بقلم : المختار أعويدي
رحم الله السي علي يعتة، الذي ابلى البلاء الحسن في بناء الحزب الشيوعي المغربي “التقدم والاشتراكية” بعد تقديم الكثير من التضحيات هو ورفاقه من صحتهم وحريتهم وحياتهم، وظل مخلصا للمبادئ والأسس التي قام عليها الحزب، وفيا لرفاقه في النضال، غير ملتفت الى اغراء السلطة، إلا وفق ما يتناغم وتوجهات وقناعات الحزب، وما يخدم الوطن والمواطنين. ولم يرحل عن هذه الدنيا، إلا وقد خلف وراءه حزبا محترما، له مكانة مميزة في الخريطة الحزبية للبلاد.
غير ان الحزب منذ مجيء نبيل بن عبد الله إلى أمانته العامة. فقد هويته الاشتراكية بالكامل، وخسر تماسكه الداخلي، وأصبح حزبا مخزنيا سلطويا بامتياز، متهافتا على الكراسي الوزارية ومواقع القرار، بجشع منقطع النظير. ولا أدل على ذلك أنه الحزب الوحيد، الذي لم يغادر الحكومة منذ مجيء حكومة التناوب، مع الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998 وإلى الآن، بل أن أمينه العام هو الرجل الأكثر استوزارا من بين جميع مناضلي حزبه، ومناضلي باقي الأحزاب. فقد دفعه ولعه بالسلطة إلى التحالف مع كل الوافدين على زمام المسؤولية الحكومية، بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية والإيديلوجية والتنموية، وتقلب في كثير من المواقع الوزارية، حتى أفقدته السلطة تواضعه وبساطته وهويته، وجعلت منه كائنا سلطويا متخما بالغرور والكِبر. مع أنه لم يستطع حتى تأمين مقعد نيابي لنفسه، وهو الأمين العام لحزب محترم، بعدما تلقى صفعة قوية من الناخبين في دائرة تمارة. لم يعد بعدها يفكر أبدا في الترشح للإنتخابات البرلمانية (اللهم إذا فكر هو الآخر، في الترشح بتزكية من حزب رئيس الحكومة)، وترك هذه المهمة للأعيان والسماسرة و”مالين الشكارة” الذين أغدق عليهم التزكيات، بكرم حاتمي كبير، بعدما سد المنافذ في وجه مناضلي حزبه. وهو مستعد دائما للتحالف حتى مع الشيطان إذا كان رئيسا للحكومة، لأجل تأمين كراسي وزارية له ولأوليغارشية الحزب.
وحتى يضمن للحزب هذا التوجه المتهافت على السلطة، قام بتفكيك لحمة الحزب وتماسكه الداخلي، بإقصاء خيرة مناضليه وتهميشهم. وإتقان طبخ المؤتمرات الوطنية للحزب، لأجل إسكات كل الأصوات المعارضة. وإحاطة نفسه بأوليغارشية منفعية من انتهازيي الحزب، ظلت تتناوب على الكراسي الوزارية، والمناصب العليا الملحقة بها، مراكمة المنافع والمصالح الضيقة، وليذهب بعدها حزب يعتة إلى الجحيم.
ومن منجزاته الأخيرة، التي أملاها تهافته الكبير على السلطة، تحالفه مع حزب مناقض تماما لهوية الحزب الإشتراكية، ولمبادئه الحداثية ولتاريخه. ادعاءا وبهتانا، بأن ذلك املاه اعتبار خدمة مصلحة الوطن والمواطنين، مع أنه لم يسبق للشعب المغربي أن تلقي كل هذا التنكيل الإجتماعي والإجهاز على مكتسباته المعيشية والحقوقية، مثلما تلقاه على يد هذه الحكومة الفاقدة للشرعية الشعبية. ولم يكتف الرجل بهذا فقط، بل أعلن تحالفه المطلق مع هذا الحزب المترئس للحكومة، وارتماءه في أحضانه، بإعلان الإتفاق مع زعيمه/شيخه، على التواجد معا داخل الحكومة اللاحقة أو خارجها، بعد انتخابات 07 أكتوبر القادمة. في محاولة فاضحة منهما لتأمين وجودهما داخل الحكومة القادمة. “لاعبين ولا محرمين”.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أدى التوجه المصلحي والمنفعي الضيق لنبيل بنعبد الله، وحصوله في هذه الحكومة على 6 حقائب وزارية، لا تتوافق أبدا مع حجم فريقه النيابي المجهري في البرلمان، لم يكن يتخيلها حتى في الأحلام، بالنظر لحجم فريقه النيابي الصغير كما سبق، وتلقيه المستمر للمديح والثناء من طرف رئيس الحكومة، أدى كل هذا إلى انبهاره بهذا الأخير، وارتمائه الكامل في أحضانه. بل واستعارة لغته ومفاهيمه ومصطلحاته السياسة، من قبيل “التحكم”، وترديدها بغباء ببغائي باذخ، وهو الذي عمَّر حزبه في دهاليز السلطة والمخزن مدة 18 سنة دون انقطاع، كانت كافية لكي يغلق فمه إلى الأبد، ويترك مثل هذه الخرجات لمن لم يذق طعم السلطة بعد. ما جعل الصفعة الملكية الأخيرة، توقظه من غفلته السياسية، وتضعه في حجمه الحقيقي، وتخرس لسانه الذي طــــــــــــــــــــال هذه الأيام أكثر من اللازم، بل وأكثر من حجمه السياسي والنيابي الحقيقي. وبدأ ينطق كفرا بولية نعمته السلطة والمخزن، الذي عشش في دهاليزه سنين طويلة. حتى صدق فيه المثل الشعبي القائل: “حتى شبع صالح، عاد قال مالح” !!
لقد آن الأوان لهذا الرجل المتخم بالغرور والفانتازيا الجوفاء، الذي راكم من المصالح والمنافع ما يكفي، بعدما عمل على تحجيم الحزب وتقزيمه، وإفقاده هويته الإشتراكية، وإقصاء مناضليه الحقيقيين، والإرتماء في أحضان تجار الدين، والإلتصاق الأزلي الأبدي بالسلطة والمخزن والمناصب الوزارية. آن له أن يرحل، هو وزبانيته الأوليغارشية من الحزب ومن قيادته، ويترك المجال لكل الغيورين على هذا الحزب، خاصة من الذين عمل على إقصائهم ببشاعة من هياكل الحزب المختلفة. عسى حزب علي يعتة، يسترجع هويته ومكانته المفقودة، في الصف الإشتراكي الديموقراطي.