بقلم : عزالدين قدوري
تحت مظلة حقوق الإنسان وحرية التعبير نظم ثلة من شباب مدينة تاوريرت الغيور وقفة أمام مقر بلدية تاوريرت واضعين على الأرض نعش رمزي مكتوب عليه ” المرحومة تاوريرت ” تعبيرا عن رفضهم الوضع العام المأساوي الذي تعيشه المدينة على جميع المستويات والأصعدة .في حين بقي البعض واقفا يجسد دور المتفرج والبعض الأخر من المارة ينظر إلى الوقفة باستهتار ولا مبالات . وقد أعطت هاته الوقفة صورة واضحة وكشفت جوانب أخرى قد لا ينتبه لها المرء .
فابرز ما يميز واقع الحياة التاوريرتية اليوم هو حجم التناقضات واللامعقول الذي تتسع دائرته باطراد يوما بعد يوم . كنتيجة للصراع حول الصناديق الانتخابية . والدي افرز لنا جانبان مشكلان للنسيج التاوريرتي الأول غني مترف يسعى لتأكيد سيطرته وبسط نفوذه عبر الانتخابات ، وجانب ثاني يضم اغلب ساكنة تاوريرت الذين تشغلهم الضرورات المعيشية والحياتية أكثر مما تهمهم شؤون المدينة الأخرى .
كل شيء في دهنهم أصبح يقدر بالمال ، و مثلهم المأثور ” بقدر ما تملك أنت تساوي ” حتى باتت قلوبهم متعفنة من كثرة الطمع و الجشع بل إن بعضهم اتخذ من الهتاف بأسماء الشخصيات المترفة في المحافل و المجالس و الأماكن العامة مهنة يجني منها بضع دريهمات وبعض الامتيازات .
إنني هنا ، في هذا الصدد لا أشن حملة على أغنياء المدينة ولا أعاتب فقرائها ولكن يبقى السؤال المطروح موجها لأصحاب النفوس المريضة
– أين انتم من الجانب الأخلاقي و الديني ؟
إن بنهجكم هدا السبيل تمكنون عبدة رأس المال و الثروة من زيادة فحشهم وتجعلون الإنسان المثقف و العفيف و الشريف متجاوزا مهمشا منهزما في معركة الثقافة ورأس المال .
اعذروني فليس بالغريب إن تحدثت بنوع من المرارة عن مدينة تاوريرت وما تعيشه من أزمة ثقافية هي سبب رئيسي في كل ما تعيشه المدينة من هزيمة في حرب يمكن أن نطلق عليها هيمنة السياسي المادي على الثقافي الأخلاقي في غياب الرقابة الممنهجة .
فالتعبير عن إرادة التغيير الاجتماعي لا تكون عن طريق الشكل الاحتجاجي و النضال السياسي فحسب وإنّما عن طريق توفير التعبير الثقافي أيضا و بكل صوره وأشكاله المتعددة ( ندوات ، مناظرات ، لقاءات …..) ولن يكون ذلك إلا بالخروج من دائرة التهميش الممارس على المثقف من طرف أرباب الجاه والمال والنفوذ السياسي الدين يسعون إلى كبت هذه الطاقات الثقافية المحلية و يرفضون الاستثمار فيها مثل باقي مدن المملكة رغم احتواء مدينتنا على مواهب أدبية وفكرية و فنية جبارة من شأنها أن تبث الوعي في الجميع . فللمثقف دور هام في مجتمعه باعتباره مشكلا ومطورا للوعي الجمعي لامته وفضائه البشري، وبفضله و قوة أفكاره تكتسب جل شرائح المجتمع مكانتها ، وفعاليتها ، وشجاعتها ، واستقلاليتها ونقدها للسلطة المنتخبة والمجتمعية .
وشخصيا أرى أنّ الحل لهذه الوضعية الصعبة و الحالة الراهنة لمدينة تاوريرت يتجلى في ردّ الاعتبار للثقافة وللمثقفين المحليين وتشجيع الطاقات الحقيقية الصاعدة من أجل الحدّ ولو نسبيا من هيمنة السياسي على الثقافي وطغيان الجهل على العلم . وذلك لن يكون إلا بخلق نهضة بروح ثقافية محضة تعبر عن حاجتنا لرؤية جديدة، تتغير فيها زوايا نظرتنا للأمور بشكل أكثر واقعية وعقلانية. تؤسس لحوار محلي يذيب التناقضات الحاصلة بين مكوناتنا السياسية والاجتماعية والثقافية بفعل نزعة السيطرة وحب النفوذ .