بقلم : عزالدين قدوري

 حين أمشي و أتجول بين الدروب و الأزقة و الأحياء الشعبية لمدينة تاوريرت لاستطلاع أحوالها و أحوال سكانها البسطاء المغلوب على أمرهم أجدني وسط مدينة منكوبة. تسمع فيها طوال النهار احتجاجات المارة على الوضعية الكارثية التي تعرفها الأزقة و الشوارع جراء الطرق و الممرات المغبرة و الموحلة التي تخترقها مجاري مائية تفوح منها رائحة نتنة تجتمع حولها جل أنواع الحشرات الضارة ناهيك عن انعدام الإنارة ببعض الأحياء الأخرى مما يجعل الساكنة وخاصة تلاميذ المؤسسات التعليمية يعيشون مسلسلا من المعانات مع العتمة و الظلام الذي لا ينتهي .
حين أتجول بين دروب و أزقة مدينة تاوريرت اليتيمة اسمع خلف الأسوار الهينة صوت آهات المرضى، وانين الأطفال الدين يبكون من شدة الفقر و الجوع، أسمع صوت الشباب العاطل عن العمل الذي يبكي خلف أسوار حجرته من شدة الآلام و المعاناة النفسية التي سببتها له البطالة و العطالة. مرضى لم يجدوا فكة دراهم لشراء أدويتهم اللازمة، أطفال يلعبون وسط المزابل و الأتربة، والشباب العاطل عن العمل استسلم البعض منه لمظاهر الانحراف مستغلا الأزقة و الأحياء المفتقرة للإنارة العمومية لمعاقرة الخمر وتدخين المخدرات و الممنوعات.
– فهل من منقذ لهذه المدينة المنكوبة، هذه المدينة اليتيمة ؟ وهل من غيور عليها ؟
أين الجمعيات المحلية التي لها دور أساسي في التواصل و التأطير والتوعية والخلق والإبداع؟ و أين المنتخبين و كل الفاعلين الدين يسهرون على توفير الظروف الملائمة للساكنة؟، أم أنهم وهنوا و لم تعد لهم قوة بعدما مرضت قلوبهم و نفوسهم من الجشع و البشع. أين دور المثقفين الدين يحملون هم هذه المدينة الوجمة الوجلة؟، أم أنهم أصبحوا اتكاليين بدل أن يكونوا فاعلين و مبادرين.
إن هذه الوضعية المزرية للمدينة جعلتها بعيدة كل البعد عن باقي مدن البلاد تنمويا و فكريا وفنيا وثقافيا… مدينة تعيش على هامش الحياة، تندب حظها ويتمها، مدينة خارج الزمن الراهن.
فالى متى سنبقى واقفين حيث نحن، نبكي على الأطلال و نندب ونصرخ ونرثي مدينتنا الثكلى اليتيمة؟ أما آن الأوان أن نقطع مع الطامعين، و الانتهازيين باسم العمل السياسي و الجمعوي ذوي المصالح النفعية الخاصة، الذين لا تهمهم بعد فوزهم مصالح المدينة اليتيمة ومشاكلها.
إلى متى سيتم دعم نفس الوجوه في العمل السياسي و الجمعوي؟ الم يتوصل الوعي الجمعي إلى أن من فشل في السنوات الماضية للنهوض بأوضاع المدينة لا يمكنه الفلاح والنجاح للنهوض بها في المستقبل.
الم تنجب مدينة تاوريرت من شبابها و رجالاتها من يتحلى بروح المبادرة ويحمل بحق شعار التغيير ومشعل التنمية.
يحضرني في هذا الصدد كلام لمسئول كبير سابق بمدينة تاوريرت في اجتماع موسع له مع شباب و ممثلي الساكنة حين قال مؤكدا ( إن مدينة تاوريرت تحتاج إلى من يغار عليها و يحبها بصدق وينهض بأوضاعها من أبنائها الذين ترعرعوا في أحضانها ) .
وحسب فهمي المتواضع فان هذه الكلمات المختصرة لذلك المسئول الكبير كانت تحمل رسالة عميقة الفحوى، واضحة المعنى، أومأ من خلالها للمنتخبين و جل الفاعلين على اختلاف أطيافهم بحجم مسؤولياتهم التاريخية والاجتماعية … أمام مدينتهم و سكانها، فإما أن تعيش وسطهم محبوبا، مرفوع الرأس، مرحبا بك من خلال ما حققته لها من انجازات، أو ينظر إليك كخائن للأمانة.