تاوريرت بريس :
حينما انزل الله القانون ألسموي وجعله دستورا للحياة على الأرض، وقبل تنزيله أمر من سيحكمون به بين الناس بان يتدبروه بالقراءة ” اقرأ باسم ربك ” وبدون قراءة لا يمكن تفعيل هدا القانون ولا تنزيل هدا الدستور، ولا يتعلق الأمر بما ورد في الكتب المنزلة والشرائع البشرية على سبيل الحصر، وإنما نريده بالقول التشريعات الوضعية عامة، والتي كان أساسها العرف السائد في المجتمعات المختلفة قبل تجميعها في إطار دستور بلد ما ،إلا أن هده القوانين التي يعتمدها القضاة في أحكامهم والإداريون في قراراتهم أحيانا، قد يكون صناعها غير مؤهلين لدراستها من كل جوانبها ، ولا مستندين في دلك على عرف او سنة او كتاب او علم و معرفة ، ولولا أزمة القراءة لكان هؤلاء يتوغلون في بحث هده القوانين ويغوصون في أعماق هده المراسيم قبل مصادقتهم عليها والموافقة على إصدارها الى الإدارات والمحاكم من اجل تفعيلها بين المواطنين، حتى لا تظهر فيما بعد مليئة بالثغرات والأخطاء التي يصعب تداركها بعد انعكاساتها الخطيرة على حياة الأفراد والجماعات ،وتأثيراتها السلبية على تدبير الشأن العام كليا فيجرم البريء ويبرا المجرم وينصف الظالم ويعاقب المظلوم ، ولولا أزمة القراءة في بلادنا لكان المشرع قبل القاضي والإداري يدرك عاقبة هدا الأمر الذي تتأسس عليه كل الأخطاء ، ولما كان الأول يبرر حكمه بإلقائه اللائمة عليه كأمي لا يقرا او كجاهل لا يعلم ، فلا واحدة من هده المبررات ستشفع لهم جميعا لدى من لا يخطئ ولا يظلم عنده احد ،انه قاضي القضاة ورئيس محكمة الاستئناف العليا الذي لا يغفل ولا ينام ولا يخالف على حكمه مختلف، وادا كان القاضي يحكم بعد قناعته فلم تقيده بقانون يتعارض مع هده القناعة
ولولا أزمة القراءة لكان هدا الأخير قبل كل شيئ يتدبر قوله تعالى القاضي الأكبر الذي يحثه على الحكم بالعدل كلما تناول قضية من القضايا ” وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا”
قول مدبر الكون جدير به ان يكون نصب العين لا وراء الظهر، ولا صورة رمز البلاد من تصدر باسمه الأحكام والقرارات . لولا أزمة القراءة لكان هؤلاء المدبرون للشأن العام يحرصون على كسب رضا الأول والثاني بالرغبة والرهبة والطمع
بفحصهم للقوانين والقياسات، وتحاشي الأخطاء الإملائية والنحوية وأماكن النقط والفواصل في ملفات القضايا ،حتى يتبينوا قبل ان يصيبوا قوما بجهالة ثم بعد دلك يأمنون مكر الله ويا خدون الحذر كله علهم لا يكونون في خانة ثلثي الثلاثة في النار، يوم لا تجديهم مبررات المشرعين ولا تقبل لهم شفاعات المتشفعين . وادا كانت قاعدة التشريع تلغي كل الشبهات والطعون التي قد تدرا بها الأحكام بقولها “لا يعذر احد بجهله للقانون ” فلو تعلم الناس كلهم فصول القانون لم تعد لهم فائدة بالقاضي والمحامي والمحكمة ،ولا صبحوا يحيون في جمهورية أفلاطون ومدينته الفاضلة ،فلم لا تطبق القاعدة بنفس الصيغة فلا يعذر احدهم بأخطائه في الأحكام بين الناس بالعدل والقسطاس المبين . وعليه سيكون العمل بالقاعدة المذكورة يقابله نص الحديث الشريف ” كل الناس خطاءون وخير الخطاءين التوابون
كهدان الخصمان على غرار فصل الفاصل بين صاحب النعجة الواحدة وصاحب التسعة والتسعين، كلاهما أدليا للمحكمة بشهادة طبية تحمل نفس مدة العجز إلا أن الضرر أحيانا قد يبدو على احدهما للقاضي بينا، لكن تقيده بالقانون يجعله يقضى بإدانة الطرفين على حد سواء بغض النظر عمن المدعي والمدعى عليه وعمن كان الظالم او المظلوم والقاتل والمقتول والمهاجم والمدافع والبادي اظلم ، كل هدا له ما يبرره ضمن قاعدة التشريع ” تبادل الضرب والجرح ” فالضارب كالضريب يعاقبان على حد سواء، مهما كان الحال يتنافى مع قناعة القاضي
كذلك تعالج جل القضايا في محاكمنا بعجز بعض القضاة عن قراءة المذكرات وفهم الملفات َفي ضل أزمة القراءة التي تجعل بعضهم عن غير قصد يرتكبون أحيانا جرائم نكراء في حق بعض المتقاضين وفي حق أنفسهم وهم لا يبالون ولولا أزمة القراءة ما كانوا يفعلون فيأوون الى فراشهم قريرو العيون طيبوا الخواطر وهم لا يعلمون ان قضوا على بريء بالإعدام او على مظلوم بالسجن وعلى أسرهم بالشقاء والحرمان، ولولا أزمة القراءة لكان معظمهم ينتحر ون فور علمهم بحقيقة الأمر بعد فوات الأوان ،ولعل هده الآفة كانت نعمة عليهم ورحمة بهم الى حين . وأخيرا أليس بالقراءة يرقى المرء في الحياة وبالقراءة قد ينفد من أقطار الأرض السماوات ؟
وعندما أتحدث عن القضاة لان تأثير الأزمة عندهم اشد ضررا وأقسى حدة باعتبارهم أناسا يرجع إليهم الأمر في تدبير مصائر المتقاضين في كل المجتمعات ، رغم دلك فاني لا استثني أي مسئول يوكل إليه أمر السهر على تطبيق القانون او إصدار المراسيم والتشريعات ،كلنا رعاة وكل راع مسئول على رعيته ، إلا ان الأولين كانوا معنيين أكثر من غيرهم بواجب القراءة والبحث المستفيض عن الشبهات التي يدرءون بها بعض الأحكام الجائرة وعن الأسباب التي قد تجنبهم الأخطاء والهفوات المتعمدة تحت ضغوطات خارجية او اكراهات نفسية ،تهون عليهم أحيانا قطع الأعناق و الأرزاق وبجرة قلم قد تجعل أكثرهم عاجزين عن النهوض بثقل الأمانة فكانوا ظالمين جاهلين و قاب قوسين او أدنى من النار فبئس المأوى وبئس القرار
على العموم تبقى أزمة القراءة مكبح مراكب التقدم في كل المجتمعات ،ومعطل محركات التنمية في كل الأوطان، ومفتاح أبواب المستقبل ، فألا مم التي لا تقرا لا ترقى والشعوب التي لا تتدبر لا تتحضر