بقلم : الخضير قدوري

الخضير قدوري

 

جريا على العادة المألوفة ككل سنة وفي إطار اليوم الوطني للمهاجر باقليم تاوريرت كغيره من الاقاليم تم استقبال افراد جاليتنا بمقر العمالة من طرف السيد عامل صاحب الجلالة الذي استهل مداخلته بكلمة ترحيبية تخللتها فقرات من الخطاب الملكي مذكرا بما ورد فيه من التعليمات السامية لصاحب الجلالة وعنايته بافراد الجالية وبعد الاستماع لبعض المداخلات ذات الطابع الشخصي دعا الحضور الى حفل شاي على شرفهم لينتهي الحفل بالدعاء لصاحب الجلالة بموفور الصحة والعافية
الا اننا ككل افراد الجالية على المستوى الوطني كنا وما زلنا ننتظر من حكومتنا الموقرة ان تفاجئنا ذات يوم باستجابتها لإحدى مطالبنا المطروحة مند سنين عديدة وتبشرنا با يجاد الحلول لبعض مشاكلنا المعروضة على مجالسها المحترمة مند سنين متعددة كنا ننتظر ان تطالعنا حكومتنا يوما بقرارات جديدة تدخل السرور على افراد جاليتنا طبقا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الداعية الى تقريب الإدارة وتقديم الخدمات لرعاياه كضيوف خفاف قد لا تدوم إقامتهم سوى بعض الأيام القليلة هم ليسوا بصدد المحاسبة او إعطاء الدروس لأحد
وإنما نحن كغيرنا من المواطنين المغاربة لا فضل لنا على إخواننا المقيمين ولا نتميز عنهم فيما نتقاسمه من الحقوق والواجبات الا ما شاءت الظروف القاسية وحكم الضرورة التي تجعلنا نطالب بنوع من المرونة في السلوك والتعامل في تبسيط المساطر الإدارية وحق الأولوية والأسبقية الممكنة في إطار القانون وحدود ما تسمح به السلطة التقديرية للمسئول في ملامسته لقضايانا ومعالجته لمشاكلنا التي لا حصر لها اجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا وثقافيا الى غير دلك فيحسسنا بكوننا مواطنين مغاربة ليس من الدرجة الثانية او الثالثة او كغرباء قد لا تدوم إقامتهم في كل ارض أكثر من يوم وليلة فيعزمون على الرحيل
بدءا من يوم وضع أقدامنا على ارض وطننا الى غاية يوم مغادرتنا إياه ومعاناتنا قد لا يتسع المجال لمناقشتها ولا الزمان لمعالجتها ولا المكان لدراستها ولا الظروف ستساعد على أيجاد الحلول الممكنة لها او لبعضها في مثل هده المناسبات
إننا لا نخفي تعبنا من تسويد ألاف الصفحات وإفراغ مئات الأقلام ومللنا من معاودة هده الاسطوانة المشروخة مند سنين عديدة وفي كل مناسبة دون ان نجد لأصدائنا أذانا مصغية او نحقق من ورائها اية نتيجة لتبقى أقوالنا مجرد كلام يمحوه النهار وأعمالنا مجرد حبر على ورق لدلك إننا نلتمس من المسئولين كانوا ولاة او عمالا او رؤساء او مدراء معنيين بقضايانا مهتمين بمشاكلنا في كل اقليم إعطاءنا حيزا من وقتهم للجلوس معنا حول مائدة مستديرة للحوار ودراسة كل الملفات المطروحة والمشاكل الحقيقية الموضوعة كنقط في جدول أعمالنا التي يعاني منها أفراد الجالية على المستوى المحلي والاقليمي والجهوي والوطني والعمل على إيجاد الحلول الممكنة في إطار القانون وفي ضل التعليمات السامية لصاحب الجلالة بضرورة مراعاة ظروف هده الشريحة المحرومة من ابسط حقوقها الاجتماعية والقانونية والدستورية كما إننا لا نخفي ما يعانيه أفراد الجالية كشباب وكشياب كنساء ورجال على حد سواء قد ينمي بداخلهم الشعور بنوع من الإحباط المعنوي ويحطم عندهم الروح الوطني ويصدهم عن الوطن ولا يحس بهدا الإحساس إلا من يجاورهم و يعايشهم ويجالسهم وما نقوله هو مستنبط من واقعهم ومعيشهم اليومي فادا كان حب الوطن قويا نخاف مع مرور الزمان ان يكون الصد أقوى
فأسوق على سبيل المثال لا الحصر ما قد يلاحظه كل مهتم بشان الجالية كما نلاحظ هدا الهدوء والسكون المخيم هده السنة على أحياء جل القرى والمدن المغربية التي كانت الأعراس فيما سبق تقض مضاجع سكانها ومواكب العرسان تملا شوارعها على مدى شهرين متتابعين ليلا ونهارا دون توقف ان دل دلك على شيء إنما يدل على غياب جيل الشباب وعزوفه على العودة الى ارض الوطن وهو يفضل قضاء عطلته او شهر العسل في دول أخرى لأسباب متعددة في مقدمتها غلاء تذاكر السفر على الطائرة او الباخرة ومتاجرة بعض وكلاء النقل والسماسرة بمعانات أفراد الجالية بالإضافة الى رداءة الخدمات وسوء المعاملات مرورا بتعقيد المساطر الإدارية من اجل إبرام عقود الزواج كل دلك قد يضر في الدرجة الأولى بالقطاع السياحي والاقتصادي لبلدنا ويعرقل الاستثمار ويعطل التنمية ناهيك عن جيل الآباء المتقاعدين الدين اقبلوا على بيع منازلهم والتخلص من ممتلكاتهم في وطنهم وتخلو عن عصارة شبابهم وقد شمروا للرحيل عنه الى مواطن إقامتهم نتيجة النصب والاحتيال وضعف الحماية القانونية والضغوطات الأسرية ولا مجال لذكر المزيد وقد وصل الى علمنا في غضون هده السنة رحيل أكثر من 68 متقاعدا وحوالي30 مستثمرا عن مدينة تاوريرت الى مواطن إقامتهم بصفة نهائية ان دل دلك على شيء أيضا إنما يدل على تراجع نسبة غير قليلة من الراغبين في العودة الى ارض الوطن والاستقرار فيه نتيجة فقدانهم للثقة التي تفقدهم الشوق والحنين لهدا الوطن إلا ما أبقاه الشوق كجاذبية حسية لصلة الأرحام وعطف صاحب الجلالة ورعايته السامية باعتبارها الطاقة المتجددة التي تبعث فينا الأمل في التغيير وترفع معنوياتنا المحبطة مما يتعين على حكومتنا الموقرة العمل على شد هده الأواصر وإحكام هده الروابط ودعم هدا العطف المولوي وترجمته بالملموس على استرجاع الثقة للنفوس ان أفراد الجالية وبخاصة جيل الأبناء باعتبارهم الثروة اللامادية التي تراهن على اكتسابها كل الدول النامية دون تفريط في جيل الآباء باعتبارهم المرجع الذي يرجع إليه هؤلاء الأبناء والرابط الذي يشدهم الى ارض الوطن الا ان حكومتنا مع الأسف لم تكن منصفة الى الحد الأدنى فلا تغصب الجالية حقها وبالأحرى ان توفي لها الميزان ولم تقدم لها على مدى عمرها مثقال درة إلا من وصلات اشهارية وفواصل إعلامية تزامن موسم كل عبور مع خلوها من كل مصداقية وفراغ محتوياتها من كل المضامين الأمر الذي سيؤدي لا محالة الى انعكاسات قد تؤثر تأثيرا سلبيا على أجيالنا كلها على الامادين دلك ما سجلناه من خلال ارتساماتهم أثناء مغادرتهم نتمنى ان تكون دولتنا قد تفهمت قيمة جاليتها المادية وللامادية ككتلة اقتصادية كدبلوماسية موازية كطاقات فكرية وسياسية كمغرب يمشي على قدميه في شوارع كل مدينة من مدن العالم وكروح وطنية لها جاذبية خاصة تشدهم الى وطنهم بقوة كلها خاصيات قد يتميز بها أفراد جاليتنا على كل الجاليات الأمر الذي يوجب على دولتنا وحكومتنا ان تعمل جاهدة على استغلالها استغلالا ايجابيا قبل ان تنفصم عرى هده الروابط او تتقطع حبال التواصل
وبما ان اقليم تاوريرت يعتبر من الاقاليم التي تحتوي على اكبر جالية قد يتجاوز عدد أفرادها 6 ألف نسمة جلهم شباب قد تأثروا بفعل الأزمة الاقتصادية في بلدان الإقامة أكثر من غيرهم وهم يعيشون هناك تحت ضغوطات اجتماعية واكراهات قانونية ومعاملات عنصرية قد تعرضهم أحيانا للتطرف وتدفعهم للانحراف وتجعلهم عرضة للمتطرفين الأمر الذي ينبغي لحكومتنا ان تتفهمه وتسعى جادة لتمنيعهم ثقافيا وبضرورة تشجيعهم على الاستثمار وضمان الاستقرار ومدهم بالتسهيلات الممكنة لإنجاح مشاريعهم التجارية والفلاحية على الخصوص واستثمار خبراتهم في هدين المجالين فتحفزهم على العودة الى وطنهم وتطمئنهم على مستقبلهم أبناؤنا في أوروبا عموما أكاد اجزم بالقطع عدم رغبة معظمهم في العودة الى بلدهم بقدر ما يضغطون على أبائهم من اجل العودة الى مواطن إقامتهم لاعتبارات كثيرة سيما الدين يتوفرون على جنسيات في دول الإقامة ومن يخضعون لإغراءات الوكالات السياحية ويؤمنون بالمقارنة البينية وبالمعنى الصحيح للديمقراطية والمفهوم السليم للحرية وحقوق الإنسان إنها كلمة حق لا نريد بها باطلا