرة وربما لم تستبدل ولم تعزز منذ افتتاح المؤسسة، كل هذه العوامل السيئة تبصم في نفسية التلميذ بصمة تذمر واشمئزاز، وتنفره من المدرسة، وربما ما نلاحظه من غياب التلاميذ عن المؤسسات لدليل قاطع على نفورهم منها، كيف لا والسجن في بعض البلدان المتقدمة أحسن بكثير من مدارسنا، إذا لم نحبب للتلميذ المدرسة فكيف لنا أن نتحسر عليه عندما ينقطع عن الدراسة؟
هذا من جانب البنية التحتية للمؤسسة والوسائل الديداكتيكية، لنرجع الى كارثة الإكتضاض الذي تعاني منه كل المؤسسات التعليمية في المغرب، بحيث نجد أقساما تضم أكثر من ستين تلميذاً. حتى أصبح القسم الذي يضم أربعين تلميذا، مثاليا في بلادنا! كارثة بكل المقاييس! لا يمكن أن نسير بالتعليم إلى الأمام في ظل هاته الظروف اللاتربوية واللاتعليمية التي تعيشها مؤسساتنا.
كل هاته المشاكل يرجعها المسؤولون لأسباب مادية حالة دون الإرتقاء بالبنية التحتية لمؤسسات وتعزيز بلادنا بالمزيد من المؤسسات والمزيد من الأطر التربوية لتوفير ظروف ملائمة لعملية التعلم التعليمية.. ربما قد يبدو هذا صحيح !!
لكن كما ذكرنا من قبل فإن العامل البشري هو أساس للتطور الإقتصادي، وخصوصاًّ أن المغرب يتوفر على أطر ذات كفاءة عالية تساهم بشكل كبير في الإرتقاء باقتصاد البلاد، ربما أحسن من سنوات مضت. لذ يمكن أن نجزم بأن ازدياد عدد السكان يوازيه بالضرورة التطور والإرتفاع في مداخيل الدولة، ومنه يمكن أن نقول أن لكل عدد معين من التلاميذ توجد موارد مالية لتخصيص أستاذ لهم هم فقط، وتوجد موارد مالية أخرى لتحسين جودة البنية التحتية للمؤسسات بشكل دوري، كما كان الأمر في السنوات الماضية، وتوجد أيضا موارد مالية خاصة لإحداث مؤسسات جديدة…!
قبل ان تتهم أنت التعليم بأنه غير منتج، يجب أن تجيبنا عن السؤال التالي: أين هي المداخيل المالية التي ينتجها المواطن لتُخصّص للتعليم؟