زهير حمدوني :
شئ جميل ومستحسن أن نحتفل باليوم العالمي للمرأة فمنها أمنا أولا واختنا و زوجتنا وابنتنا ثانيا . وكل رجل يملك عقلا نقيا ونفسا زكية وله أخلاق إسلامية لا يمكنه في هذا اليوم إلا أن يبادل المرأة الفرحة بالفرحة . وتاوريرت كمدن المغرب قد خلدت هي الأخرى اليوم العالمي للمرأة بتنظيم مائدة مستديرة من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والتي عرفت حضورا مميزا ضم مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية أدلى فيها الجميع بآرائه وأفكاره واغنوا النقاش بطرحهم كل النقاط التي تهم المرأة كعنصر أساسي و فعال داخل المجتمع .
وقد كان برنامج المائدة المستديرة يسير في منحى طيب يسوده الصمت والإصغاء إلى الآخر وتبادل الأفكار والآراء في جو من الإخاء و الاحترام إلى أن انهالت بعض الأطراف بمهاجمة الإسلام بوابل من الاتهامات تقوم بتمرير بعض الأفكار الأجنبية الخارجة عن نطاق ديننا الحنيف محاولين تشويه صورة الإسلام واتهامه بكونه السبب الرئيسي فيما تعانيه المرأة اليوم من سلب للحقوق و الحريات حيث تساءلت إحدى المتدخلات بقولها لماذا الإسلام منح الرجل شاتان والمرأة شاة واحدة ؟ و قالت أيضا لماذا يقال النساء ناقصات عقل ودين ؟ مضيفة أنها لا تعلم إن كان قولا صحيحا وقالت أيضا أن المرأة في الماضي تعرضت إلى أقسى أنواع العذاب التي وصلت إلى حد الوأد . وبعدها أدلى شاب أخر من الحضور بتدخله الذي اقترح فيه عدم إقحام الدين في أمور الدولة وعبر عن توجهه العلماني وصرح بأنه يتخذ من احد العلمانيين المغاربة الدين لا يستحقون حتى ذكر أسماءهم قدوة له .
من هنا وكشاب حضر هذه المائدة المستديرة من اجل مشاركة المرأة فرحتها فقد أثار حفيظتي ذلك الكلام الواطي الدنئ الذي أبداه هؤلاء المتدخلين المعادين للإسلام فلم يسعني الصمت ولم أشاء إلا أن أقول كلمة حق حتى لا أكون شيطان اخرس . و ردا عليهم اطلب أولا من الله ان يهديهم إلى الصراط المستقيم . فانا اضن انه رغم كبر سنهم ورشدهم إلا أن كلامهم كان على ما يبدو نابعا من مراهقة سياسية فقط .
وحتى يطمئن قلبي وقلبهم ونقدم لهم أجوبة شافية عن أسئلتهم لا بد من التذكير بان الإسلام نظام سماوي جاء لكل الأمم في كل الأمكنة والأزمنة و قد كان سباقا ولا زال إلى تكريم الإنسان سواء ذكرا أو أنثى ” وكرمنا بني ادم ” ومنحه حقوقه كاملة مند ولادته إلى أن يغادر إلى دار البقاء . وقد كان واضحا في تعامله مع المرأة والرجل مند البداية فكما حرر المرأة من وأد الجاهلية ” إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ” فقد حرر الرجل أيضا من الرق والعبودية وكلمة عمر رضي الله عنه الشهيرة واضحة في هذا الباب وهو الذي قال بأعلى صوته “ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا “ . وفيما يخص قضية القسمة التي طرحتها المتدخلة أقول لها اعلمي إن ذلك القول صحيحا لا يحتمل الشك لأنه ليس كلام أي إنسان عادي كما تظنين بل هو كلام الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم لقوله : ” من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة” رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر قال الشيخ الألباني: ( صحيح ) وهو حديث في العقيقة والتي تعني الدبيحة التي تدبح عن المولود سواء كان ذكرا أو أنثى وليس في الإرث .
وهدا الحديث يبين من جملة ” فأحب أن ينسك عنه “ عدم الوجوب وإنما هي للاستحباب ، من لم يستطع توفير شاتان فواحدة و من أحب يذبح ومن لم يحب لاشيء عليه . فالإسلام دين يسر وليس دين عسر ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها “ . أما فيما يخص القسمة في الإرث فالمرأة لها عدة حالات تارة تأخذ النصف كالبنت مع أخيها الذكر ، وتارة ترث بالتساوي كالأم مع الأب ) السدس (في حالة وجود الابن ، وتارة تأخذ أكثر منه كالزوج مع ابنته الوحيدة حيث يأخذ الربع في حين تأخذ هي النصف ويرد الربع الباقي لها أيضا ، وثارة ترث ولا يرث في الحالات التي يأخذ الرجل الباقي بالتعصيب فيكون الباقي صفرا . ويرجع معظم العلماء الحالات التي ترث المرأة النصف إلى كونها ليست مكلفة بالنفقة على البيت و الزوج والأولاد . اما فيما يخص قول ” النساء ناقصات عقل ودين ” وهو حديث نبوي شريف أيضا وهو لا يمكن أن يفهم بدون اللجوء إلى النص القرآني ” واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى ” سورة البقرة الآية 282 .
وقد ارجع العلماء نقص عقل المرأة لمميزاتها الطبيعية التي خصها الله بها والمتمثلة في العاطفة والهوى و الحنان التي تسيطر على الرأي لديها أما ناقصات دين فترجع إلى إعفاءها من الصلاة والصوم في حالة حدوث عادتها الشهرية والمرأة تعفى من الجهاد وصلاة الجمعة … وان كانت حقوق المرأة ومساواتها كما قالت إحدى المتدخلات من علامات ازدهار الأمم فهدا يعني أن الإسلام لم يكن مقصرا في حقوق المرأة وهو الذي انشأ إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وخرج منه علماء داع صيتهم في جل بقاع العالم وترجمت كتبهم . علماء أجلاء تركوا لنا موروثا ثقافي يغنينا عن اللجوء إلى كتب دعاة العلمانية . و الإسلام قد جمع بين ما هو علمي وما هو غيبي وبين ما هو قطعي وما هو ظني ترك لنا فيه الاجتهاد و البحث . من هنا أقول إن الإسلام كدين وكنظام جاء للعالمين لم يكن مقصرا قط . قد يكون الخطأ في بعض التأويلات والخواطر التي ينشرها بعض المعتدين على ميدان التفسير أو بعض أعداء الدين الذين يمررون أفكارهم ويكيدون للإسلام و يؤولونه حسب أهواءهم . وأذكركم أن اكبر تقصير واكبر خطأ هو أن تقرؤون كتب غربية مدونة بلغة أجنبية وتعالج قضايا مجتمعات غير مجتمعنا وثقافات غير ثقافاتنا و تكلفون أنفسكم عناء الترجمة والشرح وتهملون كتاب الله وسنة نبيه وكتب علماءنا الإجلاء وتحكمون عنهم دون سابق علم ودون أن تبدلون أدنى جهد لفهمهم مع العلم أن ما هو سماوي لا يقارن بما هو وضعي في علم مقارنة الأديان . ولما لا تأخذون بكلام وأراء علماء الغرب ومفكريهم أمثال :
– جيمس ميتشنر الذي قال في مقال له تحت عنوان ” الشخصية الخارقة ” عن النبي صلى الله عليه وسلم ” :”….وقد أحدث محمد عليه السلام بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في الجزيرة العربية، وفي الشرق كله، فقد حطم الأصنام بيده، وأقام دينا خالدا يدعو إلى الإيمان بالله وحده “.
– تولستوي الفيلسوف اوالروائي الروسي الذي قال في مقالة بعنوان : (من هو محمد؟): “إن محمدا هو مؤسس ورسول، كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخرا أنه أهدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد ومنعما من سفك الدماء و تقديم الضحايا البشرية ، وفتح لها طريق الرقي و المدنية ,و هو عمل عظيم لا يقدم عليه الا شخص أوتي قوة ، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال“.
– جون برنار ديشو الانجليزي الذي قال ” إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة – يعني أوروبا . “-
في النهاية اسأل الله عز وعلا أن يثبت قلوب المسلمين على الحق وينور عقولهم وعقل المرأة المسلمة على الأخص التي تحاكى لها مكائد وتنصب لها مصائد من طرف أعداء الإسلام الدين يعتبرونها منفذا و ثغرة يراد منها تحطيم لبنات أسرتها المسلمة .