تاوريرت بريس :

 أرقام قياسية ونمو مطرد، تثبت صناعة الطيران المغربية مكانتها الرائدة في إفريقيا والعالم حيث تتجاوز صادرات القطاع مليار دولار، وعدد الشركات العالمية المستثمرة بالمغرب في ازدياد مستمر.

خبراء تحدثوا لـ”إرم بزنس”، يرون أن المملكة المغربية “تريد استنساخ قصة نجاح قطاع السيارات بقطاع صناعة الطائرات”، مع توفيرها بنى تحتية متطورة وجلب استثمارات كبيرة وتوفير عمالة ماهرة.

وحققت صادرات المغرب من قطاع الطيران 1.3 مليار دولار في النصف الأول من سنة 2024، بارتفاع بلغت نسبته 16.5% مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، وفق بيانات مكتب الصرف المغربي في نشرة أغسطس الجاري بشأن المبادلات الخارجية، بخلاف “تصنيف المغرب بالمرتبة الأولى في صناعة الطيران بإفريقيا ومراتب متقدمة عالميا، واستقطاب أكثر من 140 شركة عالمية من بينها إيرباص الأوروبية وبوينغ الأميركية داخل المملكة”.

قدرات مغربية

 

تلك التقديرات يستند إليها المحلل الاقتصادي المغربي، إدريس العيساوي، في حديث لـ”إرم بزنس”، لتأكيد أن صناعة الطيران تحلق عاليا بالمغرب، وقادرة على الذهاب إلى تصنيع 100% مستقبلا، وفق قدرات وإرادة مغربية وأرقام وبيانات رسمية تدل على إمكانية تحقيق ذلك.

ويكفي “مراجعة مراحل تصنيع المغرب في مجال صناعة الطائرات للتأكيد من ذلك”، وفق “العيساوي”، لافتا إلى أن “السر يكمن في سياسة التكوين الصناعي المستمر، بخلاف الاستثمارات الأجنبية المتدفقة للقطاع، والاعتماد على اليد العاملة المؤهلة، ووجود منهجية تدريجية واستراتيجية لتطويع أي عقبات قد تواجه التصنيع الكامل مستقبلا.

ويضيف العيساوي قائلا: ” المغرب في طريق إنجاح مساره المتقدم بشكل لافت في صناعة الطائرات التي تخطو وفق استراتيجية تصنيع السيارات والتي شهدت نجاحات كبيرة”.

ولدى المغرب حالياً قدرة إنتاجية من السيارات تبلغ 700 ألف سيارة، ينتج منها بالفعل نحو 500 ألف سيارة سنوياً، جعلته أكبر منتج للسيارات في إفريقيا، وساهمت في إنتاج أول سيارة محلية خلال 2023، وإعلان النموذج الأولي لمركبة تعمل بالهيدروجين،، وفق بيانات رسمية حديثة.

وبحسب البيانات ذاتها، ارتفعت صادرات المغرب من السيارات خلال الربع الأول من 2024 بنسبة 13% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفي 2023 بلغت أكثر من 14 مليار دولار بزيادة 27% مقارنة بعام 2022، مما جعل قطاع السيارات أول قطاع تصديري في المملكة.

استنساخ تجربة ناجحة

 

ويعتقد مدير مرصد مراقبة العمل الحكومي، الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في حديث لـ”إرم بزنس”، أن “المملكة المغربية تريد أن تستنسخ قصة نجاح قطاع صناعة السيارات الذي حقق أرباحا فاقت التوقعات خلال الـ 10 السنوات الماضية من خلال قطاع جديد عبر صناعة الطائرات”.

ومن أهم أسباب نجاح ذلك القطاع إسهاماته في الاقتصاد المغربي، وفق جدري، لافتا إلى إن قطاع صناعة الطائرات “يشهد نمواً ملحوظاً، حيث تستقطب الشركات العالمية للطيران مثل بوينغ وإيرباص لإنشاء مراكز صيانة وإصلاح الطائرات، مما يعزز الفرص الوظيفية للمهندسين والفنيين”.

و”أصبح هذا القطاع اليوم يشغِّل أكثر من 18 ألف منصب شغل في حوالي 142 مقاولة في هذا الميدان، ناهيك عن تحقيقه لحوالي ملياري دولار كحجم أعمال خلال سنة 2023 بنسبة إندماج محلية تعادل 38%”، بحسب الخبير الاقتصادي المغربي.

ويعتقد جدري أن بيانات النصف الأول من العام الحالي بشأن قطاع صناع الطائرات، توضح أن المغرب يسير في اتجاه ما أنجزه قطاع صناعة السيارات، حيث حقق بتلك الفترة 1.3 مليار دولار ومتوقع أن يتجاوز حاجز 3 مليارات دولارات مع نهاية السنة”.

ويرى إمكانية أن يسهم التوجه في تعزيز الاستثمارات الجديدة في هذا القطاع “مزيدا من التقدم مع في قطاع الطائرات على نحو ما رأينا في السيارات”.

حضور قوي

 

كذلك يرى الخبير الاقتصادي المغربي والمستشار الوزاري السابق، بدر الزاهر الأزرق، في حديث لـ”إرم بزنس”، أن مسألة التطور التي يشهدها قطاع الطائرات في المغرب مردها إلى أن الحكومة عملت على توفير الأرضية لانطلاق هذا القطاع الذي لم يكن له حضور قوي في المشاركة في الاقتصاد المغربي.

وعملت الحكومة المغربية، وفق بدر الأزرق، على ضخ استثمارات كبيرة في البنى التحتية الصناعية خاصة في منطقة النواصر القريبة من الدار البيضاء ثم كان كذلك هناك توجه منها لفتح المجال وتحفيز المستثمر في هذا القطاع وجذب كبرى الشركات للعمل انطلاقا من المملكة بعد توفير البنى التحتية والطرق والأيدي العاملة المؤهلة بتكلفة منخفضة، بجانب قربها من الأسواق الكبرى.

وفي ضوء تلك المحفزات، تواجدت مجموعة من الشركات الكبرى كندية وأميركية وأوروبية تعمل في مجال صناعة الطائرات بالمملكة، بحسب الخبير الاقتصادي المغربي، مشيرا إلى أن الرباط تسعى لرفع نسبة الإدماج، سواء بنسبة كبيرة في قطاع الغيار وتصنيع أجزاء من الطائرات شأنه في ذلك شأن صناعة السيارات التي تجاوزت نسبة الإدماج فيها 60%.

ويشير إلى أن المغرب يريد تكرار تجربة صناعة السيارات على صناعة الطائرات، غير أنه من غير الممكن التحدث عن تصنيع طائرة 100% حاليا، لافتا إلى أن صناعة السيارات التي هي بالأساس متقدمة بحاجة لخطط تسويقية وإنتاجية تضاهي الاستثمارات الغربية بينما تصنيع الطائرات حاليا يتم بشراكات أجنبية.

ويرجح بدر الزاهر الأزرق وهو أستاذ باحث في قانون الأعمال بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أنه خلال عقد من الزمن على الأقل أو عقدين على الأقصى بالإمكان خلق منظومة صناعية إنتاجية لصناعة الطائرات، متوقعا أن تزيد المملكة من جهودها لاستقطاب استثمارات أكبر في ذلك المجال مع تطوير البني التحتية وتوفير الأيدي العاملة الماهرة.