بقلم : محمد الوزاني
إن الله تبارك وتعالى أو جد البشر وجميع المخلوقات وفطرهم على التواصل بمختلف أنواعه وأشكاله، إما صوتا أو إشارة أو إماء، والتواصل خاصية اجتماعية، لاجتماعية بني البشر بطبعه، لذا فالشرع الحنيف رتب على هذا التواصل
أحكاما وضوابط تخدم المتواصلين وتنظم حياتهم الاجتماعية في بعدها التخاطبي والحواري والتواصلي عبر الأزمان وفي مختلف الأمصار والأقطار.
إن التواصل الفعال هو الذي يكون بناء وذا هدف وغاية ومقصد، وليس التواصل فقط محاورة بين اثنين أوجنسين، بل التواصل إما يكون في شكل مؤسساتي أو بين جنسين مختلفين، أو تواصل بين عاقل وغير عاقل، أو تواصل بين الشخص وذاته، لأن التواصل عملية تفاعلية آلية، فهي ذات بعد غائي، وليس الغاية من التواصل هي التواصل في حد ذاته، بل المدلول أعمق والغرض أسمى وأدق، ولهذا الغرض فقد أمرت الشريعة بعدم التحدث بما لايعرف مصدره ولا يتحقق منه صفة أو معنى مبنى، في قوله تعالى من سورة الإسراء: (ولاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسؤولا). وما هذا الحرص الشديد إلا لقيمة الكلام المتلفظ به وأثره على الفرد والمجتمع، ولعل مسؤولية الجوارح والأعضاء والحواس على تلفظ المرئ إلا لعظم مكانة الكلمة في شريعة الإسلام، والمسؤولية هاته دنيوية وأخروية، دنيوية بما قد ينجم عن هذا الكلام من مساوئ وعواقب وخيمة؛ إما بسماع أو رؤية أو تغير في الأحاسيس والمشاعر، وما قد يقدم عليه المستمع المتلقف للكلمة من فعل قد يرجى خيره أويجر إلى مفسدة محققة. وأخروية بما ستشهد به أعضاء الإنسان بين يدي الله تعالى يوم ينطقها سبحانه كما في قوله عز وجل من سورة النور: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون). وغير هذا فقد أمر الأعز الأكرم بالتثبت من الأخبار وتمحيصها والتأكد من صحتها بدقة وتفصيل، حتى لاتفسد العواقب وترجع بالندم على المتصرف من دون تبين للحقيقة، وخطاب الشريعة كان واضحا في هذا الأمر مزيحا الغموض ومجليا للإشكال، في قوله عز من قائل في سورة الحجرات: (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). فكان أمرا ربانيا حاسما يقصد مصلحة العباد في العاجل والآجل، لأن الخبر قد يفسد العشيرة ويشتت الأسر، لذا فالتبين واجب قبل إصدار أي حكم كيفما كان سواء فيه مصلحة أو غيرها، بلا مزايدات ولا حيف، لأن الشرع للجميع ومع صاحب الحق وإن كان على غير شرع الله.
ولما نتحدث عن الإنباء لا نقصد فقط المدلول البسيط والعادي، والذي هو محاورة بين شخصين، أو تبليغ عن خبر من شخص غائب إلى شخص حاضر في عملية التواصل التي تستدعي: المرسل والمرسل إليه والرسالة والمستقبل، لكن نقصد حتى المنابر الإعلامية والمواقع الإلكترونية والصحافة بشتى أنواعها وتخصصاتها أيضا، لأنها كلها ينطبق عليها الحكم مادامت العلة موجودة على حد تعبير علماء أصول الفقه، لأن كل هؤلاء يتعاملون بالأخبار بإذاعتها وإشاعتها، ولهذا فالخبر إما صادق أو كاذب كما عند البلاغيين، وإذا كان هذا كذلك فلا بد من التبين والتثبت، وقد نبه على هذا نبي الحكمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (كفى بالمرئ إثما أن يحدث بما سمع). ولم تأمر الشريعة بهذا جزافا وتحث على التثبت والتبين اعتباطا بل حفاظا على لحمة المجتمع وتماسكه وسعيا منها في المصلحة العامة من جهة، وصونا لأعراض الناس وكرامتهم من جهة ثانية، لأنه كم من خبر جنى على أبرياء وهوى بهم في مغبات، وكم من حديث كان من المهلكات، وكم من مقال أو موضوع نشر أو أذيع على أحد القنوات التواصلية خرب مجتمعات وشتت جماعات وفكك عائلات.
ولم يكن الوعيد منه صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (ثكلتك أمك يامعاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)، أمرا بسيطا ولا شيئا عاديا إنما لعظم الأمر وجسامة عواقبه، فكان هذا أشد تحذيرا من الخوض فيما لايفيد ولا يعني في شيئ، أو التبجح بعورات الناس وأسرارهم وأعراضهم، أو النيل من سمعة الآخرين وسوء الظن بهم واغتيابهم ونبزهم وهمزهم ولمزهم، وإلحاقهم بما يكرهونه من الأذى بالقول،إما بالوشاية أ النميمة أو غيرها. وفي مقابل هذا وعد صلى الله عليه وسلم الذين يلجمون أفواههم عن الحديث فيما يسيئ إلى الناس، ويربطون ألسنتهم عن الخوض فيما لايجدي ولا يرمي إلى مصلحة أو يلحق الضرر والأذى بالآخرين، بالجنة في قوله عيه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة). وفي حديث آخر قرن صلى الله عليه وسلم ربط اللسان وصونه بالإسلام في قوله: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). ولا يذهب فكر المرئ إلى أن المقصود باليد فقط الإيذاء بالضرب أو الجرح أو القتل، بل كل ما تقترفه اليد وما تكتسبه، ويدخل في هذا الإطار حتى الكتابة والتأليف. ويندرج في هذا حتى الداعية والمفتي والصحافي والإعلامي، فهم ليسوا بعيدين عن هذا الأمر، بل مقصودون بالخطاب، لأن الداعية في خطابه لابد أن يتحرى دقة القول وصدقه، والرفق بالناس وولين الخطاب. والمفتي لابد أن يفهم السؤال ويتلمس مغزى النص وفحواه؛ حتى يحسن الإجابة عن الفتوى، فلايزل ويضل الناس بفتواه. والصحافي لابد أن يعالج مواضيعه بحنكة وتبصر وأن يتغيى مصلحة الجمهور لا مصلحته هو. والإعلامي كذلك لابد له من الصدق والإخلاص وتحري الصواب في القول والحديث والخبر.
ختام القول:
يعتبر الخبر في الإسلام عنصرا مهما في حياة الناس، لذا حث فيه على الصدق والتحري والتبين والتثبت، لما له من دور اجتماعي في حياة الفرد والجماعة، ولا يقتصر الخبر على المخاطبة الشفاهية بين ناس مخصوصين ومعدودين، ولا بين جماعات وفرق، بل يشمل كل شرائح المجتمع وأينما امتد المجتمع امتد وتفرع معه الخبر، بين المقروء والمسموع والمذاع، ليتعمق ويتجذر في أصول المجتمع فيصبح لا محيدة عنه. وفي العصر الحاضر تعددت أشكال التواصل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات وتشعبت العلاقات وتفرعت، فلابد من إحكام الخطاب بالتثبت وضبط الأخبار بالتبين والتمحيص، وليس كل ما يقال يصدق، ولا كل ما يكتب وينشر ويذاع صحيح وروده، فلا بد من التمحيص والتدقيق.
كم انت جميل ايها القلم عندما تكتب مواضع شيقة كهته وكم يصبح لك شأن عندما توضع بين انامل الكتاب المحترفين الذين يتقنون امساكك بطريقة هائلة ….فهذاالموضوع كتب بقلم الكاتب المحترف المفلق الاديب محمد الوزاني الذي ما ترك للموضوع جانبا الا اتى به مفسرا بينا واضحا وضوح الشمس في وسط النهار ,بل ولقد افاد واجاد ودعم موضوعه بالشواهد القرآنية والاحاديث النبوية والقصص التاريخية ,وكانت تلك هي براعته المرونقة الساطعة الجامعة بين الادب والشرع ان دل هذا فانما يدل على الفطانة والتوسع في العلم والبحث والتفكر فجزى الله اخي وابن عمي على مجهوداته المتواصلة التي لا تنقطع عنا والتي من خلالها نزداد فهما وابداعا وتجملا بالجمال الذي يصدره جميل ,
فلك من الشكرالجزيل ما كتبت يداك…..انت الكاتب المدع يا سعداك
دمت فخرا لنا ولــــــــــــك…. كم سنسعد عندما نلقاك