بقلم: عبدالحق الريكي
الخميس، السادسة مساء…
دخلت المنزل بعد يوم عمل ليس كالمعتاد، إذ تخللته فترات طويلة من مطالعة التدوينات على المواقع الاجتماعية… كلها تدور حول العَدَس وصعود ثمنه في بورصة الأسواق الشعبية… حالة من الغليان لم يعرف الفضاء الأزرق مثيلا لها حتى خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة…
عقلي مع العدس، جوارحي مع العدس… عليَّ أن أقوم بعمل ما حتى لا تفوتني الموجة… أخذت هاتفي وقلت مع نفسي “كَبِّرْهَا تَصْغَارْ”.. كتبتُ في 18 ثانية هذه التدوينة: “يا شعب الفايسبوك العظيم، موعدنا جميعا يوم الأحد على الساعة العاشرة صباحا، بساحة باب الأحد بالرباط، لرفع شعار واحد «سْوَا اليُومْ سْوَا غَدَا، العَدَسْ ولا بُدَا»…”…
أردت مراجعة التدوينة، لكن هاتفي رن، إنها المَدَام، وعوض النقر على مفتاح الهاتف ذهب أصبعي إلى إرسال التدوينة التي كنت أريد مراجعة مضمونها… قلت لا بأس، سأفعل ذلك حالما أنتهي من مكالمة زوجتي…. طال الكلام عبر الهاتف وكان لزاما عليَّ الذهاب فورًا لقضاء غرض عائلي مهم، أَنْساني تدوينتي المتعلقة بمسيرة شعبية عارمة من أجل العدس….
الجمعة، السابعة والنصف صباحا…
قبل مغادرة المنزل في اتجاه العمل، فتحت الموبايل وصفحة الفايسبوك، ووجدت وباستغراب مئات ومئات من التعليقات حول مدونتي، وكذا استعداد الشباب والشابات للنزول إلى الشارع من أجل العدس، ليس القاطنين في الرباط وحدهم، بل من كل جهات المغرب، كما تعودنا قوله هنا: من طنجة إلى لݣويرة…. ضَحكتُ مع نفسي وقلت أن حَدَسِي كان صائبا، ما دامت تنظيمات حزبية ونقابية وجمعوية قررت النزول إلى الشارع، للدفاع عن قوت الشعب وحقه في العدس… ابتسمت وقلت مع نفسي : إنني أصبحت مثل قارئة الأبراج والفنجان…هههههههه.. ذهبت إلى مقر العمل، وأنا متردد من مشاركتي الشعب والشباب والشابات في مسيرة العدس ليوم الأحد، نظرا لابتعادي عن المسيرات والوقفات الاحتجاجية منذ زمان…
نفس اليوم، بعد صلاة الجمعة…
وأنا خارج من المسجد، التقيت أحد رجالات الحَالْ، تعرفت عليه في فترة الصراع الطلابي ومن بعد النقابي وتوطدت علاقتي به عندما أصبحت رئيس ديوان الوزارة… استغربت أدائه لفريضة الصلاة بمسجد بعيد عن مكان عمله الكائن وسط المدينة… حياني بحرارة وطلب مني إن كنت أعرف مطعما لتناول وجبة الكسكس… بدأت أضرب أخماس بأسداس، وأتساءل مع نفسي عن الغرض الحقيقي لمجيئه… كدت أن أصرح له، أنتم أصحاب الحال، تعرفون أين أتناول كسكسي كل جمعة وتعرفون تحركاتي رغم أنها منذ زمان محدودة ما بين المنزل والعمل، وبعض الأحيان لقاء صديق واحد كلما توفرت النقود لشرب قهوة سوداء أو قهوة نص نص… وأنكم تعرفون أيضا أنني طلقت النضال الميداني الحركي والثوري منذ زمان..
ذهبنا إلى المطعم. طلبت طبقين من الكسكس وأنا في جيبي ثمن طبق واحد… خيم صمت مطبق قبل أن يبادرني بالسؤال عن أحوالي وأحوال العمل، وإخباري عن تتبعه عن كثب كل مقالاتي…. هو ورؤساءه الكبار… قلت في نفسي “الله يخرج العاقبة بخير” من جهة، ويرزقني لكي أؤدي ثمن الكسكسين… قُلتُ له حتى لا أَضَّل صامتا، “مقالاتي متواضعة ومحدودة وأنت تعرف أنها هواية لا أكثر “… رَدَّ عليَّ، “أنت دائم التواضع” مسترسلا كون لقائنا ليس صدفة بل طُلِب منه لقاء مجموعة من الفعاليات حول مسيرة العدس ليوم الأحد، لأن الكرة الثلجية بدأت تتدحرج وتكبر والوضع لا يطيق احتجاجات، ونحن خرجنا لتونا من انتخابات برلمانية ضعبة والحكومة ما زالت لم تتشكل بعد والفراغ المؤسساتي من برلمان وحكومة يعقد أمر الجهات التي عليها اتخاذ قرارات الترخيص أو المنع أو التفاوض….
ونحن نأكل طبق الكسكس، قُلتُ له أنه يبدو لي أن السلطة تُضَخِّم من الأمر وأن القضية لا تعدو أن تكون دعوات شباب وشابات على الفايسبوك، غالبا ما تنتهي على نفس الفضاء، وأنني لا أعتقد أن الآلاف سيخرجون إلى الشارع وأن تنبؤي هو خروج المجموعة التي دأبت على الخروج والاحتجاج دائما وأبدا… نظر إلي وقال : “إما أنك تعلم ما لا أعلم وإما أن المسئول الكبير أخطأ في تكهنه حول دورك وإشعاعك، في كل الأحوال فإني مُطالب بالرجوع فورا لمقر العمل لأن مجموعة من الس م س وصلتني تحثني على الرجوع حالا… هل لا ترى مانعا من مقابلة رئيسي إذا دعت الضرورة إلى ذلك؟”… قلت له، أنا مطلوب لدى رئيسك؟؟ قال : نعم… وبدون تفكير أجبته : مرحبا، مرحبا…. في نفس الوقت طلبت من النادل عدم قبض الورقة الزرقاء منه، لأنني أنا الذي دعوته للغذاء…
جلست حيرانا، لا أعرف ما أُقدم ولا ما أُؤخر… توكلت على الله، بعد أن شرحت للنادل، قلة نقودي، طالبا منه قبول نصف ثمن الطبقين على أساس زيارته يوم الاثنين لأداء ما تبقى على ذمتي…. نعلت العدس وأهل العدس وثوار العدس والفايسبوك، قبل أن استغفر الله وأردد وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم…
التتمة في الحلقات القادمة… إذا تيسرت الأمور سنتناول في الحلقة الثانية تطورات “ثورة العدسيين” من لقائي بالثوار العدسيين قضية التفاوض مع حكومة تصريف الأعمال من رئيس حكومة ووزراء الداخلية والفلاحة وعن المسيرة وقمعها واعتقال ثوار العدس وإطلاق سراحهم بعد تدخل الأمريكان ووووو…
ملحوظة : كما يقال فإن هذه الأحداث من وحي خيال المؤلف.. وكل تشابه في الأحداث والشخصيات أو الأسماء هو من قبيل الصدفة لا أكثر.. إلا العدس…
عبدالحق الريكي
الرباط، 21 أكتوبر 2016