بقلم : عزالدين قدوري
قال الرسول الكريم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مخبرا عن ما سوف يحدث في آخر الزمان : ( تتكالب عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها قلنا (وهم الصحابة الكرام): أمن قلة يا رسول الله؟ قال : بل من كثرة ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) متفق عليه
إن من اللبنات الأساس التي استهدفت عبر التاريخ ويتم النخر فيها باستمرار للإطاحة بالحضارة الإسلامية هي اللغة العربية التي يبلغ عمرها ألفي عام تقريباً فقد عرفت هاته الأخيرة محاولات عدة عبر التاريخ مند 1901 من طرف أعدائها من الخارج حيث كانت هناك دعوات لنبد اللغة الفصحى في الأدب العربي والكتابة بالعامية كلهجة عربية حديثة بل أكثر من ذلك فقد كانت هناك دعوات للكتابة بالحروف اللاتينية وهو ما نراه اليوم . وكل ذلك لم يكن اعتباطيا بل كانت هناك مكائد ودسائس و خطط محكمة لإبعاد الإنسان العربي المسلم قدر الإمكان عن كتاب الله عز وجل المعجز لغويا . وقد سقط في ذلك الفخ للأسف بعض رجال الأدب والشعر ممن اشتهروا أول مسيرتهم الإبداعية بلغتهم الفصحى لكنهم لسوء الحظ لم يكونوا وافيين لها وانساقوا في هذا التيار الجارف مغلفين برداء ما كانوا يطلقون عليه اسم الحداثة و التجديد.
وقد استمرت تلك المحاولات دون توقف ، تأخذ عدة أشكال و ألوان بين الحين والأخر حتى لا يتم الانتباه لها واخذ الحيطة والحذر منها . فتارة تتم الدعوة إلى التسكين في الجمل العربية بدل الإعراب وتارة تتم الدعوة إلى التدريس باللغة العامية و دفع الشباب العربي إلى العزوف عن التخصص في الأدب عن طريق مجموعة من العوامل و الأساليب و قيام الأسر العربية بتسجيل أبنائهم بمدارس تركز بشكل كبير على تعليمهم اللغات الأجنبية خلال مرحلة الطفولة التي يكون فيها الطفل صفحة بيضاء في غياب شبه تام للاهتمام بلغتهم الأم لغة الضاد …
كل هذا كان إلى حد ما معلوم عند النحاة و علماء اللغة العرب والغيورين الذين كرسوا حياتهم في سبيل الدفاع والوقوف درعا صلبا في وجه كل هجوم أجنبي أو اعتداء على لغة الضاد . لكن أن يقوم أشخاص من داخل محيطنا بالدعوة إلى اعتماد اللغات الأجنبية في المواد التعليمية سواء عن سوء نية أو حسن نية فهو أمر يدفع إلى الخوف ويدعو إلى القلق ويستوجب الكثير من الحيطة والحذر .
ففي الوقت الذي أصبحت المجمعات اللغوية تطالب الإدارات الرسمية والهيئات المدنيةوالمنابرالإعلامية بالاستخدام السليم للغة العربية من اجل تأسيس اتحاد عربي كبير .
بتنا نسمع في الآونة الأخيرة من خلال أخبار مبعثرة هنا وهناك عن محاولات عدة للنيل من لغة الضاد وقد أثار هذا الأمر جدلا واسعا و ردود فعل قوية وسط المثقفين و المهتمين .
إذ مما يثير العجب والحيرة أن نرى بعض المثقفين وبعض المسئولين الدين يشغلون مناصب حساسة أول ما يفرض عليهم قبل تقلدها العلم بدستور البلاد الذي سيعملون تحت قوانينه وبنوده التي صوت عليها معظم الشعب و أولاها رسمية الدين الإسلامي واللغة العربية .
فنرى بعضهم عبر وسائل الإعلام السمعي والمرئي وبواباتهم الالكترونية يطالبون باعتماد اللغة الدارجة والبعض الأخر يطالب باعتماد لغة أجنبية لتدريس المواد العلمية ضاربين بذلك عرض الحائط كل جهود وزراء و مسئولو وزارة التربية الوطنية، والمدرسون وغيرهم من المهتمين الدين ساهموا في تعريب التعليم بعد الاستقلال .وكل ذلك بحجة أن المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء و غيرها من العلوم التجريبية لن تكون ناجحة وأحسن جودة إلا باعتماد لغة أجنبية وكأنهم يحكمون بذلك على أن اللغة العربية قاصرة ولا تستطيع أن تحتوي هاته العلوم .
فان كان الأمر كذلك فكيف اكتسح العرب في العصر العباسي عصر الازدهار العالم بعلومهم وحققوا نهضة فكرية وعلمية في مختلف الفروع المعرفية ( ترجمة ، فكر ، آداب ، طب ، فيزياء ، كيمياء ….. ) .
فعلمائنا ومفكرينا وروادنا الأجلاء في عهود النهضة لما كانت لهم إرادة قوية وعزيمة لقيادة العالم فقد أنتجوا جل علومهم باللغة العربية وما كان أجنبيا فقد كانت تتم ترجمته بدار الحكمة التي أسسها هارون الرشيد لتحقيق أول شروط الازدهار وهو الحفاظ على اللغة العربية التي أثبتت خلال القرن الثالث والرابع الهجري استطاعتها لمواكبة العصر بكل ما يعرفه من حركات علمية وفكرية وأدبية وفنية وقد حققت بذلك نجاحا باهرا والتاريخ يعترف لها .
أما ما نشهده اليوم من خرجات وقرارات لدى بعض المسئولين و بعض مدعي الحداثة بين ألاف الأقواس يجب ألا يكون محل اهتمام ولا يجب الانسياق ورائه لسبب بسيط وهو أن تكوينهم لا يمت بأي صلة ولا يؤهلهم لإصدار تلك الأحكام الفردية الاعتباطية حول مدى قدرة اللغة العربية على مواكبة العلوم ، لان ذلك من شأن هيئات ومجامع اللغة العربية التي تضم متضلعين في علوم اللغة و العلوم اللسانية.
عموما على الجميع شاء من شاء وأبى من أبى أن يعلموا أن اللغة العربية ستبقى قائمة مواكبة لكل العصور قادرة بفضل قواعدها المتينة على مواجهة تحديات العولمة و التكنولوجيا ، فكما يقول معظم النحات والمهتمين اللغة العربية هي كائن حي يحتاج فقط إلى الاهتمام به وضخ مزيد من الحياة في شرايينه بتشجيع القراءة والمطالعة والإبداع الجاد والالتفات إلى روادها . حين ذاك سنكون منصفين لها وسيكون مصير أعدائها إن شاء الله كمن سبقوهم في مزبلة التاريخ .