بقلم : الخضير قدوري
ونحن على أبواب الانتخابات الجماعية، تبدو الحكومة والأحزاب عامة كأغلبية ومعارضة وحتى بعض الفعاليات الثقافية ،مجتمعة على ضرورة مشاركة الشعب المغربي بكثافة من اجل إضفاء قليل من المصداقية المفقودة في العملية لفائدة الأحزاب السياسية ،ومن اجل تلميع وجه الديمقراطية بالنسبة للحكومة وكوسيلة للتغيير في نظر الآخرين. في كل الأحوال يبقى الشعب هو السيد الذي يمكنه أن يصنع الحزب والحكومة والدولة ،وهو من يمكنه أن يرفع سقف البناء أو يحطم القواعد ،علما باعتباره المكون الأساسي لكل هذه المؤسسات والهيئات التي تحسب قيامها بفعل ذاتها فتتنكر له ، أحيانا ناسية أو متناسية انه بدون حجر ما شيدت قصور، وما تطاولت الجبال لولا الصخور.
طبيعي وضروري ما تنادي به هذه الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية وحقيقي ما ترمي إليه ولكن هل تدرك هذه الفعاليات الحزبية والحكومية على الخصوص إنها قد أخلت بدورها ،عندما لم توفر في أسواقها البضاعة الجيدة التي يقبل على اقتنائها المتسوقون ،ولم تصنع الرجال الذين يحضون باختيار الشعب وبالتالي هل كانت هذه الفعاليات نفسها من اختياره ؟ وأنها تحضا فعلا برضاه ،أم كانت منذ نشأتها فرضا مفروضا زعامة وفكرا وتوجها ،وهل كان كل المعتنقين مقتنعين بمذاهبها السياسية ، وما انشقاقها عن بعضها إلا خير دليل على ذلك ، سؤال بهذا الحجم قد يعجز اللسان عن إيجاد جواب مقنع
هنا تكمن الغاية والوسيلة ،ولهذا يجب أن تنتفي الضرورة ، فهل كانت هذه الحكومة التي تتخوف من عزوف قد يشوه واجهة ديمقراطيتها ،وكأحزاب مهددة في مصداقيتها ،وهي تسعى للحفاظ على ماء وجهها ،لذلك ومن اجله تجمع الأولى والثانية وتعملان على الوقوف على منصة واحدة تتوسلان الشعب بضرورة المشاركة في الانتخابات المقبلة ،في حين قلما يرى هذا الأخير من وراء ما يدعى إليه أي طائل ،ولا أدل على ذلك من الأداء الحكومي الذي لم يحمل إليه إلا مزيدا من الرفع في الأسعار، والتقليص من قدرته الشرائية ،والتضييق عليه في حياته اليومية ،وما زاد الطين بلة إخلافها للوعود الانتخابية التي من اجلها منحها ثقته الغالية ، حيث تبين له أن هذه الأحزاب التي تنشا عنها هذه الحكومة قد أخلفت وعدها ،وخانت عهدها أكثر من مرة ،وما كانت تهدف سوى الى الاستوزار واعتلاء المناصب التي لم تكن مؤهلة لها ماديا ولا معنويا ،ولم تكن في مستوى مسئولياتها .ولا أدل على ذلك هذه الفضائح التي أدت إلى العزل والإقالة دون الإطاحة بهذه الحكومة التي برهنت عن عجزها وفشلها للشعب غير ما مرة ،وهذه الأحزاب التي فقدت مصداقيتها لدى شعب قد يسحب ثقته من قديمها وقادمها ومن أصولها وفروعها فلم يعد تنطلي عليه الوعود العرقوبية ، وأساليب الخطابة ذوات المقدمات الملغومة والخواتم المفهومة ،في زمن العولمة والانفتاح على العوالم السياسية والثقافية والفكرية ،حيث أصبحت الفضائيات والشبكة العنكبوتية وغيرها من أدوات التواصل ،تكشف ما وراء الزعامات شبه الوهمية ،فلم تعد تصنع لها تلك الهالات الشكلية المنسوجة من الخزعبلات ، لتستحوذ على أفكار الشعوب المغلوب على أمرها ،وتؤثر في قضاياه الجوهرية ،رغما عن ذلك فان أسلوب التسييس الثقافي وعدم التثقيف السياسي المعتمد ،قد يستبعد إيجاد نخب قادرة على استرجاع الثقة المفقودة إلى المؤسسات الحكومية والهيئات الحزبية التي تستغل فشل المنظومة التعليمية التي قلما تفرز مثل هذه النخب التي تستطيع إصلاح ما أفسده السابقون منذ نصف قرن في ظروف قياسية
ونضرب لذلك مثلا بهذه المنظومة التي شهدت تجربة عدة إصلاحات على مدى عشرات السنين ،دون ان تؤدي إلى نتيجة ايجابية . فيأتي مخطط عزمان الأخير على غرار مخطط المرحوم بلفقيه وغيرهم، والذي سيعمر هو الأخر خمسة عشر سنة أخرى ، وتجربة قد تمتد إلى نهاية سنة 2030 ليحكم بعد ذلك على نجاحها أو فشلها، وقد لا يهم عمر الأجيال من المتمدرسين الذين حكم عليهم منذ أول وهلة بقضاء أعمارهم في مدارس أشبه ما تكون بمحميات التجارب، وما تبقى منها في سجون بطالة متوحشة لا تستطيع أية حكومة اقتحامها وفتح أبوابها وتخليص هؤلاء الأبرياء من سجونهم ،وتحريرهم من عبوديتهم ،ورفع معاناتهم والتخفيف من عذابهم .
لست متشائما إذا قلت إني لا أرى فيما أرى تقدما ما لم أر نظاما تعليميا يعطي متعلمين متخلقين مقتنعين بكفاءتهم على مواكبة ركب التنمية ،وقدرتهم على النهوض بالأعباء الثقيلة ،ولا أرى فيما أرى ازدهارا ما لم أرى نظاما تربويا يعطي رجالا متشبعين بروح وطنية تغنيهم عن الأطماع المادية ،والأغراض الشخصية بما يقدمونه لوطنهم من أعمال أغلى ما يجازون به جميل الذكر في الحياة ، وجمال الثناء بعد الممات . فان تعطى دولة رجالا من هذا النوع فقد أعطيت اغلي ما يوهب ويعطى ،من أسباب الرقي والتقدم والازدهار .وان أنتج نظام تعليمها نخبا من هذا الشكل فقد أنتج ثروة خام لا تنفذ ،ومنبعا لا ينضب ،وجديدا لا يبلى فبالنخب ترفع دعائم الدول ، وبالمثقفين والمفكرين والعلماء يزان ثقل الأوطان ، فهل نجحت دولتنا لحد ألان في اختيار نظام تعليمي قادر على إنتاج أدمغة وصناعة رجال في مستوى طموح الوطن،؟ سؤال مازال يراوح مكانه وما لم يجد له جوابا شافيا سيبقى مطروحا إلى حين