بقلم : المريزق المصطفى
كما هو معلوم، كان الموضوعان الرئيسيان لعلم الاجتماع السياسي في فترته التكوينية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر هما النتائج الاجتماعية لظهور الديمقراطية كشكل في الحكم، و الأهمية السياسية لتطور الطبقات الاجتماعية على أساس الرأسمالية الصناعية، و هو ما أطلق العنان لنظريات متضادة، شدد فيها البعض على تأثير الأشكال و القوى السياسية على المجتمع، أما البعض الآخر فشدد على تأثير مختلف العناصر الاجتماعية على الأشكال السياسية.
و منذ ذلك الحين تم إحراز نتائج نوعية و كمية، كان لها صدى عالمي، ساهمت في خلق التراكم المادي و المعرفي على العديد من المستويات، كما خلقت آليات للتقييم و المحاسبة و المساءلة و إعمال مناهج الأخذ بالأسباب و الوسائل.
و إذا كان موضوع الصراع على السلطة، من المواضيع التي حظيت باهتمام رجال السياسة و الفلاسفة و علماء الدين و المفكرين و مختبرات البحث و الدراسة، فإنه من الضروري استحضار دينامية الفئات الاجتماعية بدل النظر إلى الفرد و أعماله و خطابه و حالاته السياسية و النفسية. و بالتركيز على هذا المنظور، نستطيع التمييز بين أشكال و طرق انخراط الفئات الاجتماعية في السياسة و الفئات المعنية بهذا الانخراط.
هناك معايير للحكم و الحكام، يقر بها المجتهد و الكسول و أي عاقل و ملتزم باحترام العلاقة بين السياسة و الأخلاق، من خلال الإيمان بمشروع مجتمعي و رؤية مستقبلية، تجعل لحياة الناس هدف و معنى، و تبني معهم نمط معين من القيم و المبادئ و العلاقات الإنسانية القائمة على الاحترام و التقدير و الاختلاف و النقد البناء و الحرية و الديمقراطية و التقدم، و نبذ العنف و القوة في رسم مستقبل أي بلد.
إن المغرب يتسع للجميع، و لا أحد يمكن له أن يستفرد بالرأي أو بالقرار السياسي، أو بالفتاوي الدينية أو الإيديولوجية. و حتى في العالم الآخر، نقول مع جوته: ” ليس ثمة عقاب أقسى على المرء من أن يعيش في الجنة بمفرده”.
لقد علمنا التاريح أن البناء الديمقراطي يحتاج إلى ديمقراطيين، و يتعارض مع الحاقدين و الناقمين على أنفسهم قبل غيرهم.
إن مشروعنا الديمقراطي في حاجة ماسة للتعددية الحزبية بمختلف تلاوينها الحضارية و الثقافية و الحداثية و التقدمية، و في حاجة ماسة للتعاطي مع الحركية التي أوجدت صناع الحرية و الديقراطية ببلادنا بوعي و تميز و احترام، و التعامل بثقة مع تطلعات المناضلات و المناضلين الذين و هبوا حياتهم للنهوض بالإصلاحات الحقيقية في مجالات العلم و الفكر و السياسة و الاقتصاد و الثقافة.
إن الصراع على السلطة يجب أن يكون موجها ضد أعداء الحركية الإنسانية، و ضد من يؤمن باحتكار الحقيقة و توظيفها لضبط التوازنات الاجتماعية و السياسية التي تخدم مصلحة فئة معينة و محدودة. فرغم تراجع المشاركة السياسية، و هبوط نسبة المنتسبين للأحزاب السياسية، يبقى الحاضن السياسي الذي نؤمن به، هو الذي ترتكز مفاهيمه الأساسية على قضايا التوزيع العادل للثروة و الحكم في المجتمع، و هو (كذلك) الحزب الذي يهدف و يناضل من أجل تحقيق المساواة و العدالة في أوساط المواطنين من دون تميز و لا استثناء.
و في الأخير، إن المهام الأولية التي تنتظرنا رغم البؤس السياسي الذي نعيشه، تقتضي منا تحرير كل الطاقات الشبابية و النخب المغربية (المتحزبة و المستقلة)، المناضلة و المبدعة، و الانخراط في مساراتها و في حركاتها الاجتماعية الاحتجاجية و غيرها، باعتبارها إطارا لتطور الفعل السياسي الجديد، و قوة سياسية صاعدة، تعيش من عرق نضالها، لا تبتز أحدا و لا تحتقر طاقة و لا تقصي بشرا و لا تقتل نفسا، و لا تغدر ملاكما فوق حلبة لها شكلها و أرضيتها و محاطة بحبالها و تخضع لقواعد الملاكمة، في زمن لم تعد فيه الملاكمة وسيلة لإشباع شهوة الدم و الموت.