بقلم : الخضير قدوري
هل كانت حكومتنا الموقرة ذكية ،لا أظن .وهل كانت حكيمة ،أيضا لا أظن . وهل كانت صارمة ،لا أظن .وهل كانت عنيفة ،أيضا لا أظن وبمقابله هل كان هذا الشعب راضيا بتعاطي هذه الحكومة مع وضعه الاجتماعي ،ممكن .وهل كان أداؤها مناسبا لمعاشه اليومي ،أيضا ممكن كلها أسئلة قد يجيب عليها الشعب إذا أراد الحياة .
منذ اعتلاء هذه الحكومة ظهر هذا الشعب الذي كان بمثابة حصان غير مطواع ،لم يكن من السهل عبر تاريخه على أي فارس مهما كانت شجاعته أن يلجمه وبالأحرى أن يسرجه ،وليس من الهين على أي راكب أن يضع رجله في ركابه ،وبالأحرى أن يستوي على ظهره .في هذه الحالة فإما أن تكون هذه الحكومة أكثر شجاعة من غيرها ،واشد قوة من مثيلاتها. أو يكون هذا الشعب قد تم ترويضه وفق إرادتها إلى أن أصبح أهون لديها من ثور جاثم .لابد من وضع عدة علامات استفهام محيرة دون كل الأسئلة المطروحة .
كان من المفروض على هذا الشعب أن يجيب هذه الحكومة التي لا تخفي الضحك على أذقانه والسخرية من إذعانه، كحمل وديع لم يتحرك لهبات ريح الربيع العربي ،ولم يتأثر بلفحات هبوب الثورات المتأججة ،إما لكونه غبيا أو لكونه ذكيا ،أو لكون موقف هذه الحكومة قويا. عندما تدعي الفضل في تمنيع المغرب من هذه العدوى التي أصابت كثيرا من دول الشرق العربي ،رغم أن الأسباب والدوافع واحدة فقد استطاعت في نظرها أن تجعل المغرب خاليا منها ،والشعب المغربي محصنا من عدواها فان كانت تستطيع فقد استطاعت من قبل مثيلاتها كمن ادعت أنها قد أنقذت المغرب من السكتة القلبية ،وكمن ادعت هي الأخرى إنها أشفته من الذبحة الصدرية ،والثالثة من ادعت أنها انتشلته من الغرق وبفضلها نجا من الاحتراق وادعت الرابعة والخامسة والسادسة الخ….
رغم أن الفضل في كل ذلك يعود بالحق إلى صاحب الجلالة الذي استطاع أن يترجل عن حصانه ليمشي جنبا مع شعبه ،وان ينزل من برجه ليعانق بالأحضان مواطنيه .فان كانت هذه الحكومة تركب على هذا الفضل الذي جعل هذا الشعب وديعا ذليلا صامتا جاثما ،وهو نفسه من ثار ثورته المشهورة ضد زيادة بعض السنتيمات القليلة في سعر الخبز خلال سنوات الستينات ومنذ ذلك الحين وعلى مدى أكثر من أربعين سنة كانت الزيادة في الأسعار ببعض السنتيمات ، يقرأ لها ألف حساب من طرف كل الحكومات السابقة ،التي حرصت أيم حرصها على أن لا يتكرر الخطأ. وبالمناسبة عينها مثل الملك العبقري الحسن الثاني هذا الشعب بالأسد الرابض، الذي لا يتحرك إلا إذا جاع ،أو أراد احد أن يقتحم عرينه ،إلى أن جاءت هذه الحكومة التي تريد تجويعه وتستفزه ليغادر عرينه حتى ترى إن كان ما يزال قادرا على الحركة والنهوض فتربطه .
فإذا بهذا الشعب الذي انتزعت منه ثقته وهي اعز ما يملك ، وقد وجده كمنخدع لم يرى مبررا لسحب هذه الثقة، وهي بمثابة صك بدون رصيد في حوزة حكومة مقابل وعود لم تف بها جعلته رهينة مفروض عليه أن يحتمل وخز الضمير خوفا من التشفي ، ويتقبل خيبته في حكومة علق عليها كل أماله في تحسين أوضاعه الاجتماعية والمعيشية ،وحمايته من المفسدين والعابثين بثرواته ،حتى أصبح حاله لا يختلف عن حال مقامر قامر بكل ما تملك يداه ، فلما خسر خسر كل شيء دفعة واحدة . لكن ما يحز في النفس هذا التعاطي السلبي للحكومة مع صمت الشعب ، ولامبالاتها مع احتجاجات بعض فئاته الاجتماعية ،باعتبارها مجرد أقليات لا وزن لها ولا قيمة ،ولا ذات أهمية. فلم تول لصراخها أذانا مصغية، متناسية أن أصل الثورة صرخة واصل الحريق شرارة ،كمن وضعت هذا الشعب في زجاجة مغلقة منعزلا في جزيرة منقطعة عن عالمه ،حتى لا يتأثر بما يدور حوله في زمن العولمة والانترنيت .
هل تعي الحكومة أن الشعب ليس غبيا إلى هذا الحد الذي يجعلها تحمله ما لا يطاق كالبعير ،فتوقع له على عودها أنغاما تحسبه سيرقص على إيقاعاتها ، وتضيف إلى قاموسها السياسي مصطلحات مركبة من مفردات غير متداولة ، كمصطلح المقايسة الذي تبرر بموجبه رفع دعمها عن المواد الاستهلاكية للمواطن ، والأساسية لحياته. فتتبجح بزيادة النمو بمباركة صندوق النقد الدولي ،وخفض العجز الاقتصادي عن خزينة الدولة ، كل ذلك على حساب القدرة الشرائية للمواطن ، المتأثرة من الرفع في سعر المحروقات التي ينعكس أثارها سلبا على كل متطلباته ،إلى أكثر من تسعة دراهم لللتر، عندما انخفض سعر البرميل إلى خمسين دولارا ،ولم يكن سعر اللتر يتجاوز سبعة دراهم حينما كان سعر البرميل يتجاوز المائة وعشرين دولارا .وقد وجدنا نظام مصطلح المقايسة يتنافى مع التزامات الحكومة برفع وخفض سعر المحروقات وفق انخفاض وارتفاع سعر البرميل في السوق العالمية .إلا أن هذا النظام لم يؤخذ به إلا في حال ارتفاع سعر البرميل ،أما في حال انخفاضه سيبقى سعر المحروقات ببلدنا في تزايد مطرد إلى أن يستقر عند حدود عشرة دراهم لللتر بالنسبة للكازوال وخمسة عشر درهما بالنسبة للبنزين .
ورغم انخفاض سعر البرميل ،وانخفاض قيمة الاورو ،ورغم التساقطات المطرية ،كل ذلك من المفروض أن ينعكس إيجابا على المعيش اليومي للمواطن ،أخذا بعين الاعتبار أوضاع الشيوخ والشباب والمعطلين والمرضى والفقراء والمرأة والرجل والطبقة الدنيا ككل، إلا أن هذه الحكومة مازالت تعتزم الرفع في سعر غاز البوطان ،ومادة السكر والشاي والدقيق على غرار الماء والكهرباء ،وكل ما يمس بالمعيش اليومي للمواطن لتحرر صندوق المقاصة ،فماذا تبقى بعد ذلك من حقوق للمواطن على الدولة ،إلا أن يتحرر من واجباته نحوها ،حتى لا يعود هناك ما يربط بينهما كإنذار بتفكك لا يحمد عقباه .
إذا كان حرمان المواطن من دعم الدولة لمتطلبات حياته اليومية ،فقد حل على الحكومة اقتسام الفائض فيما بين أعضائها على شكل علاوات وتعويضات وامتيازات وسفريات ومن اجل تأثيث مكاتب واستبدال سيارات وتوفير أسباب الرفه وتنظيم الرحلات داخل الوطن وخارجه وكذلك تعويضهم عن الزيادة في سعر غاز البوطان والماء والكهرباء والبنزين إلى غير ذلك وكما تعاملني أعاملك يا زميل ، ليس ثم من دخان بلا نار، ولا ثم من إشاعة لا تتحول مع الأيام إلى حقيقة وواقع ، باعتبارها مجرد أداة ووسيلة من اجل جس نبض الشارع . كما سمعنا بعد أيام أن وزارة الداخلية قررت منح رجال السلطة تعويضات جزافية من ألفي درهم إلى أكثر من ثلاثين ألف درهم بأثر رجعي منذ ثلاث سنوات .ثم قيل فيما بعد أن الأمر يتعلق فقط بفئة محدودة ولا تشمل كل رجال السلطة إلى أن ظهر علينا السيد رئيس الحكومة يفند كل ما قيل وان كان هذا القرار مازال يكتنفه نوع من الغموض المتعمد سيبقى في النهاية ساري المفعول وان كره الكارهون كيفما كان الحال ستبقى هذه التعويضات الممنوحة لرجال السلطة في هذا الوقت بالذات له تفسيرات عدة عند مختلف أحزابنا السياسية وذهب جل المحللين إلى اعتبارها رشوة من اجل الحسم في عملية الانتخابات المقبلة .
ألا ترى الحكومة أن هذا العمل قد يفقدها مصداقيتها ،ويجعلها في نظر الشعب من أسوا الحكومات السابقة واللاحقة وأشهرها فسادا ،وحتى على المستوى العالمي من حيث ما تتصف به من عدم استقرارها على رأي سديد، فهي تقول كثيرا ولا تفعل قليلا وقلما تفي بوعودها أو تحترم شعبها ، لقد أصبح كل شيء في عهدها يرتفع كالأسعار. البطالة والمعطلين والمرض والمتألمين والفساد و المفسدين والجريمة والمجرمين والتسيب والمتسيبين والفوضى و الفوضويين والطلاق والتطليق والمتطلقات والمطلقين والأرامل واليتامى والمشردين وحوادث السير وعدد الجرحى والموتى والسجون وعدد المساجين وهلم جرا . ترى فمن تكون هذه الحكومة ؟ ومن رحم أي شعب انحدر أعضاؤها ، ترى وما وراء صمت هذا الشعب ، هل يكون صمتا ستمزقه الانتخابات المقبلة ،أم يكون هدوءا يسبق العاصفة ، أم هو استسلام خلقه أمر واقع نجم عن ضعفه أم هي خبرة هذه الحكومة بخباياه وبمكامن ضعفه ، وما تملكه من قوة واليات الردع من اجل إخضاعه حبا وكرها ( ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ) مئات علامة استفهام دون مئات أسئلة ربما قد يجيب عليها بعض القراء الذين يملكون من ناصية البيان أكثر مما نملك ، ويفهمون في علم السياسة أكثر ما نفهم ولا نريد إلا أن نفهم ونعلم ونتعلم ، ثم نقتنع بان هذه الثلة التي تدير دفة الحكم في بلدنا وتتسلط على رقابنا هي على صواب، حتى لو كان عملها يهمنا ويحزننا ويؤلمنا ، وأداؤها يكرهنا فيها ويحفز على الانتقام منها حينما سنحتكم إلى صناديق الاقتراع فإما أن نكون ولا تكون أو تكون فلا نكون .