بقلم : الخضير قدوري
على بعد أشهر قليلة وجريا على العادة المألوفة كلما اقتربت الانتخابات ،حيث تبدأ أحزابنا الوطنية في محاولة جمع شتاتها من اجل ملء كراسي قاعات مؤتمراتها لتجديد أسماء زعمائها وتأثيث مكاتبها وتنميق واجهاتها بوجوه قديمة جديدة ، ثم تتهيأ لتوزيع الأدوار فيما بينها . لاشك ان هذه السنة ستشهد تظاهرات حزبية من هذا النوع تتضمن أساليب مختلفة في الخطابات والشعارات المؤثرة ،استعدادا لخوض معركة الاستحقاقات المقبلة، من اجل كسب أصوات جديدة واستمالة من لم يعايشوا التجربة
فإذا كان حزب العدالة والتنمية بحكم تمظهره بمظهر من لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ،ومن لا يريدون بعملهم سوى وجه الله من اجل إنقاذ الشعب الذي يرزح تحت قيد من لا يخافون الله ولا يرحمون عباده ،ويخلصونه ممن يسمونهم العفاريت والتماسيح الذين كان شعارهم الدائم هم وبعدهم الطوفان . من اجل ذلك يكون هذا الحزب قد أحرز على أغلبية أصوات هؤلاء الناقمين على الأحزاب الأخرى ،التي استولت قبله على ذفة الحكم في البلاد فعاثوا فيه الفساد لو لم يخيب الأمل ، خيبة كانت صدمتها اشد قوة على الهاربين من القطر الى الغرق في البحر ،عندما لم يتحقق من وعود منقذهم إلا ما زاد من بلة طينهم ، بتضافر الزيادات في الأسعار والعمل على شفط الدهون من تحت جلودهم ، منذ أربع سنوات خلت ظل هؤلاء من اثر الصدمة مهووسين سكارى وما هم بسكارى، قد شلت عن الحركة أطرافهم وسكتت عن الكلام ألسنتهم ،وشخصت في أفق ضبابي إبصارهم ،كأنها تستجلي الحقيقة الضائعة في الوهم وراء مسوح المتقين وورع الملتحين
واليوم كالأمس وكالغد لا شيء قد تغير ولا شيء قد يتغير في هذا البلد لصالح الشعب المغلوب على امره ، ولكن ما ينبغي للمؤمن ان لا يلدغ من الجحر مرتين وليس عشرات المرات ،ولا للعاقل ان تنطلي عليه الحيل مرتين وليس كل مرة فليسال أولو الألباب التاريخ وسيجيبهم بأنه لا خير في قديم ولا في قادم
بعد شهور قليلة ستنتهي ولاية حكم حزب سيسحب جمهوره ثقتهم منه وسيجرده الشعب من كل مواصفاته، وسيضع عنه مسوحه ويحلق له لحيته ليظهر له على حقيقته ، عندئذ سيعود الى الصف الأخير في انتظار جيل جديد عله لا يتذكر او ينسى فيخدعه مرة أخرى كما خدعه السابقون ، وهكذا دواليك .واليوم كالأمس ربما يكون قد جاء دور حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يدنس من اللؤم عرضه ، لوحده او بتحالفه مع بعض أحزاب الكتلة ، ليقوم على أنقاض حكومة حزب العدالة والتنمية وطاقمها المشئوم المنتهية ولايتها مع مطلع السنة المقبلة لتعود الى الوراء فتستريح قليلا حتى تسترجع أنفاسها لمعاودة الكرة ،وتتفرغ لإنتاج وإخراج مسرحية جديدة تعرضها على ركح مسرح قلما ستجد لها متفرجين ، انها مجرد هزليات ومسرحيات تتبادل فيها الأدوار للضحك على أذقان شعب يؤمن بالديمقراطية كما يراها في بلدان الغرب ،ولكنه لم يفهم الأسلوب الذي تمارس به الديمقراطية في هذا البلد وغيره من بلدان الشرق، من طرف سياسيين لا يرونها سوى لعبة انتخابية ووسيلة سياسية ،من اجل بلوغ أهداف شخصية على ظهر الشعب وادراك غايات معينة تذر عليهم الثروات الطائلة من حسابه ، ومتى كان هذا الأخير سيفهم هذا الأسلوب ويستفيق من غفلته ، ويعلم انه الحجر الذي يشيد به الصرح الديمقراطي الحقيقي والقاعدة التي ترفع عليها دعاماته ، إذاك سيتغير لديه مفهوم الديمقراطية المعتمدة من طرف سياسيي هذا البلد ، وبعد ذلك سوف لن يرضى أبدا ان يكون مطية يمتطيها كل من هب ودب من الأميين ودعاة الزعامة الحزبية والحنكة السياسية ، التي تمكنهم من الحقائب المليئة والمناصب السامية ،فتوصلهم الى مراكز مسئولية لم يخلقوا لها ولا هم اقدر على تحملها ،فلا لوم عليهم ممن حملوهم وأوصلوهم واقاموهم مقاما عاليا ،وقد لا يكون هؤلاء الا أدناهم إيمانا وأخلاقا وعلما وفهما ،ولا أجدهم أولائك الناقمون الجدد الذين يسيرون في مسيرات التحدي من الأساتذة والأطباء ،ومن خيرة ما أنتجته الجامعات والمعاهد رغما عن انف الإصلاحات الفاسدة ، التي يراد بها تكريس الجهل والأمية وتفريخ البطالة والفقر وترسيخ الطبقية الاجتماعية
والله أجزمت بلا خير في قديم ولا خير يرجى من قادم ، ففكروا يا أولي الألباب واسألوا التاريخ ان كنتم لا تعلمون ، لعلكم تؤمنون وربما تتذكرون فتعقلون ثم تحمدون الله وتشكرونه على انه لم يضع زمام أمركم وأمر هذا البلد بأياديهم ،وإنما قد وضعه بيد أمينة ولدى ملك مؤتمن، يرى دوام ملكه وازدهاره رهين بدوام وفاء شعبه مقابل ضمان الأمن والحرية والعيش الكريم