بقلم : الخضير قدوري
ديمقراطية عربية عجيبة غريبة..
قد انحدرت من رحم ديكتاتورية شبت في الثكنة العسكرية وتربت على ظهر الدبابة ثم شابت على استعمال العنف والبندقية مالا يمكن فطامها ومغادرة مهدها بسهولة
مكونات هذه الديمقراطية عجيبة وجوانب العجب فيها متعددة لكنها تخالف كل أعراف الديمقراطيات الكونية في مضمونها وتوافقها من حيث شكلها فيما يتعلق بحرية التعبير وحقوق الإنسان وتعدد الأحزاب والتداول على السلطة بواسطة الانتخابات الحرة والنزيهة وغيره من الأسس المثبتة لقواعد الديمقراطية المتعارف عليها كونيا إلا أن تفعيل هذه الآليات بالنسبة للديمقراطية العربية يبقى مجرد حبر على ورق فإذا كان التعبير حرا فان أذان السلطة عنه في صمم والتغني بحقوق الإنسان يبقى مجرد شعار تردده السنة المحرومين وأما تعدد الأحزاب فهو مجرد ديكورات تنمق الواجهات وأما التداول على السلطة قد لا يتسنى لمن لا يملك سلطان المال
قد يبدو للديمقراطيين من حيث الشكل أن الأنظمة العربية قلما تختلف عن الدول الديمقراطية من حيث اعتمادها هذا النظام بتعدد أحزابها وحرية التعبير فيها وتشكيل الحكومات التي تفرزها صناديق الانتخابات كل شيء قد يبدو شفافا ونزيها يعكس روح الديمقراطية لعيون من ينخدع بالمظاهر البراقة وينبهر بالحلل الحريرية المنمقة الحواشي بالألماس التي تتحلل بها الديمقراطية العربية
وإذا كان لابد من تجريد الحقائق من شوائبها والأحزاب من توجهاتها والحقوق من جديتها والحرية من ملابساتها سيبدو كل شيء مخالفا للواقع العربي رغم تعدد الأحزاب واختلاف توجهاتها فهي لا تختلف في أهدافها وبرامجها ولا تلتزم بتوجهاتها السياسية عندما تصل إلى مركز السلطة كما أن الحكومة التي تفرزها صناديق الانتخابات بأغلبية صوت أو أصوات قليلة قد لا تشكل أغلبية المنتخبين أو الشعب بالنسبة لرؤساء الجمهوريات
فلو فرضنا جدلا أن شعب أية دولة يعد بمليون نسمة وقد ترشح لرئاسته عشرة مرشحين ثم فاز احدهم بأغلبية صوت واحد أو عشرة بعد ألف هل من الديمقراطية أن يفوز هذا المترشح بواحد في المائة ويصبح مفروضا على الأغلبية التي تشكل 99 بالمائة والتي لم تصوت لصالحه بالنسبة للديمقراطية الغربية قد يعاد انتخاب هذا الأخير في الدور الثاني فالثالث فالرابع فالخامس إذا اقتضى الحال إلى أن يحصد أكثر من سبعين بالمائة فإذا كان تعدد الأحزاب في الدول الغربية يختزل في يسار ويمين ووسط لتقارب توجهاتها وأهدافها وغاياتها ففي الوطن العربي مازالت ديمقراطيته لم ترقى إلى هذا المستوى لذلك مازالت تنهج منهج فرق تسد لأنه لا يمكن لأي مترشح باسم أي حزب أن يحرز على الأغلبية بحصده أصوات نصف أو ثلث أو حتى ربع الشعب
فلو تأملنا البرلمان المغربي المتكون من حوالي ثلثمائة نسمة وقسمنا عدد المصوتين على هذا العدد بالتساوي لوجدنا المصوتين لصالح كل واحد منهم لم يتجاوز عددهم بعض الآلاف أو بعض المئات فيعتبر ممثلا لإقليم قد يتجاوز عدد سكانه الملايين نسمة كذلك الشأن بالنسبة للمجالس الجماعية التي يفوز فيها المترشح أحيانا ببعض عشرات الأصوات
بعيدا عن المغرب إلى مصر التي طمست الثورة الشعبية فيها على النظام الديكتاتوري وجاءت بنظام ديمقراطي أفرزت في ظله صناديق الاقتراع رئيسا شرعيا وحكومة ديمقراطية بشهادة العالم إلا أن هذه الديمقراطية لم توافق رأي العسكريين الذين قاموا بالانقلاب عليها فأي نوع من الديمقراطية قد يستجيب لأوضاع الشعب المصري الذي أصبح يدفع مقابل هذا التحول الثمن الغالي كذلك الشأن بالنسبة لليبيا التي أبى رئيسها القذافي الذي جاء إلى حكمها على ظهر دبابته أن يتنازل عن كرسيه إلا بالقوة وذلك ما حصل في تونس التي كان رئيسها ديمقراطيا إلى حد ما مقارنة مع غيره عندما فهم أن الشعب التونسي قد أراد الحياة فاستجاب القدر ثم حزم حقائبه وغادر فإلى سورية التي أبى الأسد إلا أن يتنازل عن كرسيه مهما كلفه ذلك من ثمن ولو أدى إلى خراب الدولة بكاملها وإبادة الشعب عن أخره ليبقى رئيسا على الأطلال وأميرا على الحجارة والمقابر ثم إلى الجزائر التي يجدد نظامها الدستور كلما بدا له ويمدد عهدات الرئيس إلى مدى الحياة حتى تصبح الجزائر مملكة والرئيس ملكا في جوهره فعن أية ديمقراطية عربية نتحدث وعن أية أنظمة سياسية نتكلم إلا أن تكون ديمقراطية عجيبة غريبة